الأديب نجيب محفوظ و د.أمانى فؤاد
الأديب نجيب محفوظ و د.أمانى فؤاد


في عيد ميلاد حضرة المحترم: «محفوظ».. صاحب الذكرى الحية

الأخبار

الأحد، 11 ديسمبر 2022 - 06:16 م

الأديبة المتميزة والناقدة البارزة د.أمانى فؤاد قررت الاحتفاء بعيد ميلاد أديب مصر العالمى نجيب محفوظ، على طريقتها كأكاديمية مرموقة، وناقدة متعمقة، حيث  كتبت هذه الدراسة الموجزة لتطل على عالم محفوظ صاحب الذكرى الحية المتجددة عبر نقاط بالغة التكثيف، تختزل زخم هذه الرحلة الإبداعية الفذة:

انقضت أربع وثلاثون سنة منذ حصول نجيب محفوظ على نوبل فى الأدب، وما بين لحظة حصوله على نوبل ولحظتنا تلك بدت متغيرات كثيرة طرأت على مصر والمنطقة العربية.


ففى اللحظة التى شعر فيها كل مصرى وعربى بالفخر لبروز خارطة اللغة العربية وسردها وثقافتها ومبدعيها على قمة الثقافة والإبداع العالمى انبثقت آمال ظلت تراود كل المبدعين العرب حتى لحظتنا تلك.

ولتكرار نوبل ثانية للثقافة العربية، الغريب فى الأمر أن لحظة نوبل محفوظ كما حملت فى وقتها السعادة والفخر لحصول مصرى عربى على هذه الجائزة العالمية، إلا أنها أصابت كثيرين كعادتنا بسُعار التشكك والغيرة.

واختلاق أسباب غير موضوعية حول نيل نجيب محفوظ لجائزة نوبل، كما طالت الأقاويل شخص محفوظ ذاته وتوجهاته الفكرية والسياسية، لكن يظل إبداع الرجل فوق هذه الترهات التى يختلقها المتشككون دائما.


وفى ذكرى ميلاد محفوظ استعرض معكم بعض خصائص التجربة المحفوظية، حيث بدا نموذجا متفردا،وامتلك مقومات استثنائية لم تتكرر حتى لحظتنا هذه، وأوجزها فى عدة نقاط:
تخطيطه المرن لما ارتضى إنجازه من مشروع فى إبداع الرواية والقصة القصيرة بعزيمة لا تكل، رغم معوقات العيش المتعددة، فلقد مات عن أربعة وتسعين عاما.

وظل ما يقرب من خمس وستين سنة مخلصا لكتابة الرواية والقصة ولم يشارك بهما شيئا إلا بعض المقالات، وعددا من السيناريوهات، فالإصرار والدأب كانا قيمتين لم يتخل عنهما حتى فى أحلك اللحظات من حياته عندما تعرض لمحاولة الاغتيال.


من أجل هذا المشروع ألزم «محفوظ» نفسه بنظام صارم من القراءة والكتابة، والتوافر على كل ما يغذى تلك الموهبة من تلقى العلوم الإنسانية، إضافة إلى دراسته الفلسفية، وقراءاته حول التيارات الفنية وتقنياتها المتطورة عالميا، ثم اختياره الدائم وتغليبه لما يتسق والسياق الثقافى العام الذى يتماشى مع طبيعة مجتمعه ومراحل تحديثه وتطوراته التى اختلفت عن المجتمعات العربية.

فهو القائل فى أولى مراحل كتاباته:« أكتب بأسلوب أعرف موته وتجاوزه فى المجتمعات الغربية»، كما أنه كان من المبدعين المنصتين لصوت الكون بأناسه ونماذجه المختلفة، الراصدين لتجاربهم الحيوية النابضة.


اتسعت رؤيته للعالم ولقضايا الإنسان الوجودية مهما اختلفت الأماكن والأزمنة، فلمس من خلال شخوصه النابضة الحيوية المحلية فى الحارة المصرية كل الإنسان مهما اختلفت جغرافية تواجده أو أزمنته.


امتلك محفوظ الخيال الملحمى والمشهدى الذى مكنه من إعادة تصور الوجود بمفاهيمه وحركة تخلق قيمه وأنواع صراعه وتشابكها، وشغله هاجس العدل وكيفية تحققه، ومن المنوط به هذا السعى، كما اختار لغة تضمن لنصوصه التلقى الجميل والسلس فى الوقت ذاته دون أن يتخلى عن الفصحى الميسرة، لغة تقتنص جمالياتها من وعيه وإمكانات مخيلته.


كما مثل محفوظ الكاتب المتزن الذى يدرك أهمية موقعه وما يمثله من قيمة وأنموذج، فلم يكن أبدا هذا الانفعالى أو المتعجل فى إصدار الأحكام، أو «البوهيمى» المفتعل للإشكالات والمعارك، كما أنه احترم ذاته فلم يتزلف لسلطة طيلة حياته، بل استخدم فنه لتعرية كل سلطة مهما تعددت أنواعها وأشكالها، سواء كانت سلطة سياسية أو دينية أو اجتماعية، وامتلك أدواته المجازية والرمزية والملحمية التى مكنته من تحقيق هذا فنيا.


آمن محفوظ بالليبرالية واستهوته تجربة حزب الوفد لكنه أبدا لم ينتمِ إلى حزب، ولم يؤمن سوى بالإنسان وحقوقه، وسماحة الحياة وبراحها، وتعدد أشكال الوجود بها.


6ــ لم تؤثر نوبل التى فاز بها محفوظ فيما تلى من إبداعاته كثيرا، فلم نجد تغيرات فيما كتب من نصوص إلا فى سياق تغير ظروف حياته بعد حادث الاغتيال الذى تعرض له فبدا التكثيف المذهل فى نصوص «أصداء السيرة الذاتية »وأحلام فترة النقاهة وانطلاقها من تجربة ثرية ممتدة بدأت تعبر عن مخزونها عن طريق ومضات تبرق وتتوهج وتلتقط لحظات التوتر الفارقة فى حياة الإنسان فى بؤر بعيدة وممتدة فى الزمن.


وفى نهاية تلك الإشارات لبعض مقومات التجربة المحفوظية أود أن أنبه إلى وجود متحف نجيب محفوظ الذى يجمع مقتنياته ومخطوطات أعماله، وأشياءه التى صاحبته فى رحلة إبداعاته لنصوصه، ومراسلاته وما كتب عنه من نقد ودراسات، وما حُوّل من نصوصه إلى أعمال سينمائية ودرامية، وتمنيت لو كان هذا المتحف مركزا مشعا فى الإقليم العربى والإفريقى.

وأيضا العالمى، وألا يقتصر دوره على ما يختص بنصوص محفوظ وشخصه، بل يتعدى هذا ليكون الأدب وفن السرد شاغله الأوسع الذى يشمل كل الأدب العربى وعلاقاته بالآداب العالمية.
كما لا يفوتنى أن أثمن دورية نجيب محفوظ التى تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب والتى تخصصت فى نشر كل ما يكتب حول إبداعات محفوظ.


وأختم بتوجيه دعوة لوزراء التربية والتعليم فى الأقطار العربية، فلتكن هناك نماذج مختارة من نصوص محفوظ السردية، وغيرها أيضا من إبداعات كبار أدبائنا المصريين والعرب، وأدباء العالم كذلك، وأن تدرس هذه النماذج فى مناهجنا الدراسية، بفصولها وسنواتها المتوالية لعلنا نخلق أنموذجا مختلفا من الإنسان العربى أكثر انفتاحا على الحياة وتعدد وسماحة أشكالها.

اقرأ ايضا | فى ذكرى وفاة أديب نوبل: ليالى «محفوظ».. الحـى فـى ضمـائـرنا


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة