حجاب فى الاحتفال بقاعود
حجاب فى الاحتفال بقاعود


الحب من أول شطرة

أخبار الأدب

السبت، 11 فبراير 2023 - 02:30 م

يعبّر سيد حجاب عن خيبة أمله فى النقد الأدبى بشكل حاد وعميق حين يصف الممارسات النقدية بالاتباع. والخطير فى الأمر ارتباط الاتباع برؤية ماضوية يراها سيد حجاب تبعية لنموذج جمالى رسخته ثنائية حضارية وجمالية (العرب الفاتحين/ أهل الشعوب المستعربة).

حيث يذهب إلى أن نظرة النقاد كانت نظرة سلفية اتباعية كل محاولتها النظر للفردوس المفقود فى العصر الجاهلى وعصر الرسول (ص)، فكل الآداب التى تحاكى الاداب السابق ذكرها هى آداب عظيمة من وجهة نظرهم.

وأما الآداب التى تغفل المحاكاة لتنتقل من الاتباع للابتداع كانت آدابًا رديئة وعامية مستهجنة. بينما أعلى النقاد من قيمة النمط الاتباعى القديم وكانت هناك نظرة استهجان لإبداعات الشعوب المستعربة وهذا ما التفت إليه قديمًا ابن خلدون وقد أعلن سخريته من النحاة الذين يستهجنون شعر العوام.

ويدعو حجاب إلى ضرورة أن يتجاوز نقد الأدب منطق النحاة، معتبرًا أن عصر النهضة لدى النقاد لم يكن المقصود به نهضة التجاوز أو الابتكار، ولكنها نهضة العودة للمنبع، وأن هذا المنبع لا يخصنا بالمرة، ولكنه قد يخص الحجازيين، أنا أرى أن منابعنا مختلفة والشعر الجاهلى رافد هام، لكنه رافد صغير وليس المنبع الحقيقى للشعر المصرى. 

 

 


أزعم انه ليس لدى سيد حجاب تصور لوجود مؤامرة تحيكها مؤسسة النقد الأدبى فى الجامعات والمؤسسات الثقافية المصرية ضد العامية شعرًا وشعراء، ذلك أنه بغض النظر عن أن آثار الاتباع على شعر العامية تفوق آثاره على شعر الفصحى.

وفإن غياب الإبداع يلحق الأذى بكل إبداع فصيحًا كان أو عامية. حيث يرى أن المقالات التى كانت تحاول ممارسة النقد بشكل عميق «كانت تحتفظ فى ذهنها بمقاييس ثابتة تحاول أن تقيس الواقع لا أن تكتشفه، فالمأساة مشتركة فلم يحدث تنظير لا لحركة العامية ولا للفصحى».(المصدر السابق، ص133).


ويشهد التأريخ الأدبى لشعر العامية أنه لم يسهم ناقد أكاديمى فى تأسيس «جماعة ابن عروس»، تلك الجماعة التى أطلقت مصطلح «شعر العامية» فى عام1961، فقد تكونت من عدد من شعراء العامية وقتئذ إلا واحدًا هو سيد خميس الناقد المتميز.

والذى يشير فى كتابه الشعر العامى فى مصر(البحث فى البدايات) إلى أن مصطلح «شعر العامية المصرية قد تم تكريسه على يد جماعة «ابن عروس» حيث يقول: «يعود الاتفاق على مصطلح شعر العامية المصرية إلى أوائل ستينيات هذا القرن.

ويعود تكريسه وإشاعته نقديًا وإعلاميًا إلى جماعة ابن عروس وهى جماعة صغيرة كرست جهدها الفكرى والإبداعى والإعلامى لبلورة وترسيخ هذا الشكل الشعرى الجديد، الذى كان قد بدأ قبل سنوات بأشعار للشاعر العظيم الراحل فؤاد حداد فى سجنه.

وتضمنها ديوانه الأول «أحرار وراء القضبان» بعد خروجه من السجن. وأدرك المبدع صلاح جاهين أن ثمة شعراً عامياً جديداً قد ولد، وكان قد اختار أن يكتب بالعامية».


وفى رسالتها للدكتوراه بجامعة كاليفورنيا عن «شعر العامية والحداثة فى الشعر العربى»، تشير نهى رضوان إلى دور الشعراء أنفسهم فى صياغة هذا المصطلح بما لديهم من وعى نقدى يقف وراء هذا الاختيار والتوجه وتختار من هؤلاء الشعراء ثلاثة لتختصهم بالذكر وهم (فؤاد حداد وصلاح جاهين وسيد حجاب).


أقام سيد حجاب هذه الثنائية الحدية بين مرجعيتن جماليتين ثم نسب فؤاد حداد وصلاح جاهين لمرجعية الأدب الشعبى الجمالية ليتميز إبداعهما الشعرى وبالتبعية إبداع جماعة ابن عروس عما كان قبلهما من شعر تم ربطه بالنموذج الجاهلى.

وقد ترتب على تلك الثنائية تصنيف تقييمى للإبداع الشعرى فما هو منتسب لجمالية الأدب الشعبى وجماعة ابن عروس حداثى، وما هو منتسب لجمالية الشعر الجاهلى وزجّالى الطبقة الوسطى قبل جماعة ابن عروس غير حداثى.

وهو ما يتضح فى الملامح التى حددها سيد حجاب كخصائص للحداثة عند فؤاد حداد وصلاح جاهين حيث يقول: «على المستوى التشكيلى تراجع منهج التقرير والتعبير المباشر ليحل محله منهج التفكير بالصورة الجزئية لبناء الصورة الكلية.

وكما تراجع العروض الخليل بجمود أنساقه الموسيقية لتتحرر التفعيلة ثم لتندفع نحو أنساق موسيقية أكثر غنى وتركيبًا وعلى مستوى الموقف اقتربنا أكثر من جوهر الشعر وبقدر ما غاص كل منهما فى ذاته الشاعرة بقدر ما حلق فى آفاق الرؤية الشعرية».


ومن الأهمية بمكان هنا أن نحلل استعارة مهيمنة فى الوعى النقدى بشعر العامية لدى سيد حجاب وهى استعارة «ساحة الإبداع ساحة حرب» خاصة فى المشهد الذى يسرده سيد حجاب فى حواره بجريدة المصرى اليوم عن أول لقاء له بصلاح جاهين بصحبة فؤاد قاعود.

وكيف أن جاهين بعد أن استمع لثلاث قصائد لسيد حجاب تهلل محتضنًا فؤاد قاعود قائلاً «كده بقينا كتير يا فؤاد». وتفسير سيد حجاب لهذه العبارة يكشف عما كان لديه ولدى صلاح جاهين وفؤاد قاعود من وعى بمسئولية التأسيس لإبداع مختلف يحتاج لعنوان دال عليه.

وكاشف عما وراءه من رؤية للعالم فكان مصطلح شعر العامية، خاصة أن هذه المهمة معركة يخوضها جاهين بصحبة فؤاد قاعود بينما رفاق السلاح بالمعتقل وهم فؤاد حداد ومحسن الخياط وسمير عبد الباقى.

ليأتى انضمام سيد حجاب لهذه الكتيبة كدعم يستحق قفز صلاح جاهين فى الهواء وتبادل الأحضان مع فؤاد قاعود، خاصة أن الجندى قد جاء بكامل عتاده الإبداعى وعلى وعى بالمهمة الإبداعية وهى البحث عن قصائده التائهة وكسر الحاجز بين قصائده وقصائد الصيادين والمتمثل فى حاجز اللغة. 


وثمة عناصر تنقل هذا الشكل من الاعتراف إلى الاحتواء، منها الشحنة العاطفية المؤثرة فى خطاب جاهين (بقينا كتير/ حب من أول شطرة)، بالإضافة إلى وضع سيد حجاب فى موضع من لا يستطيع أن يخيب أمل القائد فيه بعد أن وضع فى عنقه مهمة ذات طابع رسائلى خاصة أن ذلك يتم بذكاء شديد من صلاح جاهين.

والذى لا يفرض على الشاعر الجديد رأيه فى نهاية قصيدته ابن بحر التى طالبه بأن يغيرها، وإنما يرتفع عن الجدل الذى يفترض علاقة ندية بين شاعر وشاعر، إلى موقع القائد المثنى على الجندى النابغ مدللاً على نبوغه بالقدرة على مخالفته، وفى نفس الوقت صدق نبوءته لهذا الشاعر المرشح للقيادة أو خلافة جاهين فى كتيبة شعر العامية. يقول جاهين.

 
و«كم كانت فرحتى عندما كتب لى سيد حجاب فى حزم أنه لن يغير نهاية القصيدة!.. كنت معجبا بهذا العناد وأعتبره عاملاً آخر من العوامل التى ستجعل هذا الشاعر عظيماً، يكتب إحساساته بلغة الشعب، اللغة التى تحمل كل آلامنا الماضية وآمالنا المقبلة.. الشاعر الذى يحمل فى شجاعة مسؤولية الكلمة». 


وإن الاحتواء الذى مارسه صلاح جاهين مع سيد حجاب لا يعنى أنه احتواء ذو بعد تآمرى وإنما يعنى وجود أرضية مشتركة بينهما مكّنت لكليهما أن يستجيب لرغبة الآخر فى التلاقى حول مفهوم الشعر ووظيفته.

اقرأ ايضاً  | ريم سيد حجاب تكتب: رسالة إلى بابا

نقلا عن مجلة الأدب: 

202302012

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة