صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه


عبد الحميد أحمد يكتب : غياب وجه آخر

أخبار الأدب

السبت، 17 ديسمبر 2022 - 04:10 م

مع رحيل صلاح فضل تفقد الثقافة العربية واحداً من وجوه النقد اللامعة، فهو من الذين تركوا بصمات واضحة فى مسيرة الثقافة العربية خلال النصف الثانى من القرن الماضى وصولاً إلى يومنا الحالى، فهو من جيل الثراء المعرفى أمثال جابر عصفور ورجاء النقاش ومحمود أمين العالم وإحسان عباس وجورج طرابيشى ومحمد دكروب وغيرهم ممن أعطوا للثقافة العربية بريقها وتوهجها.

ونخشى مع رحيل هؤلاء أن يضربنا الجفاف النقدى والتصحر الثقافى، فقد كانوا رحمهم الله خير من يبحث ويحرث وينبت الدراسات والبحوث النقدية التى تعلل وتفسر وتشرح وتضيف الى معارفنا الادبية الكثير.


لقد امتاز صلاح فضل ـ علاوة على كونه ناقداً ـ بمعارفه الفنية والثقافية المتنوعة وبمشاركته فى المنتديات والمؤتمرات العلمية والأدبية وبحضوره الشفيف الهادئ والعميق ما أكسبه صفات شخصية حميدة كطيب الأخلاق والهدوء، وكأنه البحر فى أحشائه الدر.


وقد سعدنا فى مؤسسة سلطان بن على العويس الثقافية أن يكون الراحل واحداً من العمالقة الذين شُرفت الجائزة بفوزه فى حقل الدراسات الأدبية والنقدية، حيث هو رائد فى تطوير حقل الدراسات الأدبية والنقد.

وجهوده واضحة فى إثراء النقد العربى على المستويين النظرى والتطبيقى، فقد كان له الفضل فى تبنى الحداثة النقدية، واضعاً إحدى اللبنات الأولى لتطبيق منهج النقد البنيوى، والتعريف بأسسه المعرفية وإشكالاته التطبيقية فى العالم العربي.


وكانت سعادتنا كبيرة أيضاً ونحن نقرأ تصريحاته بعد فوزه بالجائزة: (جائزة العويس أول جائزة عربية كبرى تؤسس مصداقيتها على أساس الحياد والموضوعية والبعد عن أى نزاعات أيديولوجية تعادى التيارات الفكرية أو الحداثية فى الوطن العربى فقدمت بذلك نموذجًا رائعاً للجوائز من الإمارات العربية المتحدة، إن حصولى على الجائزة مع كمال أبو ديب، يعنى أن حكام جائزة العويس يلتفتون إلى الرواد الأوائل الذين جددوا شباب النقد العربى، ويذكرون لهم هذه البدايات التى امتدت بعد ذلك فى إنجاز طويل قطعناه عبر العقود الماضية).


نعم لقد جدد صلاح فضل شباب النقد العربي، وعبر عشرات الكتب تطرق إلى مسائل نقدية مختلفة وعالج الكثير من النظريات وبشّر ببعضها، فضلاً عن مئات المقالات النقدية التى نشرها فى عشرات المجلات والدوريات الثقافية العربية.

وكان صاحب آراء جريئة تقرأ المجتمع بعين النسر لأنها ترى المستقبل بالعين الأخرى، لنتأمل هذه المقولة:(نحن نغذى التطرف كل يوم بمناهضتنا للحرية وفقدان بوصلة المستقبل وتغليب الخرافة على العلم وإهمال تيارات الإنتاج المعرفى الحقيقي).


انها الحقيقة التى دافع عنها صلاح فضل عبر كتبه لأكثر من نصف قرن مؤسساً لوعى نقدى جديد باحثاً عن سياق حضارى لاستثمار المعرفة وتأسيس أجيال صديقة للمعرفة لأنها تشربتها فى الجامعات والمدارس.

وانفرد صلاح فضل بمحاولاته الباكرة جدا فى سبعينيات القرن الماضى بالتعريف بالمناهج والتيارات النقدية التى أفرد لكل منها مؤلفا مرجعيا، أبرزها كتبه عن البنيوية والأسلوبية والسيميولوجيا وتحليل الخطاب وعلم النص.. إلخ)، والتى عمل على تطبيقها على عشرات النصوص الإبداعية فى الشعر والرواية والقصة والمسرحية.


مع غياب صلاح فضل، يمكن القول إن جيلا كاملا من كبار الأساتذة والنقاد الموسوعيين المؤثرين فى عالمنا العربى، يرحلون فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه لمتنورين يشعلون شموع التنوير ويقودون الجيل فى درب المعرفة.

وهاجسهم نقل المجتمع من عالم الخرافات والأوهام إلى عالم النور، ولعل ما تركه صلاح فضل من إرث ثقافى كبير سيكون عزاؤنا ونحن نعيد قراءة فكره وفلسفته ولا نبدى إعجابنا فحسب، بل نتمثل تلك الأفكار والنظريات ونطبقها على حياتنا فى كل ميدان عمل، وكل حقل معرفة.

الأمين العام لمؤسسة سلطان بن على العويس الثقافية
ورئيس تحرير صحيفة (جلف نيوز)

اقرأ ايضًا | صلاح فضل: تدهور الأغنية أفقد الناس غذاءهم الشعري

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة