هالة صلاح الصياد
هالة صلاح الصياد


المسكونة بالروح السكندرية: لا أؤمن بالإلهام فى الأدب!

الأخبار

الأحد، 13 نوفمبر 2022 - 05:56 م

بقلم : محمد سرساوى

ماذا يحدث اذا اختفت الأم؟، كيف سيكون حال أفراد الأسرة؟، هل سيضيعون أم سيهتدون إلى «البوصلة» فى حياتهم؟، أسئلة تطرحها الأديبة هالة صلاح الصياد فى روايتها «مخرج للطوارئ»، التى تحكى عن سيدة سكندرية اسمها «ألطاف» تختفى فجأة وتترك عائلتها المكونة من زوج وشاب وشابة وطفلة، وماذا سيكون مصيرهم بعد هذه الحادثة؟، وتحكى «هالة» تاريخ هذه العائلة، وتفاصيل حياتهم اليومية فى تلك الرواية -الصادرة عن دار صفصافة.

وعنها تقول: على الرغم من أننى لا أؤمن تمامًا الآن بأسطورة انتظار الإلهام حتى يشرع المبدع فى النص، إلا أنه بتلك الطريقة بدأت أكتب منذ كنت صغيرة، إنه ليس إلهاما بالضبط، ولكنها «دفقة» من المشاعر والأحداث تتجمع تدريجيًا إلى أن يضيق بها صدرك فلا تجد منفذا إلا عبر الكتابة.

وفيما أظن أنه هكذا تكون دومًا البداية، «البداية» وليس أكثر، ثم يتطلب الأمر صبرًا وعملًا يوميًا من أجل بلوغ أساسات الرواية الأولى، و«مخرج للطوارئ» تحديدًا كانت قصة قصيرة نُشرت فى مجموعتى القصصية الأولى، والقصص القصيرة بشكل عام تكون بالفعل لبنتها الأولى «دفقة» واحدة تخرج وأنت جالس إلى لوحة المفاتيح أو «الكيبورد».

ثم تأتى بالطبع مرحلة إعادة الكتابة، مرة بعد أخرى، و الاسكندرية هى مدينتى التى أعرفها كأصابع كفى، هى عالمى وبالتالى هى العالم الذى تتحرك بداخله شخصياتى، و بتلك البساطة، ولهذا فقط جاءت مسرحًا لأحداث كل ما كتبت حتى الآن، فى السطور تحدثنا هالة عن روايتها الأولى:
متى يفر الإنسان من حياته الأسرية اليومية؟
فى أغلب الأحيان لا تكون اختيارات مثل «الزواج، الإنجاب» هى اختيارات يذهب إليها كل إنسان بوعيّ وتخطيط كامل لما هو مقبل عليه، ومهما ظن أن تلك رغبته وهذا اختياره، فالحقيقة أن ذلك هو ما جُبل عليه كمصير مُوحد لكل فرد فى المجتمع.

وهو إذًا ينساق إلى بناء أسرة، ويجد نفسه فجأة مسئولًا عن تلك الأرواح التى جاء بها. أظن أن الأزمة تأتى من عدم «التخطيط المُسبق» و الانسياق الأعمى لتوقعات المجتمع، وحين تتفاقم تلك الأزمة، ويفهم المرء أن ربيع حياته فى حضن والديه-لو كان ربيعًا بالطبع-ولى، قد يختفى سواء كان اختفاؤه جسديًا أو نفسيًا، ينسحب تدريجيًا مُثقلًا بالعبئ

وقد يتحمل الإنسان ذلك العبء عن طيب خاطر لو تلقى عليه حبًا وامتنانًا، وهو ما لا تجده فى الأسر المفككة، والدائرة تنغلق على ذاتها، أبوان لا يمنحان حبًا وتفهمًا ثم يستغربان عدم تلقى الامتنان من الأبناء الذين يشقون لأجلهم! دون أن يدركوا أن ذلك الشقاء ليس إلا واجبًا، وأن المطلوب هو الحب والتفاهم والتواصل، وأن ما تزرعه فى بيتك تحصده دون زيادة!


ترددت كلمة «بحر» كثيرا خاصة فى وصف شخصيات، فما السر؟
ببساطة حبى للبحر وارتباطى به على مدار حياتى كلها، ما بين بحر «الإسكندرية» وبحر «مرسى مطروح»، حيث كنت أقضى عطلات الصيف قديمًا، وانعكاس ذلك منى على الشخصيات التى هى أيضًا مثلى، ولدت وعاشت بالإسكندرية.


شعرت بطلة الرواية -التى اختفت- أنها مجرد جسد ضخم وفارغ من الداخل، فمتى يشعر الإنسان بذلك الإحساس؟
فى ظنى أن ما يسبب ذلك هو اختفاء «المعنى» ذلك الشعور بأن وجودك فى الحياة ليس إلا ملئا للفراغات، حين تحس أنك لا تفعل شيئا ذا بال، لا أقول شيئا يُضيف إلى العالم أو البشرية، وإنما فقط يُضيف إلى دائرتك الضيقة، الناس من حولك.

وقد شعرت «ألطاف» أنها لم تعد ذات قيمة أو أثر لأبنائها، هذا إلى فقدان «الحُب»، إذ إن الشعور بالحب يُضفى على الحياة مهما كانت شاقة، معنى وسكنًا يأوى المرء إليه عند نهاية يومه المُحبط الشاق.

وإن تلاشى ذلك السكن فما الذى يبقى؟ والإنسان يرى نفسه فى عيون الآخرين، هكذا نحن مهما حاولنا إنكار ذلك أو تغييره، وإن لم تجد حبًا موجهًا إلى ذاتك، سوف تكرهها بدورك، ومقت الذات يفرغها تدريجيًا حتى التلاشى.


ذكرت جملة فى الرواية «من أين تأتى تلك الأحلام»، فكيف تصنع الأحلام؟
الأحلام هى «المخاوف والرغبات» المتراكمة فى «اللاوعيّ»، وهى الأشياء التى رأيتها خلال يومك دون أن تمر على وعيك، فتنساب إلى الداخل، ثم يُعيد عقلك إنتاجها عند النوم، ويقول «ماثيو ووكر» فى كتابه «لماذا ننام» إن للأحلام قدرة على شفاء الجروح جميعًا، هى الوقود الذى يساعد الإنسان على تخطى الحزن.

وفى رأيى الأحلام لها أهمية بالغة فى البناء الدرامى للشخصيات لأنها انعكاس واضح لما يدور داخلهم، بل ربما يتعرف عليهم القارئ من خلال أحلامهم بشكل أقوى مما يعرفونه هم أنفسهم عن أنفسهم لو عجزوا عن فهم معنى تلك الأحلام، أو أحالوها إلى رؤى ورسائل واضحة تخوفهم من قرار ما أو تدفعهم للقيام بشىء معين.

دون أن يقفوا لحظات من أجل تأملها لتكون دلالة عما يخيفهم حقًا أو ما يرغبون فيه دون أن يصارحوا أنفسهم بذلك، لو أعطى المرء لأحلامه فرصة لتتحدث إليه لتعرف إلى ذاته بشكل أوضح، الأحلام آلية استشفائية قوية، وأبلغ صورة لما يدور داخل الإنسان.


تحدثت عن الزمن حين قلت «إعادة تجسيد الزمن فى الغرفة»، و»الزمن فقد هويته المألوفة» فمتى يحدث ذلك؟
مازلت أذكر تلك القصة التى درستها فى منهج اللغة الفرنسية فى الصف الثالث الابتدائى، وهى قصة بسيطة تدور حول الطفل الذى يشكو أن الوقت فى المدرسة خلال الحصة يمر بطيئًا جدًا، ثم يركض فجأة، خلال الفسحة!.

وفى البيت تمر ساعات المذاكرة عليه بطيئة، مملة، ثم تمنحه أمه ساعة راحة فيجدها قد مرت وكأنها لحظات قليلة، وببساطة تلك القصة القديمة، هذا هو الوقت، تتشكل هويته تبعًا لما يفعله المرء به، ولا أنسى تجربة جهاز الرنين المغناطيسى مثلًا، حيث مرت بى الثلث ساعة.

وكأنها عمر أقضيه داخل الجهاز الضيق الخانق بأصواته العجيبة، بينما يمر أسبوع أقضيه فى رحلة لطيفة وكأنه ساعة! وإذًا فهوية الزمن تتشكل باستيعاب المرء له، وتتم الخامسة والثلاثين مثلًا دون أن تفهم كيف وأين مضت كل تلك السنوات؟ فى نفس ذات الوقت الذى تشعر فيه أن شهر أغسطس خانق ثقيل لحرارته، لا يمر!

اقرأ ايضا | عائشة المراغى تكتب: مهرجان القاهرة السينمائي دورة صديقة للبيئة

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة