صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه


عاطف محمد عبد المجيد يكتب: أسمهان.. مطربة قلما تتكرر

أخبار الأدب

السبت، 10 ديسمبر 2022 - 01:46 م

سألتُ نفسى ما الذى يجعلك تختار أسمهان بصفة خاصة، دون غيرها لتكتب عنها؟ وما هى المبررات المنطقية التى دفعتك إلى هذا؟ وما الذى يختلف فى حياة أسمهان عن حياة غيرها من المشاهير؟
هذه الأسئلة وجهها إلى نفسه الكاتب السيد عبد الفتاح فى استهلاله لكتابه “أسمهان” الصادر عن  نفرتيتى للنشر منذ شهور، وفيه ينفى الكاتب أن يكون السبب الجوهرى للكتابة عن أسمهان هو كونه متيّمًا بصوتها فقط، مؤكدًا أن هناك أسبابًا كثيرة من أجلها قرر الكتابة عنها مع تركيزه على أنها مطربة قلما تتكرر.


السيد عبد الفتاح يرى هنا أن حياة المشاهير تستهوى الكثير من الناس، الذين يحرصون على أن يقرأوا عنهم ويتعرفوا عليهم، إذ يرونهم من طينة أخرى غير طينة بقية البشر، ولهذا يُقْبل هؤلاء على متابعة كل ما يخص أولئك النجوم بشغف كبير.


فى الوقت الذى يذكر الكاتب أن حياة أسمهان مثلها مثل بقية المشاهير، إلا أن هناك اختلافًا ما عنهم فى طريقة معيشتها،  ذاكرًا أن سبب تأليفه لكتابه هذا عن أسمهان هو أن حياتها رغم قصرها إلا أنها كانت مليئة بالأحداث والمتناقضات، ورغم أنها لم تتجاوز مرحلة الثلاثينيات من عمرها إلا أن حياتها كانت أكثر إثارة من حياة من تخطّوا الثمانين أو التسعين من عمرهم. 


متناقضات
هنا يرى عبد الفتاح كذلك أن أسمهان عاشت حياتها، بالطول والعرض، وملأت حياتها بالمتناقضات: العقل والجنون، الحب والكراهية، الصدق والصراحة ومعهما الكذب، الفقر والغنى، الحاجة والثراء الفاحش، التدين والتحرر، الملل واليأس، وغيرها لقد لمعت أسمهان، يقول الكاتب، كالبرق، خطفت الأبصار، لكنها كان مُقدّرًا لها ألا تستمر طويلًا.


ومما يثبته هنا نعرف أن أسمهان كانت تعشق الأضواء والشهرة، وأن تكون محل نقاش وحديث ومحط اهتمام، وأنها عشقت السهر ليلًا، وصاحبت كثيرين وأحبت كثيرين وأحبها كثيرون، وقد تزوجت سرًّا وعلنًا، عن حب وعن مصلحة.

ورغم إدمانها للخمور إلا أنها كانت حريصة على أن تحتفظ بمصحف صغير فى حقيبة يدها ولا يفارقها فى أى مكان، وإلى جانب كل ذلك تعاملت أسمهان، يضيف الكاتب، مع أجهزة مخابرات من أجل خدمة الوطن.


وعبد الفتاح الذى يذكر أن من بين الأسباب التى حفزته لإص هذا الكتاب قضية مصرعها، من قتلها؟ وكيف؟ ولماذا؟، يؤكد أن هذا الكتاب هو محاولة للاقتراب من البعد الإنسانى لأسمهان، مشيرًا إلى أنها شخصية ثرية وغامضة ومُلغزة ومحيرة، مركزًا على قضية تعاونها مع المخابرات البريطانية وقضية مصرعها الغامض الذى لم يتوصل أحد لحل لغزه حتى الآن، يقول:


أسمهان التى وُلدت فى الماء على متن سفينة ركبتها عائلتها، التى تنتمى إلى آل الأطرش، هربًا من تركيا إلى سوريا، وكذلك لقيت حتفها غرقًا فى الماء، عاشت ما يقرب من اثنين وثلاثين عامًا حسب بعض الروايات.


ولأن أسرة أسمهان، على حد قول المؤلف، عانت كثيرًا من الفقر والحرمان، وبالتالى كانت معاناة أسمهان أكثر وأشد وطأةً، فقد أثر ذلك عليها حينما كبرت وحرصت على أن تعيش حياة تعوضها ما عاشته من بؤس وشقاء وحرمان، فراحت تنفق بإسراف شديد، ولم تحرم نفسها من أى متعة من متع الحياة، معتبرة نفسها أميرة بنت أمراء، وليس لمثلها أن تعيش حياة أقل من هذه الحياة المرفهة.


وأما فى ما يتعلق باكتشاف أسمهان كصاحبة صوت جميل، يقول السيد عبد الفتاح إنه ليس معروفًا على وجه الدقة من هو مكتشفها، هل هو مدحت عاصم، أم محمد القصبجي، أم داود حسنى الذى أطلق عليها اسم أسمهان الذى عُرفت به بعد ذلك وطغى على اسمها الحقيقي: أمل، ذاكرًا أن أول أفلامها الذى حقق نجاحًا كبيرًا هو فيلم انتصار الشباب، وقد لفت الأنظار بشدة إلى موهبتها الغنائية والتمثيلية، ما جعل العروض تنهال عليها.


جانب آخر من جوانب شخصية أسمهان يكشفه السيد عبد الفتاح هنا وهو ميلها إلى القيادة، حيث كانت داخلها نفس متميزة وشخصية قيادية تمردت على الدور المعتاد لسيدة فى مثل حالها، خرجت إلى الحياة العامة كأميرة لها رأى وشأن وسلطان، ذاكرًا أن أكثر مراحل حياتها سخونة وإثارة هى المرحلة التى تعاونت فيها مع المخابرات البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية.

ودورها الكبير الذى قامت به فى التمهيد للمعارك التى ت فى سوريا بين الحلفاء والألمان والفرنسيين التابعين لحكومة فيشى وانتصار البريطانيين والفرنسيين الأحرار بزعامة الجنرال ديجول.


أسمهان والرجل
وعن الرجل فى حياة أسمهان يقول السيد عبد الفتاح إن الرجل سواء أكان أبًا، أخًا، زوجًا، حبيبًا، أم صديقًا، فإنه بمثابة البوصلة التى حركت قارب أسمهان فى الدنيا، واصفًا هذا الدور بأنه خطير، سواء أكان بإرادتها أم على غير رغبة منها.


أسمهان التى وصفها الكاتب الصحفى مصطفى أمين بأنها امرأة ساحرة، كانت تتصرف وكأنها فى زيارة خاطفة للدنيا، وكانت فى كل عيد ميلاد لها تبكى قائلة إنه الأخير، قائلة عن فشل زيجاتها إنها لم تجد الرجل الذى يسيطر عليها، الذى يصفعها لا أن يركع أمامها، الذى يشتمها لا أن يتغزل فيها، الذى يفرض عليها إرادته ولا يطيعها طاعة عمياء.


والسيد عبد الفتاح الذى يُرْجع غيرة بعض النساء من أسمهان نظرًا لتميزها بجمالها الأخاذ، صوتها الساحر، وشخصيتها القوية،  يقول بأن كثيرين وقعوا فى غرامها، مشيرًا إلى أن قائمة عشاقها تشمل شخصيات مصرية وعربية وأجنبية: ملوكا ورؤساء دول ورؤساء حكومات،  وزراء، رجال قصور، سياسيين، فنانين، ملحنين وصحفين.


وكذلك نعرف هنا أن أسمهان قد سيطر عليها طوال حياتها إحساس رهيب بالخوف، خاصة بعدما كبرت، كانت تخشى المجهول ظانة أن شبح الموت يرفرف عليها بجناحيه، مشيرًا إلى أنها كانت ضيفًا رئيسًا فى جلسات النميمة والصفحات الأولى بالصحف والمجلات التى حرصت على تتبع أخبارها.

كما حاولت الانتحار أكثر من مرة لتتخلص من حياتها التى كانت تعتبرها شقاءً وبؤسًا وجحيمًا مستمرًّا يسرق منها متعة حياتها ويفقدها الرغبة فيها، ومن الأسباب التى أدت إلى دخول أسمهان عالم السهر والإفراط فى الشراب، يورد الكاتب ما ذهب إليه التابعى من أن هذا مرده إلى الحرمان الذى عانت منه وهى صغيرة.


وهكذا يمضى بنا السيد عبد الفتاح فى ردهات حياة أسمهان المتعددة  والصاخبة حتى يصل إلى أن يقول إن رحيلها لم يكن طبيعيًّا، بل جاء ملغزًا شأنه شأن أسمهان نفسها التى عاشت فى غموض وماتت أيضًا فى غموض.

ولقد كانت وفاتها مثيرة مثلما كانت حياتها وكأنها جاءت على طريقة أفلام الإثارة وروائع المخرج العالمى ألفريد هيتشكوك، مشيرًا إلى أن اختفاء أسمهان قد أراح كثيرين، سواء أسرتها أو أجهزة مخابرات أو قصر ملكي، ولذا اتفق الجميع ضمنيًّا على غلق ملفها وطيّه إلى الأبد.

اقرأ ايضا | ذكرى رحيل القصبجي..عمل على تجديد الموسيقى العربية متأثراً بالتراث الأوروبي

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة