صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


رحيق السطور: الغيبوبة الفكرية!

د.محمود عطية

الأحد، 18 ديسمبر 2022 - 06:59 م

إحدى المحاولات الجادة والمخلصة لغربلة أفكارنا التى تقف حجر عثرة أمام تقدمنا، وانفكاكنا من الخزعبلات التى تشل تفكيرنا، وتعود بنا إلى الوراء ووأد أسباب نهضتنا.. نطالعها فى كتاب «نحو  ثورة فى الفكر الدينى» للعالم د.محمد النويهى»1917-1980 «-أحد أعلام مثقفى القرن العشرين.

وللأسف تمر ذكراه ولا يتذكره أحد.. رغم إسهاماته بالغة الأهمية فى محاولة تجديد فكرنا العربى،ويعد كتابه  هذا  أحد أهم  إسهاماته بجانب العديد من كتبه السابقة، يقدم فيه قراءة عميقة شاملة ونقدًا للأسس الفكرية التى تسد رئة تقدمنا نحو الحياة الحديثة.

وعبر فصول ستة يتناول مفهوم الثورة الفكرية وعلاقات الحرية بالدين، وبالأخلاق وبالوطنية، وبالعمل ويرى أن الثورة الحقيقية لابد أن تفند الخرافات التى لحقت بالدين، وأبعدتنا عن العلم الحديث.

وعن قضيانا: كقضية فلسطين فيرى النويهى : إن مجرد كوننا على حق، وقضيتنا عادلة لن ينفعنا، فالتاريخ- كما يقول مثل غربى - ((سجل للحقائق التى ضاعت)) لأن أصحابها لم يتلمسوا الوسائل العلمية الكفيلة بإحقاقها، وحين التقى سكان أمريكا الأصليون من الهنود الحمر بالفاتحين من البيض الأوروبيين لم ينفعهم أن الحق حقهم، وأن الديار ديارهم.

ولا شفع لهم أن هؤلاء الفاتحين كانوا ظاهرى الظلم والتعدى والاغتصاب، ويؤكد  «النويهى» أنه لا سبيل لنا  للتقدم سوى بالثورة الفكرية فلابد» من إثارة المعارك الفكرية والولوج فى المجالات الحامية حول معتقداتنا الدينية ، ومقاييسنا الأخلاقية ، وروابطنا العاطفية وعقدنا النفسية التى تكمن من وراء تقاليدنا وعاداتنا؟ والمنوط بهم إثارة القضايا الفكرية هم بكلمة واحدة: المثقفون.

وهؤلاء هم المكلفون بالثورة الفكرية.. وأولى القضايا التى لابد من إثارتها هى قضية الخرافات التى لحقت بالدين، وتستخدم لعرقلة أية نهضة فيقول «إن الدين هو أول حجة تستخدم فى مقاومة الأفكار الجديدة.

والحجة الأخلاقية هى الحجة الثانية ،بل كثيرًا ما تمتزج الحجتان، فيقال عن الرأى الجديد أنه هادم للدين.. «مفسد للخلق» ويكمل: وسيجتهد المفكرون بالطبع فى أن يبينوا للناس أنهم لا يحملون على الدين نفسه، بل يحملون على تفسيره الخاطىء.

واستعماله الفاسد الذى يلتوى به عن رسالته السامية، ويتخذه أداة للنهوض والتقدم..كما سيٌتهم المفكرون بالفساد الأخلاقى، والهدم العامد للفضيلة ونشر الرذيلة ، حين يتناولون بالنقد علاقاتنا الاجتماعية التى لم تصلح لمجتمع جديد،وستثور تهمة أخرى خطيرة ،هى اتهام المفكرين فى قوميتهم ووطنيتهم.!


ويتعجب «النويهى» إذا كان معظم الناس فى بلادنا يعتقدون أن الدين قد جاء بأجوبة محددة وقاطعة، فما فائدة العقل وما لزومه إن كان رجال الدين يدّعون أن لكل سؤال جواباً قد نزل من السماء، ولكل معضل حلاً جاهزاً قد تضمنته الكتب الدينية فليس علينا إلا أن نفتش فيها لنستخرجه من بطونها ؟!


ويطرح سؤالًا جوهريًا : هل احتوى دين على نظام كامل نهائى يحل كل مشكلاتنا الحيوية، ويضع تشريعا يمكن تطبيقه على كل مسألة نشأت، وستنشأ من شئون معاشنا الدنيوى؟! هذا ما لايزال يدعيه كثيرون من الخطباء والكتاب فى مختلف أقطارنا العربية.

والذى يعنونه فى حقيقة الأمر أنهم بصفتهم متخصصون فى تفسير الدين يجب أن ينفردوا بسلطة الحكم ، ولو سلمنا لهم بهذا لأتحنا لهم فرصة الحكم الدينى المتعصب بكل فظائعه وجرائمه التى سجلها التاريخ،لكن هل يجبرنا الإسلام على ان نسلم لهم بدعواهم.؟! 


وفى مواجهة هؤلاء يقول :لابد أن نلح فى تأكيد أن الإسلام بكل مصادره لم يحاول قط أن يدعى أنه قد وضع للناس نظاما دنيويا كاملا لا يقبل التغيير،فالتغيير وضروراته أصل من أصول التشريع الإسلامى نفسه.

ولولا هو لما وضع الرأى بركنيه: القياس والإجماع كمصدرين أساسيين للتشريع الإسلامى منذ عهد مبكر ، فمغزى هذا المبدأ هو الاعتراف بنشوء حالات ليس فيها تشريع فى كتاب ولا سنة».
 

اقرأ ايضًا | شيخ الأزهر: «الاحتكار» ظلم لعباد الله وأكل لأموال الناس بالباطل


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة