الدكتور محمد عنانى
الدكتور محمد عنانى


ماهر البطوطي يكتب: الموسوعي.. عميد المترجمين العرب

أخبار الأدب

الأحد، 15 يناير 2023 - 04:48 م

ماذا يمكن أن أقول عن الدكتور محمد عناني، أستاذي وصديق عمري الذي تأثرتُ به وبشخصيته الموسوعية منذ أول يوم عرفته فيه وحتى الآن.

عرفتُ الدكتور عناني عام 1956.. كنت عائدا إلى منزلى بالعجوزة حين اقترب مني وسألني إن كنت أدرس في قسم إنجليزي. وبالفعل، كنت قد التحقت لتوى بالقسم وكان هو فى السنة الثانية، وكنا جيرانا بالحى، فدعانى لزيارته فى منزله، فراعتنى كمية الكتب التى وجدتها تحيط به فى غرفته، بما فيها الكثير من كتب التراث العربى. وسرعان ما جلب العود وعزف لى بعض الأغانى التى كنا نحبها. وكانت هذه بداية علاقة مثمرة ثرية بتلك الشخصية الفريدة. 


ومنذ عرفت الدكتور عنانى، كان هو مرجعى فى جميع الأمور الفنية والأدبية، وكنا نتناقش فيها كثيرا. ولم نقتصر على الأدب بل تعديناه الى الموسيقى والأفلام والفنون التشكيلية. واستمرت صلتنا وتعمقت بعد تخرجنا وتعيين عنانى بالقسم.

وتابعت بداية الكتب التى نشرها بترجمته لكتاب «الرجل الأبيض فى مفترق الطرق» فى 1961 والذى تبعه كتبه الغزيرة بعد ذلك. وتركز اهتمامه أولا فى المسرح، حيث أشرف هو وصديقنا الدكتور سمير سرحان على مجلة المسرح، وألف مسرحيته «البر الغربى».

والتى حضرت عرضها أكثر من مرة ولاقت نجاحا كبيرا، شجعه على كتابة المزيد من المسرحيات التى عرضت ولاقت إقبالا جماهيريا. وكنا نلتقى – قبل سفره الى إنجلترا لدراسة الدكتوراه – أسبوعيا، حيث نجلس فى كافيتريات القاهرة، خاصة «سان سوسى» و «كازينور» بالجيزة نقرأ ونكتب فى هدوء.

وكان أحيانا يُملى عليّ ترجماته الأدبية،  فتصورتُ جيمس جويس وهو يملى بعضا من فقرات روايته فنجانز ويك على صامويل بيكيت فى باريس! وكانت زيارتنا إلى «وسط البلد» تشمل التردد على مكتباتها حيث نعود محملين بالكتب التى نتصفحها فى جروبى عدلى أو سليمان أيام ازدهارهما.

ولما ذهبت للعمل فى مدريد، حرصت على زيارة الدكتور عنانى فى منزله بمدينة ريدنج حيث عرفت مهارة أخرى له وهى فن الطبخ، وهو أيضا من الفنون الجميلة.

 
وبعد أن عاد الدكتور عنانى إلى القاهرة بعد حصوله على الدكتوراه، بدأت مؤلفاته وترجماته تترى بغزارة إذ استقر مع أسرته وفى عمله بقسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة.

وبدأ بترجمة السفر الخالد «الفردوس المفقود» الذى حصل به على جائزة الدولة التشجيعية. واستمر العطاء الثمين بمئات الكتب، حتى أننى قد خصصت لكتبه التى عندى له جانبا كبيرا لها. وقبل أن أتوجه إلى نيويورك للعمل بالأمم المتحدة، تناقشنا فى موضوع العمل بالخارج أو البقاء فى مصر.

وقد فضل هو أن يبقى كيما يحقق هدفه فى إثراء المكتبة العربية بكتبه. ولقد فعل ما يتمناه، إذ إنه قد بنى مجدا أدبيا تليدا بمؤلفاته فى جميع المجالات وبترجماته التى أخص بالذكر منها مسرحيات شكسبير وقصائده، حتى استحق عن جدارة لقب عميد المترجمين العرب.

وما ذكرته الأستاذة الدكتورة كرمة سامى أننا نعيش فى عصر الدكتور محمد عناني. وإلى جانب ذلك، فقد بنى أيضا مدرسة ضخمة من تلاميذه وحوارييه الذين استقوا الكثير من علمه وتجاربه.


وأخيرا، يهمنى أن أذكر فضلا للدكتور عنانى عليّ يفوق كل شيء. فبعد تخرجى من القسم اعتزمتُ أن أتخذ الكتابة والترجمة هدفا لحياتى، فسألت الدكتور عنانى عن أهم ما أفعل لإتقان اللغة العربية التى هى أساس ذلك الهدف، فكان أن قال لى الجملة التى ما تزال ترن فى أذنى: «عليك بالقرآن الكريم». وهو ما فعلته، بالتلاوة العميقة التى قادتنى الى تدبر الآيات الكريمة وهو ما انتهى بى إلى إيمان قوى صلد سيظل معى إن شاء الله الى الأبد. وأدين بذلك أولا وأخيرا لنصيحة الدكتور عنانى، رحم الله الدكتور عنانى وأسكنه فسيح جناته.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة