مارجريت أتوود
مارجريت أتوود


مارجريت أتوود تكتب: الأخبار السيئة

أخبار الأدب

السبت، 04 فبراير 2023 - 02:18 م

ذهب الليل الآن وأتى الصباح. إنه وقت الأخبار السيئة. أفكر فى الأخبار السيئة كطائر عملاق له أجنحة غراب ووجه مدرستى فى المرحلة الرابعة، شعر مجعد خفيف على هيئة كعكة، أسنان صفراء، عبوس وتأفف وما إلى ذلك. يبحر حول العالم تحت جنح الظلام، مسرورًا بفكرة أنه جالب الأخبار المشئومة. يحمل سلة من بيض فاسد، ويعلم -بمجرد أن تشرق الشمس- أين يلقيه بالضبط. على أنا أولًا.


 حيث نعيش تأتى الأخبار السيئة من خلال الصحف. تيج يصعد بها السلم. اسم تيج الحقيقى هو جيلبرت. من المستحيل أن تفسر أسماء التدليل لمن لا يتحدث لغتك، ليس أننى أفعل ذلك كثيرًا.


«قتلوا زعيم مجلس الحكم المؤقت» أعلن تيج. ليس لأنه منيع ضد الأخبار السيئة، على العكس. هو شخص نحيل بارز العظام، لديه دهون أقل مما لدي؛ لذلك جسده ليس قادرَا على امتصاص وحرق سعرات الأخبار السيئة.

وهى لها سعرات تزيد من ضغط دمك. أنا استطيع فعل ذلك، هو لا. هو يريد تمرير الأخبار السيئة بأسرع ما يمكن، أن يلقيها من بين يديه، مثل ثمرة بطاطس ساخنة. الأخبار السيئة تحرقه.
ما زلت فى الفراش.

ولست مستيقظة بالكامل. كنت أتمطى وأستمتع بالصباح حتى الآن. «ليس قبل الإفطار» قلت له دون أن أضيف: «أنت تعلم أننى لا أتحمل هذا فى الصباح الباكر» فقد أضفتها من قبل؛ كان لها دائمًا تأثير متباين. بعد كل هذا العمر سويًا يمتلئ رأسانا بهذه التحذيرات الصغيرة.

وهذه الملاحظات المفيدة عما يحب الشخص الآخر وما يكره، المفضلات والمحرمات. لا تأتِ خلفى هكذا بينما أقرأ. لا تستخدم سكاكين مطبخي. لا تنثر الأشياء فى كل مكان. كلانا يؤمن أن الآخر يجب عليه احترام تلك القواعد المتكررة بكثرة لكيفية التعامل معه.

ورغم ذلك فهى تمحو بعضها البعض: إذا احترم تيج رغبتى فى التمطى فى راحة بدون إزعاج الأخبار السيئة قبل كوب القهوة الأول، أليس من المفترض أن احترم أنا أيضًا احتياجه لتقيؤ الأخبار الكارثية لكى يتخلص منها؟
 «أوه، آسف» قالها وهو يرمينى بنظرة معاتبة تقول لماذا يتحتم على إحباطه هكذا؟ ألا أعلم أنه إن لم يستطع قول الأخبار السيئة لى الآن، فقد تنفجر داخله الغدة الصفراوية أو المثانة التى تحمل الأخبار السيئة ويصاب بالتهاب الغشاء الحامى لروحه؟ حينها سأشعر بالندم. 

هو محق، سأشعر بالندم، ولن يبقى لى أى شخص استطيع فهمه.
وقد «أنا أقوم الآن» قلت بصوت أردته ملطفًا «سأنزل حالًا» . «الآن» و»حالًا» لم تعد تحمل نفس المعانى كالسابق. كل شيء يأخذ وقتًا أكثر من قبل. لكن ما زلت استطيع القيام بنفس الروتين. أخلع رداء النوم وارتدى رداء المنزل.

أضع قدمى فى الحذائين، أرطب وجهى بالكريمات، وأختار حبوب الفيتامين. أفكر أن «هم» من قتلوا زعيم مجلس الحكم المؤقت. بعد عام من الآن لن أتذكر أى زعيم، وأى مجلس حكم مؤقت، وأى «هم».

ولكن هذه الأمور تتكاثر. كل شيء مؤقت، لا أحد عاد يستطيع الحكم، وهناك الكثير من «هم» والكثير من الكثير من «هم». دائمًا يريدون قتل الزعماء. بنوايا حسنة، كما يدعون. الزعماء لديهم أفضل النوايا أيضًا. الزعماء يقفون تحت الأضواء. القتلة يصوبون من الظلام. من السهل إصابة الهدف.


وبالنسبة لبقية القادة، قادة الدول القائدة، كما يطلق عليهم. هؤلاء لم يعودوا حقًا يقودون شيئًا. هم يدورون حول أنفسهم بطريقة خرقاء. تستطيع رؤية ذلك فى أعينهم وقد ابيضت أطرافها مثل قطيع مواشى أصيب بالذعر. لا تستطيع القيادة إذا كان لا أحد سيتبعك.

والناس أشاحوا لهم ليغربوا عن وجوههم. هم فقط يريدون سرقة حياتهم. القادة يقولون « نحتاج قيادة قوية» لكن كل ما يهمهم هو نتائج استطلاعات الرأي. والأخبار سيئة، الكثير منها، ولا يمكنهم تحملها.


ولكن كان هناك أخبار سيئة من قبل، واستطعنا تخطيها، هذا ما يقوله الناس، عن أشياء حدثت قبل مولدهم، أو بينما كانوا يمصون الإبهام. أحب هذه الصيغة: نحن تخطينا هذه الأمور. الأشياء مجرد هراء عندما تخص حدثاً لم تكن فيه بصفة شخصية.

وكأنك انضممت لـ«نادى نحن»، وتحمل عضويته على شارة بلاستيكية مبتذلة. ومع ذلك، نحن تخطينا هذه الأمور، منشطة للذاكرة، تستحضر مسيرة أو موكب، خيول تخب، ملابس ممزقة وموحلة بسبب الحصار أو المعركة أو احتلال العدو أو ذبح التنانين أو أربعين عامًا من التيه. سيكون هناك قائد له لحية طويلة يمسك بالوصايا ويشير إلى الأمام.

والقائد سيكون عرف الأخبار السيئة مبكرًا، تلقاها، وفهمها، وعرف ماذا سيفعل. اهجم من الجناح، استهدف العنق، اذهب إلى الجحيم خارج مصر، هذه النوعية من الأشياء.


«أين أنتِ؟» نادى تيج من أسفل.«القهوة جاهزة». «أنا هنا.» رددت من أعلى. كثيرًا ما نستخدم هذا الهاتف الهوائي. الاتصال لم ينقطع بيننا، ليس بعد. ليس بعد هذه صامتة،مثل حرف لا ننطقه، هى ليس بعد الصامتة. نحن نعيش خلال الأزمنة. نتكلم عن الماضي: فى ذلك الوقت. وعن المستقبل: ليس بعد.

ونعيش فى برزخ بينهما، المساحة التى لدينا فيه مؤخرًا نفكر أنها: ما زالت لدينا، وهى فعلًا والحقيقة هى ليست أصغر من مساحة الآخرين. حقًا بعض الأشياء الصغيرة ساءت- ركبة هنا، عين هناك.

ولكن حتى الآن مجرد أشياء صغيرة. ما زلنا نستطيع أن نستمتع، مادنا نركز على فعل شيء واحد فى المرة. ما زلت أذكر عندما اعتدت أن أشاكس ابنتي، فى ذلك الوقت، عندما كانت مراهقة. كنت أدعى أننى عجوز. اصطدم بالحائط، أسقط أدوات المطبخ، أدعى فقد الذاكرة.

وكنا نضحك. هى أشياء لم تعد مزحة. قطتنا- ميتة الآن- دروملين1. عانت شيخوخة قططية عندما كانت فى السابعة عشر. دروملين- لما أطلقنا عليها هذا الاسم؟ القطة الأخرى، التى ماتت أولًا، كانت مورين.

وذات مرة اعتقدنا أنه من الممتع أن نطلق على قططنا أسماء الظواهر الجليدية. رغم أن السبب يغيب عن ذاكرتى الآن. تيج قال إن دروملين كان المفترض تسميتها لاندفيل³. رغم أنه من كانت وظيفته إفراغ صندوق فضلاتها.


ومن غير المحتمل أن نحصل على قطة أخرى. اعتدت أن أفكر- وفكرت فى هذا بهدوء - أن بعد وفاة تيج (الرجال يموتون أولًا أليس كذلك)؟ ربما حصلت على قطة مرة أخرى، من أجل الصحبة. لم يعد هذا خياراً، فمن المؤكد أنى سأكون نصف عمياء حينها، ربما تجرى القطة بين قدمي، فأسقط فوقها وأكسر عنقها.


ودروملين المسكينة اعتادت أن تجوس خلال المنزل ليلًا، وتعوى بطريقة غريبة. لم يمنحها شيء العزاء: كانت تبحث عن شيء فقدته، لكنها لم تعلم ما هو: (عقلها، إن جاز فى الحقيقة أن امتلكت عقلًا).

فى الصباحات كنا نجد آثار قضمات صغيرة فى حبات الطماطم والكمثرى. كانت تنسى أنها لاحمة، كانت تنسى ما يفترض أنها تأكل. صارت هذه رؤيتى عن مستقبلي: أطوف المنزل فى الظلام، فى رداء النوم الأبيض، أعوى من أجل ما فقدته ولا أذكر ما هو. شيء لا يحتمل. أصحو ليلًا وأمد يدى لأطمئن أن تيج ما زال هنا، ما زال يتنفس. بخير، حتى الآن.


ورائحة المطبخ توست محمص وقهوة. لا مفاجأة، فهو ما يفترض أن تيج يجهز. الرائحة لفتنى حين وصلت المطبخ مثل بطانية، بقيت معى حتى أكلت التوست نفسه وشربت القهوة ذاتها. وهناك ، على الطاولة، كانت الأخبار السيئة.


قلت «الثلاجة تصدر صوتًا مزعجًا» . لا نبدى الاهتمام الكافى بالأجهزة، كلانا لا يفعل. صورة ابنتنا ملصقة على باب الثلاجة، التقطت منذ سنين عديدة، تطل علينا مثل ضوء يصلنا من نجم قد أفل. هى مشغولة بحياتها فى مكان آخر.


«انظرى إلى الصحيفة» قال تيج. هناك صور. هل تصبح الأخبار السيئة أسوأ بالصور؟ اعتقد هذا. الصور تجعلك تنظر، سواء أردت أم لا. هناك سيارة محترقة، واحدة فى مسلسل الآن، لم يبق فيها إلا هيكل معدنى معوج. فى الداخل يكمن ظل متفحم.

وفى صور مثل هذه هناك دائمًا فردة حذاء ملقاة. الأحذية هى ما تزعجني. شيء حزين، المهمة اليومية البريئة لوضع الحذاءين فى قدميك، لقناعتك الثابتة أنك ذاهب إلى مكان ما.


نحن لا نحب الأخبار السيئة، لكننا نحتاجها, نحتاج أن نعرف بها فى حال كانت قادمة نحونا. قطيع من الغزلان فى المرج، رؤوسها لأسفل وتأكل فى سلام. ثم ووف ووف كلاب برية فى الغابة. تشرئب الأعناق.

وتنتصب الآذان. استعدوا للهرب! أو الدفاع على طريقة ثيران المسك: الخبر يقول الذئاب تقترب. بسرعة إلى الدائرة الإناث والصغار فى المركز. انخروا واضربوا الأرض بالحوافر! استعدوا لطعن العدو بالقرون!


«لن يتوقفوا» يقول تيج. 
«انها فوضى» أرد عليه «أتساءل أين كان الأمن؟» عندما وزع الرب العقول، اعتادوا قول هذا، بعض من نعرفهم كانوا آخر الطابور.


و«إذا أراد شخص قتلِك حقًا، فسيقتلك» قال تيج. هى طريقته للإيمان بالقدر. اخالفه الرأي، ونقضى ربع ساعة لطيفة نستدعى شهاداتنا عن الموت. هو يتقدم بالأرشيدوق فيرديناند وجون كينيدي، فأعرض الملكة فيكتوريا «ثمان محاولات فاشلة» وجوزيف ستالين، الذى استطاع تلافى الاغتيال بالقيام باغتيالات بالجملة. ذات مرة كنا نتجادل فى هذا، الآن هى تسلية مثل شرب الجين.


و«نحن محظوظان» يقول تيج. أعلم ما يعنيه. أن كلينا ما زلنا نجلس فى مطبخنا. لا أحد منا مات. ليس بعد. « نعم نحن محظوظان» أرد.» انتبه، التوست يحترق».


هكذا، تعاملنا مع الأخبار السيئة، واجهناها برؤوس مرفوعة، ونحن بخير، بلا جروح، ولا دماء تسيل منا، لم نحترق. وما زلنا نرتدى أحذيتنا. الشمس مشرقة، والطيور تغني، لا يوجد سبب يمنع الشعور أننا بخير. الأخبار السيئة تأتى من بعيد جدًا، معظم الأوقات.

والانفجارات وبقع الزيت والإبادات الجماعية والمجاعات وما إلى ذلك. سيكون هناك أخبار أخرى، فيما بعد، دائما ستأتي، وسنقلق بشأنها عندما تأتي.


منذ عدة سنوات. متى؟ كنت مع تيج فى جنوب فرنسا، فى مكان اسمه جلانوم. كنا نقضى إجازتنا. ما أردنا مشاهدته حقًا هو الملجأ حيث رسم فان جوخ لوحة زهور السوسن4. وقد شاهدناه. كانت جلانوم رحلة فرعية. لم أذكرها لسنوات، لكن ها أنا هناك الآن، فى ذلك الوقت، فى جلانوم قبل تدميرها فى القرن الثالث، قبل أن تصبح مجرد أطلال تدفع لكى تذهب وتتفرج عليها.


وهناك فيللات واسعة فى جلانوم، حمامات عامة ومسارح رومانية ومعابد. المبانى التى اعتاد الرومان بناءها أينما ذهبوا حتى يشعرون بأنهم متحضرون وفى وطنهم. جلانوم لطيفة جدًا، كثير من كبار قادة الجيش يعيشون فيها بعد التقاعد. متعددة الثقافات، مليئة بالتنوع: نحن مغرمون بالبدع والتقاليع.

ولكن ليس بنفس قدر روما. نحن ريفيون هنا، ومع ذلك لدينا آلهة من كل مكان بجانب الآلهة الرسمية هنا طبعًا. مثلًا، لدينا معبد صغير لسيبيل5 مزين بأذنين ترمزان لجزء من الجسد ربما ترغب فى قطعه فى شرفها. الرجال يتضاحكون بسبب هذا: أنت محظوظ أن الموضوع أذنان فقط. بلا أذنين خير من بلا رجولة نهائيًا.


هناك بيوت يونانية أقدم مختلطة مع البيوت الرومانية، وما زالت هناك عادات يونانية باقية. سلتيون6 يأتون للمدينة، بعضهم يرتدون قمصاناً طويلة وعباءات مثلنا، ويتحدثون لاتينية جيدة. علاقتنا بهم ودية، الآن وقد تنازلوا عن طرقهم فى اصطياد الرؤوس.

وقد دعوت زعيم السلت للعشاء وتوجب على تيج القيام بقدر من الترفيه. كانت مخاطرة اجتماعية، ولكن طفيفة. فالضيف تصرف بصورة طبيعية، وشرب بالقدر المسموح، شعره كان غريبًا. أحمر ومجعدًا. ويرتدى طوق الطقوس البرونزى فى عنقه، لكنه لم يكن أكثر وحشية من بعض الرجال الذين أعرفهم، كان مهذبًا بطريقة غريبة.


وأتناول إفطارى، فى الغرفة الصباحية مع جدارية لبومونا وزفيريوس7 . الرسام لم يكن الأفضل، بومونا تبدو حولاء وثدياها ضخمان، لكن لا تستطيع الحصول على أفضل شيء هنا. ماذا كنت سآكل؟ خبز وعسل وتين مجفف.

وليس هذا موسم الفاكهة الطازجة. لا قهوة، حظ سيئ. لا أظن أنها اخترعت حينها. لدى بعض حليب فرس مخمر من أجل الهضم. عبد مخلص أتى بالإفطار فوق صحيفة طعام فضية. العبيد جيدون فى هذه الناحية. هادئون ويحفظون السر وفعالون. لا يريدون أن يباعوا، فمن الطبيعى أن تكون عبد منزلى أفضل من العمل فى المزارع.


وأتى تيج ومعه لفافة. تيج اختصار لتيجريس. اسم تدليل أطلق عليه من قبيلته السابقة. فقط بعض المقربين ينادونه تيج. كان عابسًا.


«أخبار سيئة؟» سألت. «البرابرة فى الطريق، عبروا الراين».
«ليس قبل الإفطار» قلت. هو يعلم أننى لا استطيع مناقشة الأمور الثقيلة بعد الاستيقاظ مباشرة. لكننى كنت حادة جدًا. رأيت الأسى فى عينيه فتراجعت. « هم دائمًا يعبرون الراين. ستعتقد أنهم سيتعبون من الأمر. فقواتنا تهزمهم. هذا ما يحدث دائمًا.»


و«لا أعرف» قال تيج. «يجب ألا نترك برابرة كثيرون فى الجيش. لا تستطيعين الاعتماد عليهم» هو نفسه قضى وقتًا طويلًا فى الجيش، لذلك فقلقه يعنى شيئًا.وعلى الجانب الآخر، فهو عامة يرى أن روما تنحدر إلى الجحيم لا محالة.

ولاحظت أن معظم المتقاعدين يشعرون بذلك. العالم لايستطيع الاستمرار بدون خدماتهم. الأمر أنهم لا يشعرون بعدم الجدوى، يشعرون بأنهم متروكون.


«من فضلك اجلس» قلت. « سآمر لك بقطعة خبز جيدة وعسل وتين». جلس تيج. لا أعرض عليه لبن الفرس، رغم أنه سيحسن من حالته. هو يعلم أننى أعلم أنه لا يحب ذلك. يكره إزعاجه بنصائح عن صحته، التى تسبب له المتاعب مؤخرًا. أوه، اجعل كل شيء يظل كما هو، صليت من أجله فى صمت.


و«هل سمعت؟» سألته «وجدوا رأساً مقطوعاً حديثًا، معلقة بجوار بئر السلتيين القديم للنذور» لعلهم بعض عمال المحاجر الهاربين الذين لجأوا إلى الغابة، وهو ما تم تحذيرهم من فعله، السماء وحدها تعلم. «هل تظن أنهم عادوا للوثنية؟ السلتيين؟» 


«هم يكرهوننا، حقًا» قال تيج. « هذا القوس التذكارى لا يساعد بشيء. يفتقد اللباقة. السلتيون هزموا، الرومان داسوا على رؤوسهم. ألم تضبطيهم ينظرون إلى أعناقنا؟ سيحبون غرس سكينهم فيها. لكنهم ناعمون الآن، اعتادوا الرخاء. ليسوا مثل برابرة الشمال.السلتيون يعلمون أننا إذا انحدرنا فسينحدرون معنا». 


وأخذ قضمة واحدة فقط من الخبز اللذيذ. ثم وقف وخطا للأمام والخلف. كان وجهه محمرًا. «أنا ذاهب إلى الحمامات» قال.»من أجل الأخبار».


نميمة وإشاعات، على ما أظن. نبوءات ونذر شؤم، طيور تطير مغادرة، قرون كبش. لن تعلم أبدًا إذا كانت الأخبار صحيحة حتى تنقض. حتى تصبح فوقك، حتى تمد يدك فى الليل ولا يوجد تنفس، حتى تعوى فى الظلام، وتتجول فى الغرف الخالية فى الرداء الأبيض. 


«سنتخطى الأمر» قلت. تيج لم يرد.
يوم جميل. الهواء يمتلئ برائحة الزعتر البري، أشجار الفاكهة بدأت تزهر. لكن هذا لا يعنى شيئًا للبرابرة. فى الحقيقة هم يفضلون الغزو فى الأيام الجميلة. تعطى رؤية أفضل لنهبهم ومذابحهم. هم نفس البرابرة الذين- كما سمعت- يملأون أقفاص الخوص بالضحايا ويشعلون فيها النهار كقربان لآلهتهم.

وبرغم ذلك مازالوا بعيدين. حتى لو استطاعوا عبور الراين، حتى لو لم يُذبحوا بالآلاف، حتى لو لم يمتلئ النهر بدمائهم، فلن يصلوا إلى هنا قبل وقت طويل. ربما لن نكون أحياء وقتها. جلانوم ليست فى خطر. ليس بعد.
--------------- 
1 - دروملين: تلال من الرواسب الجليدية.
2 مورين: ركام جليدي
3 - لاندفيل: مكب نفايات
4 -  أيريس Irises هى واحدة من لوحات فان جوخ وواحدة من سلسلة من اللوحات اللى رسمها فى ملجأ Saint Paul-de-Mausole فى Saint-Rémy-de-Provence, فرنسا .
5- سيبيل Cybele أو كوبيلي: آلهة الخصب عند اليونان وتسمى عند الرومان ماجنا ماتر أو أم الآلهة
6: السلتيون (الكلت أو الجاليون)شعوب هندوأوروبية سكنت مناطق فى أوروبا والأناضول فى عصر البرونز واستمرت حتى القرن الخامس قبل الميلاد.
7 بومونا إلهة الفاكهة والحدائق عند الرومان. زفيريوس إله الرياح الغربية ورسول الربيع. 

اقرأ أيضاً | يوسف الشريف يكتب: الحداثة والسياسة.. تاريخ جديد للعالم

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة