محمد عبد الرازق
محمد عبد الرازق


محمد عبد الرازق يكتب : لعبة الاحتمالات الدائمة

أخبار الأدب

السبت، 24 ديسمبر 2022 - 01:51 م

فى نهائى كأس العالم، بكيت مرتين، مرة عندما سجل ميسى الهدف الثالث، وأخرى عندما توجت الأرجنتين بالبطولة. فى حياتى كلها، كانت هذه أول مباراة أبكى فيها من الفرح.
أبكتنى الكرة من الحزن كثيرا، حتى ظننت أن تشجيعى ما هو إلا ساعة طويلة من الهزائم تتخللها لحظات متفرقة من انتصارات خاطفة. بكيت فى ٢٠٠٨ عندما خسر الأهلى أمام النجم الساحلى، وبعدها فى ٢٠١٠ عندما خسر أيضا أمام الترجي. وفى الليلة التى خسرت فيها مصر مباراتها الفاصلة أمام الجزائر بكيت حتى قالوا أن عيناى ستنزفان دما.

صدمتنى تلك المباراة، وعشت بعدها محبطا، كأن الحسرة كلها تجمعت فى قدم عنتر يحى عندما سدد الكرة لتخترق قلبى أنا لا الشباك. وقتها قررت وضع مسافة بينى وبين الفرق التى أشجعها، حتى لا تضربنى نوبات الانهيار تلك.

وحتى جائت الليلة الأقسى، بعد سنوات، عندما استطاع ليفربول أن يعود بالريمونتادا الشهيرة على فريقى برشلونة. دخلت الأهداف الأربعة فى غفلة من الزمن، وتمزق فريقى بعدما كان على بعد خطوة من البطولة، وخرج ميسى منكسرا. ليلتها وضعت رأسى تحت الوسادة، وبكيت مجددًا. 


ميسى هو بطلى الخارق فى المستطيل الأخضر، تفتحت عيناى على تشجيع الكرة بوعى كامل لحظة تفجره فى برشلونة، وقت خفوت نجم رونالدينيو، تابعته بشغف لأكثر من عقد، فى المباريات الملحمية، والمباريات اللاتى ربما لم يشاهدها غيري. شيء ما فى ذاك العفريت دفعنى للاستمرار فى المشاهدة.

وحتى بعد أعتى الانكسارات. لا أعرف تحديدا ما الدافع، ربما لأن تكوينه الجسدى ذكرنى بنفسى فى المدرسة، وأننى كنت الأنحف والأضعف حتى لو عدونى دوما من زمرة المتفوقين. كان لديه دوما القدرة على تحويل ضعفه وقصره الواضحين إلى إمكانية فعل أى شيء بسهولة.

وكأنه لا يفكر فيما يفعله، بل يفعله لأنها طبيعة الحياة ومسار الأشياء، ثم تلاعبه بأعتى اللاعبين فى العالم، حتى لو كانوا أقوى منه جسدا وثباتا على الأرض، كأنه ينتقم لنا، لكل ضعيف جسد لا يستطيع فعل ذلك فى حياته العادية. 


وفي تلك القدرة المبهرة لديه لم تجعل كل لحظاته سعيدة للأسف. بكى ميسى كثيرا من الحزن مثلما بكيت أنا. خسر نهائيات عديدة مع منتخب بلاده، ومع برشلونة فى فترته الأخيرة. تكررت الانكسارات المذلة.

وبعدها كنت أرجع إلى البيت وأقرر فى فورة الحزن أننى لن أشاهد الكرة ما حييت. لم ألتزم بقرارى أبدا، كنت أعود فى الأسبوع التالى لمشاهدة المباراة بكل الحماس والنهم للانتصار. هذا هو السحرى فى كرة القدم، أنها لعبة احتمالات دائمة.

ومع كل صافرة جديدة تنسى ذاتك وتتوحد مع ألوان فريقك، مع وعد بواحد من احتمالين: نصر يؤجج فرحتك، أو هزيمة تعمق حسرتك.  ثنائية من الأمل والألم فى كل مرة، أو كما تقول جملة شعرية قرأتها يومًا «أن تجد نفسك متورطا، وقد شبت النار فى باطن قدميك».


اقرأ ايضًا | هل يعود ميسي إلى برشلونة.. ماذا يحدث داخل النادي الكتالوني

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة