صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


محمد سليم شوشة يكتب: بعض من حصاد 2022: عام حافل بالإبداع

أخبار الأدب

السبت، 31 ديسمبر 2022 - 02:00 م

قدمت الروائية العراقية المتميزة إنعام كجه جى فى مجموعتها القصصية «بلاد الطاخ طاخ» تجربة مهمة على المستوى الجمالى لكونها أبرزت قدراتها السردية فى ساحة وملعب القصة القصيرة بإحكامها ومساحتها المحسوبة ومفارقاتها وتحولات أحداثها وتكثيفها الإشارى أو العلاماتى.

فى رواية «رماد العابرين» المختلفة تماما عن السائد يقدم الروائى المصرى ياسر عبد الحافظ تجربة جديدة على عدد من المستويات ربما يكون أبرزها التخييل السردى المتجاوز القائم على إنتاج نوع جديد من الفنتازيا أو الغرائبية وشكل مختلف من الكتابة التى تزيل الفواصل والحواجز بين الحياة والموت.

ربما يكون عام 2022 واحدا من الأعوام الثرية بالنسبة لى من حيث متابعة الأعمال الأدبية باختلاف أنواعها بين السرد والشعر والكتب المعرفية والثقافية العامة الجديدة، وبين القصة القصيرة والرواية، وفى المشهد الأدبى العربى والمصرى تشكلت لوحة أدبية ثرية ومتنوعة لا يمكن أن نتخيل ناقدا واحدا يقدر على متابعتها بشكل واف، وهو ما يؤكد أهمية الدور النقدى ومحوريته فى عملية الفرز وطرح هذه الأعمال على العقول المتلقية للإبداع، ومحاولة تقريبها ومقاربتها، وتستمر عبر هذا العام الثرى بعض الظواهر الأدبية والثقافية فى التمدد الزمنى مثل الرواية التاريخية القاصدة إلى قراءة الماضى المصرى فى حقبه السابقة القريبة نسبيا مثل فترة الستينيات والسبعينيات على نحو ما نرى فى روايات كل من الثلاثى إيمان يحيى وسلوى بكر وعمرو شعراوى وهم الذين اشتغلوا على الفترة ذاتها تقريبا مع اختلافات نسبية فى المقاربة والقراءة لهذا التاريخ عبر السرد.

 فقد انشغلت سلوى بكر فى روايتها «فيلة سوداء بأحذية بيضاء» بتمدد التيارات الإسلامية وهيمنتها على المجتمع وتغلغلها فى واقعنا وثقافتنا بما جعل هذه الجماعات تسلب المجتمع بعض مكاسبه فى التحرر من الاستعمار أو الانتصار على الأعداء الخارجيين.

وتحول انتصارنا على إسرائيل هزيمة ثقافية وفكرية وتقلبه ارتدادا حضاريا قاسيا مازلنا غارقين فيه ونعانى من تبعاته وبخاصة فيما يتصل بتراجع الفن والإيمان بدوره والاعتداء على عناصر الهوية المصرية الراسخة.

وقد كانت رواية سلوى بكر ذات طابع إنسانى وقراءة ناعمة تلميحية غير صاخبة أو مباشرة فى دلالاتها وأفكارها. بينما انشغل إيمان يحيى فى روايته «قبل النكسة بيوم» بأسباب النكسة فقط من وجهة نظره.

وبينما عرجت سلوى بكر على انتصار أكتوبر واستثمرت لحظته استثمارا جماليا، لم ينشغل إيمان يحيى إلا بنكسة الخامس من يونيو 67 والمقابلة بينها وبين ثورة 25 يناير فى التركيز على حالة التهدم السياسى من وجهة نظره.

وطرح قرائاته للتاريخ عبر منظوره ومعلوماته ووجهة نظره، فى نوع من التأكيد على فكرة استحقاق الهزيمة، والتركيز على أوجاعها وأنساق إنتاجها أو الملابسات والظروف التى أدت إلى بلوغها.

وكانت الرواية ذات طابع سياسى واضح وانزوت فيها مساحات الحضور الإنسانى نسبيا بما يجعلها أقل من روايتيه السابقتين وبخاصة روايته المتميزة «الزوجة المكسيكية» التى حققت نجاحا كبيرا على مستوى الجوائز والقراءة.

ولا يمكن إنكار ما فى الرواية من جهد تأريخي، ولكن الصوت الهامس على هامش الرواية المولع بالإدانة المستمرة والتأكيد على أشكال من الانهيار التام والفساد الشامل هو ما يجعل الرواية أحيانا موجهة أو من نوعية الخطابات الموجهة أو المتجنبة للموضوعية والعامدة إلى المحاكمة والإدانة أو الانحياز.

وفى درجة ملموسة من الكراهية لنظام جمال عبد الناصر وتصويره على أنه عصر ذروة الظلم والقتامة والإجرام والعنف والسجن والاعتقال وغيرها من الأفكار التى ربما لا يشترك معه فيها غير الإخوان المسلمين. متناسيا حالات أخرى من الإنصاف لطبقات كثيرة وعدالة التوزيع والتطور فى الإنتاج وأن مصر لم تكن تستورد شيئا تقريبا حتى عام 66 وأنها حققت أعلى معدلات التنمية. 

أما الدكتور عمرو شعراوى فكانت قراءته لتاريخ هذه الحقبة عبر روايته «أسفار النسيان» نموذجا للجمال والإبداع الأدبى وعبر رواية ذات طابع إنسانى ركزت على عائلة واحدة قد شكلت نسيجا اجتماعيا كاملا ونسجت عالما مغزولا من لحم ودم.

وفيها كثير من المفارقات والمطابقات الرمزية المنجزة للدلالة الأكثر كثافة والأعمق تعبيرا، وقاربت الحربين معا وما بينهما، راصدا تحول المجتمع المصرى من الانكسار إلى الصمود والانتصار وإرادة الحياة وجسد التحولات المعرفية المهمة فى المجتمع المصرى وتطور الوعي، وصولا إلى العبور والانتصار واستعادة الأرض ثم ختم الرواية بالانفتاح الاقتصادى والتراجع المعرفى والوهابية التى غزت المجتمع.

وهجرة الخبرات المصرية إلى دول الخليج وما نتج عن ذلك كنوع من الهزيمة الجديدة، وهو ما يشكل حالا من الرصد التاريخى الأمين والممتع التى يتوافق مع ما كان فى رواية فيلة سوداء بأحذية بيضاء للمبدعة القديرة سلوى بكر.

وإن كانت الرواية منحازة فى بعض الأحيان ولا يمكن أن يكون هناك عمل غير منحاز أبدا، لكن مساحات الرصد الموضوعى كبيرة والدقة والتركيز على الجوانب الإنسانية تخرج بالكتابة من صورة البيان السياسى إلى حال العمل الإبداعي.


ثم الرواية الأحدث لميرال الطحاوى "أيام الشمس المشرقة" الصادرة عن دار العين وهى من أهم رواياتها لما تجسد فيها من التجريب والاختلاف ومقاربة مجتمع المهاجرين العرب إلى الغرب وأمريكا على نحو مختلف عن مثيلاتها من الروايات العربية، فقاربت حالات من الذاتية والعولمة والاندماج فى الآخر.

وتجاوزت الصورة النمطية من تشكيل حالات من الحنين والنوستالجيا إلى ذكريات الماضى وتاريخ الشخصية فى الوطن قبل الهجرة، فى نوع مختلف من السرد يتجاوز الذاتية التى كانت ميرال الطحاوى قابعة فيها فى أعمالها السابقة عن الذات المكافحة لتحقيق ذاتها وأجواء القبلية والعائلة وتحولات المجتمع المصري.

ولتكتب هذه المرة عملا تتجسد فيه خصوصية عالم الشرق وسحرية الخرافات فيه وكانت لديها أنماط إنسانية عديدة من دول عربية مختلفة ولكل شخصية دورها ووظيفتها دون حشد مجانى أو تكرار سواء داخل الرواية أو تكرار مع أنماطها التى اصطنعتها على امتداد مشروعها السردي. 


وفى رواية «خداع واحد ممكن» لرضوى الأسود نلمس نموذجا سرديا مهما وثريا يبدو مشغولا بالهم ذاته الحاضر بظلال ثقيلة فكريا لدى سلوى بكر وعمرو شعراوي، لكن المختلف لدى رضوى الأسود أنها قاربت الحياة الثقافية وأثر الهجمة الوهابية على المجتمع المصرى وعلى ثقافة الإبداع وعلى النسيج الاجتماعى عبر ثنائى ثرى ونمطين متميزين.

وفى شكل مختلف من السرد الدائرى الذى يأخذ شكل الرحلة أو التطواف السياحى المشوق الذى يمدد ويوسع حدود العالم الروائى ويصنع نوعا من الحركة الجسدية والمادية الموازية للحركة الفكرية أو التحولات الفكرية التى عاشتها الشخصيات.


وأما فى رواية "الحلواني" لريم بسيوني، فتستكمل الكاتبة مشروعها المهم حول استرجاع الهوية وتأكيد ملامحها عبر السرد التاريخى الذى يقارب الإنسان المصرى فى عصور مختلفة فى حالات من النضال والكفاح، لتأكيد النموذج الإنسانى المحب للحياة والمقبل عليها والقادر على الحب.

وفى عوالم سردية ثرية يتوازى فيها الحب والرومانسية مع النضال ضد الاستعمار أو حالات الاستغلال التى كان يفرضها بعض الحكام فى الحقب الإسلامية السابقة، ومؤكدة خطًا قد برعت فيه وهو خط الفانتازيا والسحر أو العجائبية التى أسستها على الرافد الفرعونى الذى ربما تكون هى واحدة من أبرز الروائيين المصريين قدرة على استثمار هذا المكون الفرعوني. 


وفى رواية "شيطان الخضر" لمحمد إبراهيم طه، يلتقى القارئ مع موضوع جديد على قدر كبير من المغايرة والاختلاف والأهمية فى الوقت نفسه، وهو تاريخ التلاوة المصرية وتماسها مع عالم التلحين والموسيقى، وقد تعامل منشئ الخطاب مع هذا الموضوع الشائك الشائق بقدر عال من الحساسية والوعى والعمق.

ومزجه بحالات من المس والانجذاب الصوفيين، مع إنتاج نوع مغاير من الفكاهة الممتعة، والتعامل مع عالم القرية بما لها من التداخل مع مكونات غرائبية، والتداخل كذلك مع المدينة بمدلولاتها الحضارية.

وتعمق فى مقاربة هذه الحال من التداخل بين الموسيقى والقرآن، وفى الرواية أنماط إنسانية مختلفة ولها قدر كبير من الخصوصية وفيها حالات من الهزل وأشكال المتاجرة بالقراءة والتكسب وحالات الغيرة والصراع والمنافسة بين القراء.

وفى عالم القرية التى تمثل ملعبا مميزا ومساحة مهمة لإبداع محمد إبراهيم طه السردي، فى رواية ليس لها شبيه فى تقديرى تؤكد أن مبدعها يغرد منفردا بإخلاص فى مساحته الخاصة ولا يكتب إلا بحب وقناعة بعيدا عن الرائج أو المعتاد.


وفى رواية «رماد العابرين» المختلفة تماما عن السائد يقدم الروائى المصرى ياسر عبد الحافظ تجربة جديدة على عدد من المستويات ربما يكون أبرزها التخييل السردى المتجاوز القائم على إنتاج نوع جديد من الفنتازيا أو الغرائبية وشكل مختلف من الكتابة التى تزيل الفواصل والحواجز بين الحياة والموت.

وكأنه بالفعل لا يوجد فارق كبير وأن الفارق افتراضى أو لغوى أحيانا، فى توظيف مدهش ومتفرد لفكرة الغيبوبة أو المرض أو الموت وما وراء كل منها وحدود المكان وسمات هذا العالم وخصائصه أو أبعاده فى إنتاج لعالم طازج ومحرض على التخيل ويجعل المتلقى شريكا فى لعبة الخيال الموازى.

وتنبع الدهشة فى خطاب هذه الرواية من مصادر متعددة وبخاصة الخلطة أو التركيبة التى وفق قانونها تم إنتاج هذه الحال من الغرائبية وكذلك ما باللغة من طاقات جمالية متميزة وبخاصة بصوت ياسر عبد الحافظ السردي.


وفى رواية «كل ما أعرف» لعلى قطب نجد حالا سردية خاصة عبر حالات الصراع الفردى لدى الإنسان المصرى الذى يصارع لتحقيق ذاته ويجد نفسه فريسة لسمات عصرية شرسة وظواهر اجتماعية صعبة من الانتهازية والتربص وأطماع الآخر.

وفى شكل من الواقعية الجديدة المشوقة والمعتمدة على التكثيف ومقاربة النماذج الإنسانية مقاربة نفسية عميقة ورصد تحولات الذات فى سياقات اجتماعية مختلفة، وبخاصة اللحظة الراهنة التى أصبحت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى وكاميرا الموبايل ومقاطع الفيديو ذات أدوار مهمة وخطيرة، حيث تصبح مجالا لانكشاف الذات وظهور أمراض النفس غير الصريحة.

وهى رواية ذات طابع نفسى وهكذا تصبح هذه المنطقة ملعبا مميزا لعلى قطب الذى يكتب بإخلاص وعفوية إلى أبعد حد، ومثلت تجربة رواية «كوتسيكا» لغادة العبسى نموذجا مختلفا وثريا لها، مختلفة على مستوى مشروعها الإبداعى الخاص بها، ومختلفة على مستوى المتاح من السرد الروائى المصري، فهى رواية تاريخية تعود إلى آخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين وتشتغل على موضوع مختلف وبتكنيكات سردية مختلفة.

وهو صناعة الخمور فى مصر وبخاصة مصانع البيرة، وترجع إلى تاريخ هذا المشروب عند المصريين وتقارب عبره حقبة مهمة كان فيها الالتحام الوطنى الكامل بين المصريين باختلاف أديانهم ومعتقداتهم، فلم تكن هناك فوارق بين مسلم أو مسيحى أو يهودي.

وتستثمر منطقة تتميز بها وهى مقاربة نموذج المرأة الشعبية فى مناطق القاهرة فى مصر القديمة وأحيائها العتيقة، ابنة البلد المصرية الخالصة من النسوة الشعبيات ذات التكوين الإنسانى شديد العمق والتعقيد والسلاسة فى الوقت ذاته.

وتتسم روايتها بأكبر قدر من التكثيف برغم اشتغالها على مساحة ممتدة وذلك لكونها ركزت على أسرتين أو عائلتين فقط إحداهما مصرية وأخرى يونانية مما جعل الرواية كما لو أنها تقابل بشكل غير مباشر بين الحضارتين العريقتين وماضيهما وتفوقهما ولحظات الاندماج أو التكامل بينهما فى مشروع حديث وليس على المستوى السياسي. وهى رواية من أجمل ما صدر من الروايات المصرية فى تقديرنا.


وفى هذا العام الثرى كذلك أصدر الشاعر المصرى الكبير أحمد الشهاوى روايته الأولى «حجاب الساحر»، وهى تجربة مختلفة وثرية، لكونها تستثمر نوعا مختلفا من البلاغة فى الخطاب السردى وهو ما أطلقت عليه فى دراسة فى أخبار الأدب ببلاغة الإفراط وهو مصطلح له تأصيله العلمي.

ويقوم الخطاب الروائى على التمادى والانفعال والتزيد والاندفاع بما يجعل المتلقى تحت وطأة حال ثقيلة ومؤكدة وضاغطة ويكون من أثرها أنه يصبح مصدقا ومقتنعا بحدود هذا العالم وهى تقنية بلاغية ملائمة لكون الرواية تطرح عالما يكون على الماورائى أو الغيبى وعالم السحر والقوى السفلية وهذه الأعمال.

وأجاد الشهاوى كثيرا فى توظيف الأبعاد الفرعونية وجزءا آخر مهما وهو السرد السياحى أو السرد المعرفى القائم على الاستقصاء النابع من الرحلة السياحية، فقد طرح نموذجا ثريا وجميلا من السرد الروائى الأقرب إلى سرد الرحلة حين دمج فى الرواية جزءا خاصا برحلة إلى جزيرة سقطرى اليمنية فى نوع من الاستكشاف والطرح المعرفى المشوق الذى يطوف مع معلومات كثيرة ترتبط بالبيئة والنبات والأشجار وأنواع الحيوانات والأسماك والأنشطة الاقتصادية المختلفة لبعض السكان أو مجموعات البشر فى هذه الجزيرة أو فى أماكن أخرى.


وفى روايتها «تشريح الرغبة» تقارب الروائية المغربية ريم نجمى حالا إنسانية فى غاية الشفافية والرهافة علاقة الارتباط أو الزواج وتسبر أغوارها ومنعطفاتها وتستثمر نواتجها من الصراع استثمارا جماليا مهما يصنع عالما يقوم على التوتر والشد والجذب وكأنه عالم أقرب إلى حلبة المصارعة لا تبدو المعركة فيه قابلة للحسم وتأكيد رابح وخاسر.

وستظل النتيجة فيه معلقة ولكن الأهم كذلك فى هذه التجربة أنها أخذت أبعادا رمزية وحضارية وكشف الاختلافات الثقافية أو التباينات المعرفية والحضارية بين الشرق والغرب وأكدت فكرة الخصوصية الثقافية ومسائل مثل الهوية التى كانت هناك تصورات أنها قد انتهت أو ذابت ولم تعد هناك حاجة إلى التركيز عليها فى تأكيد لعالم يقوم على ذوبان الحدود والتداخل التامة وأنه أصبح قرية واحدة، والحقيقة أن الاختلافات قارة فى الأعماق وفاعلة بقوة فى الوعى واللاوعى وتجد مساراتها فى التأثير بكل قوة.


وأما الروائى الإماراتى جمال مطر فى روايته «ربيع الغابة» فقد طرح تجربة مختلفة وجديدة تماما عن سؤال السلطة والصراع السياسى وتحولات هذا الصراع ومراحله، فى رمزية مهمة وقد تكون تقليدية نسبيا فى مظهرها الخارجى لكنها فى أعماقها على قدر كبير من الاختلاف والتفرد الإبداعي.

 

وهى مقاربة هذا الصراع السياسى وأسئلة السلطة وتحولاتها عبر عالم الغابة والحيوان، ولكن عبر طرح رمزى مختلف وعالم حيوانى مؤنسن وقائم على الاستعارات الكبرى والمفارقات، فيتشكل هذا العالم الحيوانى وفق أنساق إنسانية مدمجة بالأنساق والطبيعة الحيوانية القائمة بالفعل أو الموجودة بالقوة.

وبالإضافة إلى عالم الغابة ومفرداتها وهو تصويرى سردى كاريكاتيرى جميل قائم على التشويق والتكثيف واللغة الجمالية التى تؤمن بذاتها أو أنها لها جمالياتها الخاصة التى قد تكون ذات استقلال نسبى وليست تابعة بشكل كامل للفكرة أو لا تكون أكثر من مجرد أداة يتم توظيفها أو منحها وظائف وأدوار.


وفى هذا العام فاز الروائى الليبى محمد النعاس بجائزة البوكر عن روايته «خبز على طاولة الخال ميلاد» وهى فى تقديرنا رواية مهمة جدا لعدد من الاعتبارات ربما يكون أهما مقاربة الحالة الذكورية فى الوطن العربى بشكل مختلف تماما وعبر صوت الرجل وكذلك لكونها قد حملت أبعادا رمزية عن التاريخ الليبى فى العصر الحديث.

وتماست وقاربت أنساقا سلطوية ثقافية مستقرة فى أعماق تربة الثقافة العربية مثل علاقة الارتباط وحالة المرأة فى الزواج والحب والعار والجنس وحالات التفوق والصراع بين الذكر والأنثى وحالة المرأة مع الفن والإبداع والفنون عموما وطرحت الموضوع عبر تكنيك سردى يعتمد على التوازى بين الحياة وبين صناعة الخبز وكأن الحياة ما هى إلا طرق مختلفة لصناعة الخبز، وهى بحق رواية متفردة ومختلفة تماما وتستحق القراءة المتعمقة.


وعربيا كذلك استمر تدفق الأعمال المتميزة فقد أصدرت الروائية العمانية هدى حمد روايتها "لا يذكرون فى مجاز" وظلت تلعب فى ساحتها التى أحبتها وتميزت فيها وهى ساحة التجريب والخروج عن السائد من السرد الواقعى إلى رحابة الفنتازيا والغرائبية ومحاولة تمديد العالم عبر الخيال المفارق والمتجاوز.

ولكن كذلك عبر حال من الدمج ونسق من المزج بين الواقع والفنتازيا فى سرد مختلف وفى غاية الثراء والجمال ويحرض على التفكير ومراجعة التاريخ، بل هو بذاته يمثل إعادة قراءة للتاريخ، وهى قراءة فلسفية وتأملية قائمة على مراجعة أسئلة راسخة مثل السلطة والحكم والتقييد والحرية وحدود كل منها.

وكذلك المعرفة والصناعة والسفر والحرب والعلم والإبداع والإنتاج والزواج والحب والخوف والمرض والبيئة أو الطبيعة وأثرها، وهى تحاول أن تبعث ميراثنا العربى من الفنتازيا الكامن فى ألف ليلة وليلة تحديدا ولكن عبر شكل مختلف أو جديد يتناسب مع اللحظة الراهنة وعبر مكونات جديدة وإضافات تجعله أكثر ملاءمة لذهنية القارئ فى الوقت الراهن.

وفى عالم من الفنتازيا والسحر والغرابة القائمة على الأحلام والمرض أو الغيبوبة، فى نوع من التداخل الكامل بين حالات من التبرير العقلانى وعدم التبرير أو غيابه أو يمكن أن يكون معجزا أو يستعصى على أى منطق ويقوم على السحر والغرابة.


وقدمت الروائية العراقية المتميزة إنعام كجه جى فى مجموعتها القصصية «بلاد الطاخ طاخ» تجربة مهمة على المستوى الجمالى لكونها أبرزت قدراتها السردية فى ساحة وملعب القصة القصيرة بإحكامها ومساحتها المحسوبة ومفارقاتها وتحولات أحداثها وتكثيفها الإشارى أو العلاماتى.

وإن كانت القصص فى إطار شواغلها أو أسئلتها المعهودة فى فنها الروائى حيث الانشغال بحيوات المهاجرين وتفاصيل الحياة البينية التى تقع بين عالمين أو ثقافتين وحدود متباينة أو مختلفة وقد كانت قصص هذه المجموعة مشحونة بطاقات من الفكاهة والكوميديا والطاقات المعرفية حول المجتمع الفرنسى أو بعض مراحل الدول العربية تاريخيا وبخاصة لبنان والعراق.

وتحديدا مسألة المنع والمراقبة والحصار والوكلاء السياسيين لبعض المنظلمات أو الاتجاهات فى الغرب وحالهم بين الإخلاص للقضية أو خيانتها واستغلال الأمر وتوظيفه للتربح والكسب والمجموعة ثرية باللفتات والتفاصيل الإنسانية الكثيرة والمكثفة.


وفى المجموعة القصصية "قهوة بطعم غيابها" لأسامة السعيد نصادف نموذجا ثريا للقصة القصيرة التى تشتغل على مساحات من الواقع عبر سرد يتسم بالعفوية والتدفق واللغة الغنية بالجماليات والتلميح، فى قصص تقابل بين الماضى والحاضر وغنية بالتفاصيل واللمحات التى تجعل القارئ واقعا تحت حال من التشويق والاستمتاع ويستشعر الابتعاد عن الافتعال. 


وفى المجموعة القصصية «برج الحوت» لجليلة القاضى نصادف كتابة مختلفة على أكثر من مستوى ربما أبرزها توظيف الرموز الحيوانية والطيور والأسماك، وكذلك قدر التكثيف والتصوير الشعرى واللغة الغنية.

وفى قصص تقارب عددا كبيرا ومتنوعا من الأسئلة والقضايا والإشكالات الواقعية أو التاريخية أو الممتدة عبر الزمن مثل أسئلة عن المنع والمحاصرة والرقابة أو علاقة الإبداع بالسلطة وكذلك علاقات إنسانية أخرى مثل الأمومة أو المعلم بتلاميذه أو غيرها من القضايا التى ترتبط بالبحث العلمى والدراسة، فى قصص يبدو جليا فيها الإخلاص للإبداع وللكلمة وتبتعد عن الحرفية والجمود أو التقليدية.


وفى كتابه المهم "الشعر الشعبى فى مجتمع البجا" يطرح الشاعر الكبير مسعود شومان تجربة بحثية رائد ونموذجا يحتذى فى البحث العلمى فى الأدب الشعبى يقوم على الاستقصاء والبحث الشامل فى المساحة التى يتقاطع فيها الأدب مع جوانب الحياة كافة من جوانب اقتصادية وجوانب مهنية وطبيعة أو جغرافيا وتوزيع سكانى وتكوين عرقى أو قبلى وإنسانى واف.

وبحث فيما يتصل باللغة بعمق وتحولاتها ومفرداتها وأنماط الفنون القولية وغيرها وما يربط كل هذا بسلوك الناس وطرائق عيشهم فى سرد علمى يقوم على التشويق والمتعة وشد القارئ من بداية الكتاب حتى نهايته برغم الاعتماد على لغة علمية تبتغى أقصى درجات الدقة وتعتمد أحيانا على الإحصائيات والاستقصاء. 


وفى تجربتين شعريتين مهمتين ومختلفتين جدا تابعتهما هذا العام قدم الشاعر المصرى السودانى طارق الطيب تجربة فى غاية الأهمية والثراء والتكثيف والعمق فى مجموعته الشعرية «ما يسبق الواو»، يقارب فيها عبر مسارات مختلفة عن السرد حالات المهاجر وحالات الصراع النفسى لديه والانجذاب نحو الماضى وقلق الذات المحملة بكم مهول من الذكريات وطاقات الحنين إلى الجذور والتاريخ فى الوطن قبل الهجرة.

وينتهج خطابه الشعرى أشكالا مختلفة من البلاغة القائمة على الحذف أو استثمار مساحات الفراغ والمسكوت عنه أو الفجوات الحتمية التى يضطر إليها كل خطاب وبخاصة الخطابات الشعرية التى تعتمد على الإيحاء والانتقاء وتجاوز الكثير وطمس بعض المواضع، فى تجربة شعرية مهمة وجديرة بالبحث وحاليا أعد عنه دراسة موسعة قائمة بذاتها. 

 

 


كما قدم الشاعر المصرى كمال عبد الحميد فى مجموعته الشعرية "ندم المشيئة" تجربة مختلفة تعتمد على التقطير والصدق وحالا من الاختزال الألمى المكثف، وكأن الشعر لديه أقربلأن يكون أداة لانتزاع شوكة غائرة فى اللحم، فى مجموعة من القصائد التى تبتعد تماما عن الزوائد أو التزيد، فى اتجاه مباشر نحو جوهر كل ما هو شعرى أو ما يمثل اختزالا حقيقيا للشعرى وإنتاج الجمال الأدبى من الألم أحيانا.

 

اقرأ ايضًا | منصورة عز الدين تكتب: بين عامين

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة