بريجيت باردو
بريجيت باردو


بريجيت باردو تكتب : نبالغ فى تقدير الحب

أخبار الأدب

السبت، 12 نوفمبر 2022 - 02:30 م

نهاية القصة
إنها نهاية القصة وأنتِ لا تعرفين ذلك. ها هو ذا هنا، واقفًا أمام النافذة، وأنت غاضبة لأنه يحجب عنك النور. ليس هو من ترينه ولكن النهار الذى يمنعه من الدخول. يبدأ الأمر هكذا. هو هنا، ووجوده يزعجكِ. ما عدت تنتظرينه.

تعودين إلى البيت فى المساء وتفتحين الراديو. قبلة شاردة وأنتِ تخلعين حذاءك. ثم يحلّ الصمت. لا تعرفين كيف حدث هذا. منذ متى؟ فكرتِ أن ذلك غير ممكن. ليس هو وليس أنتِ. تعرفين كل الفِخاخ، الروتين، التسوّق. يبدو أن الغَسْل يقتل الحب. لم تتخيلى ذلك قط، ترفضين ترك نفسك تسقطين وتنغلقين فى كليشيه كهذا. لكن دخان سيجارته يزعجكِ مع ذلك. هذه علامة. تتغافلين عن تفسير العلامات.


 لم يحصل شيء، وأنت لا تحبينه بعد اليوم. تحاولين التثبت. يجب أن تكونى متأكدة. ولكنك لستِ كذلك. أنت تحبينه، فى الحقيقة، ولا تحبينه فى الوقت نفسه. عليكِ أن تقرري، لأن الأمر أصبح مزعجًا بالفعل.

وتفكرين أنكِ تحبينه، لكنك لا تتحملين أن يقطع الصالون برداء الحمام. أن يجلس أمام التلفزيون بهذه الهيئة، وشعره الذى ما يزال مبللًا، مسرّحًا إلى الوراء. تحبينه هو، بلا شك، ولكن هذا المشهد المتكرر يوميًّا هو ما يجعلك تنفرين.

ويجب ألا تخلطى الأمور. الأكيد أنك تحملين كثيرًا من المشاعر الرقيقة تجاهه. يبدو أن هذا ما نقوله، عندما نتوقف عن الحب. كلما أظهرنا مودّة أكثر أحببنا أقلّ، ماذا إذن؟ لكن من يستطيع تحديد الفرق بين الاثنين؟ تظهر المودّة عندما نفقد الرغبة. عندما نكتفى بمداعبة خد شريكنا قبل النوم. إنها ما يجمع بابرينال ونيكولا.


لستما فى هذه المرحلة مع ذلك. تمارسان الجنس، بالطبع. بل تفعلان ذلك دائمًا، وباقتناع ورغبة. ولكنه يفعل ذلك بشكل سيئ. ترى هل هو من يفعلها بشكل سيئ؟ أم أنت تتصيدين الأخطاء؟ منذ متى والحال هذه؟ ولماذا لم تتحدثى معه بهذا الشأن من قبل؟
تُبعدين فكرة أنكِ توقفتِ عن حبه. ولا تتصورين أنه عليكِ أن تقولى له شيئًا كهذا. مع أنه بالنسبة لكِ هو شغلك الشاغل، الذى تستوعبينه تمامًا. تقبلين فكرة أنك لا تتحملين بعد الآن: مشيته، سياقته، الموسيقى التى يسمعها، دون أن تحوّلى هذا الأمر إلى دراما. أنتِ مزعجة، جارحة أحيانًا.

ولكنك تموّهين. ثم تفقدين السيطرة على الأمور. تُفلت منك. تبدئين صفّ الشكاوى ومراكمتها، فتشبهين أمك. تكرهين نفسك. تحاولين التحلى بدم بارد، وإعطاء فرصة أخرى لقصتك. أنتِ رقيقة، متفهمة، أنت كل ما يستلزم الآلة الآن، كى تعود إلى العمل. لست مجبرة على الحديث حول هذا.

ويمضى أسبوع، اثنان أحيانًا. تذهبان إلى السينما، تقومان بدعوة الأصدقاء، تمضيان إلى الجبل لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. تفكرين أنك تضللين نفسك. إنه رجل حياتك بالفعل. لقد كنت مخطئة، ظالمة، متعجّلة، متطلبة بهوس. 


من تظنين نفسك؟ ينسى مفاتيحه بعد ذلك، فيسبب لك الأمر أزمة، يحاول أن يقبّل عنقكِ، فتدفعين مشاعره الفائضة بعيدًا عنك. تقولين إنه لا وقت لديك. ترشح منك الأعذار. تفكرين فى أنّ كل ما يحصل ليس سوى خطئه. منذ متى وهو خطؤه؟ متى بدأ هذا؟
تستدعين ذاكرتك، تفحصين أدق التفاصيل. تتعقبين القرائن، تحتاجين إلى أدلّة. لا تؤمنين بإهمالك، فهذا أمر لا يشبهكِ. ترفضين قبول فكرة أنك استطعتِ خداع نفسك. لديك الحكم الأفضل على شخصيتك. لكن كلما بحثتِ أكثر فهمتِ ما جرى أقلّ. تعيدين الشريط من بدايته، من اليوم الأول: لقاءكما بعد حفل راقص، مكالمتكما الهاتفية الأولى، عشاءكما الأول، ليلتكما الأولى، عطلتكما الأولى، بياريتز، الفندق الذى يقع أعلى البحر، الريح والمحيط الجامح، أول عودة لكما من العطلة.

ونظرتكما الحزينة لفكرة أنكما ستفترقان لتعودا إلى العمل. كلا، إنك لا ترين شيئًا كان يمكن أن يدعوك إلى الحذر فى كل هذا. كان يدخن داخل السيارة، ولم يحدث أن أزعجك هذا. فى المساء، كان يشرب كثيرًا وأنتما فى المطعم، وكنتِ تشربين معه. كان يضيّع ولاعته، نظارته، أوراقه، وكنت تجدين ذلك رومانسيًّا. كان يغمرك بالبهجة.

وكان فريدًا، خفيفًا، متهورًا. ترينه مختلفًا جدًّا. تستعيدين أول شقة زرتماها، تتذكرينها جيدًا. اتفقتما أنها جيدة، ووجدتما كل شيء فيها مناسبًا لكما. لم تَثنِكما الرطوبة ولا الضجيج، ولا عدم وجود سخان، ولا ضيق مساحتها. قررتما أن لا تلقيا لذلك بالًا. كنت تلتهمينه بعينيك. لا تفكران فى شيء سوى المستقبل الماثل أمامكما. كنتما خالدين. كنتما تمتلكان كل الوقت.


وهذا الوقت، الذى هو اليوم، ما الذى تفعلين به؟ تدمّرينه، تقيّمينه، تضعينه فى مقارنات، تحاولين تفسيره. تجعلين من وقتكما هذا سلّمًا لتحديد القيمة. رجل حياتك تحوّل إلى حقل تجارب. تضعينه تحت التجربة، تُرغمينه على الدخول فى صناديق، الصناديق التى تلائمك. تخصصين له مكانًا.

وتمنحينه دورًا. وتفرضين عليه ألا يتجاوز تلك الحدود. تتعاملين معه مثل «شيء»، حيث أنت فقط من يحدد كيفية استعماله. تتحكمين فيه حسب إرادتك. تعرفين ما يجب عليه القيام به، التفكير والقبول. تريدين تعليمه، إعادة تعليمه.

وما عدتِّ تحبينه. لقد أفرغته من معانيه الأساسية ومواده الأولية، جعلته مستهلكًا. أصبح ضئيلًا أمامك ومتعَبًا، وهكذا لم يعد يعجبكِ. صَدفة فارغة لأنكِ امتصصتها. هل نستطيع أن نحبّ صَدَفة؟ هل نستطيع أن نحبّ رجلًا لا يتمرّد؟
هل بدأ هذا منذ اليوم الأول؟ هل أنتِ من قتل قصتكما؟ يُقال: إن النهاية تكون مكتوبة داخل البداية. خطأ من إذن؟ الذى ابتلع الآخر، أم الذى سمح للآخر أن يبتلعه؟

اقرأ أيضا | أحمد الزناتي: الزيت والنار بين تولستوي ودوستويفسكي

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة