صلاح جاهين
صلاح جاهين


دنيا «جاهين» الكبيرة

الأخبار

الأحد، 15 يناير 2023 - 06:57 م

الناقد المتميز د.حسين حمودة أهدى «الأخبار» هذا المقال الذى يعرف بمنجز شاعر العامية الأشهر والفنان الشامل «صلاح جاهين» بمناسبة اختياره شخصية معرض الكتاب هذا العام، وفيه يجلى ناقدنا البارز سمات دنيا صلاح جاهين ويستخلص خصوصية تجربته الشعرية المتفردة.

بجانب تجربته الإبداعية المتنوعة، التى ذهبت فى مجالات أدبية وفنية متعددة، مثّل شعر «صلاح جاهين» نقلة كبرى فى شعر العامية المصرية، بلورت إسهامًا كبيرًا أعقب ما كتبه ونشره «فؤاد حداد».

منذ ديوانه المبكر (كلمة سلام)، الذى صدر فى منتصف خمسينيات القرن الماضي، مرورًا بدواوينه المهمة، مثل (موال عشان القنال)، (عن القمر والطين)، (قصاقيص ورق)، (أنغام سبتمبرية).. ظل شعر جاهين يتحرك فى وجهات متنوعة للتعبير.

وينهض على أشكال جمالية تستكشف لشعر العامية المصرية مساحات وآفاقا جديدة، كما ظل هذا الشعر يحتفي، بجانب تجسيد الصوت الشعرى الخالص والخاص بجاهين، بالاستجابات العفوية، والعميقة فى الوقت نفسه، لتغيرات كبيرة مشهودة فى وطنه القريب، مصر، وفى العالم الواسع من حوله.


خلال هذه المزاوجة، بين التعبير عن الشخصى والعام، أو الفردى والجماعي، ترائى صوت جاهين الشعرى خلال أبعاد واضحة التنوع، تحتفى بالفرح والحياة فى قصائد، وتتشبع بحس ساخر فى قصائد.

وتنحو منحى التأمل فى قصائد، وتقترن بنبرة من البوح فى قصائد، وتتزاوج والأسى الماثل فيما يشبه المراثى فى قصائد، وتتصل بوقائع كبرى وتلوح أصداء جميلة لها فى قصائد أخرى.. وهكذا.

ولكن فى كل هذه الأبعاد المتنوعة اتصلت وتنامت وترسخت قيم تعبيرية دالة على صوت صلاح جاهين الشعرى وحده: التغاير شكل القصيدة تأسيسًا على تباين نبرتها، بما يعنى النأى بعيدًا عن القوالب الجاهزة.

والرهان على البساطة والعمق معًا، مما يجعل تلقى أغلب قصائده تجربة رحبة ومتجددة غير قابلة للنفاد، إذ تبقى هذه القصائد مهيأة للقراءات تلو القراءات، وفى كل قراءة تتكشف خبايا وكنوز جديدة، وتتحقق متعة جديدة، وحيوية الإيقاع الذى لا ينفصل عن تجربة القصيدة نفسها، بل يلوح نتاجًا لها كما تلوح هى تتويجًا له.


واتجهت بعض قصائد جاهين وجهة الاهتمام بالتجسيد الشعرى لوقائع بعينها، فلاحت هذه القصائد «سجلًا إبداعيًا توثيقيًا»وبدا فيها صوت «الشاهد» واضحًا. نلمح هذا ماثلاً فى قصائد مثل: «تحويل مجرى الأردن»، «لاجئ»، «موال لرواد الفضاء»، «بكائية إلى ناظم حكمت»، «إلى المفاوض الإسرائيلي».

ولكن، مع ذلك، استطاع «جاهين» أن يبث فى هذه القصائد التقاطات تجعلها تتجاوز الوقائع المحددة العابرة وتتخطى زمنها أو أزمنتها. وفى وجهة أخرى تراءت قصائد «جاهين» وقد تحررت من الروابط بأى إحالة إلى وقائع مرجعية خارجها، فكانت غناء خالصًا؛ متنوع التعبير عن تجارب الحب والفرح والأسى والأمل والتأمل والحكمة والحب والطفولة.

 

وفى الوجهتين، وجهة التصادى مع الوقائع الخارجية المرجعية، ووجهة التحرك فى حدود العالم الداخلي، ظل «صلاح جاهين» يستكشف أبعادًا جديدة على سبيل تطويع شعر العامية، وعلى سبيل تطوير طاقاته التعبيرية والتوصيلية.


ومع القيمة الباقية فى أغلب قصائد صلاح جاهين، المبثوثة فى كل دواوينه، هناك أعمال بعينها من بين نتاجه الغزير لاقت قبولًا أكثر من غيرها، وتقريبا «ظلمت» قطاعات مهمة من تجربته.

وفى شعره الخالص نجد تمثيلات لهذا فى قصائد مثل «تراب دخان»، و«على اسم مصر»، وقد حظيت هذه القصائد باهتمام بالغ، كما نجد تمثيلًا لهذا فى (الرباعيات) التى نالت شهرة مدوية لأسباب كثيرة تتعلق بأنها وصلت بين الشعر والتأملات الفلسفية.

وصاغت هذه التأملات صياغات فى غاية البساطة، واستطاعت أن تبلور ما يشبه «الخلاصات»، بصوت حكيم خبر الحياة وأحاط بها وبما وراءها.


قريبًا من شعر صلاح جاهين الخالص، كانت أغنياته الوطنية والعاطفية الشهيرة، التى ترددت بحناجر مغنين ومغنيات، كما تحقق بعض أعمال له فى أشكال مثل المسرح الشعرى (ومنها «الشاطر حسن» و»حمار شهاب الدين» و»الفيل النونو الغلباوي»).

ومثل الأوبريت (ومنها «الليلة الكبيرة»).. وفى هذه الأشكال أجرى «صلاح جاهين» الشعر، بسيطًا وسهلًا، على ألسنة وأصوات كثيرة جدًا، واستكشف له أبعادًا وحبكات درامية مفعمة بالحيوية.

اقرأ ايضًا | صلاح جاهين.. أوراق قديمة منسية

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة