مارجريت أتوود
مارجريت أتوود


أتوود لا تزال ترسل إلينا رسائل من المستقبل

أخبار الأدب

السبت، 22 أبريل 2023 - 08:05 م

نُقبل على قراءة أعمال بعض الكُتاب لقدرتهم المدهشة على التنبؤ بمستقبلنا؛ وبعض الكُتاب نحتاجهم لمهارتهم فى تحليل حاضرنا؛ وآخرون نحبهم لقدرتهم على شرح ماضينا. وبعضهم مارق، يقدم لنا أزمنة غير الأزمنة التى نعلَقُ فيها، وواقعًا بعيدًا عما نعيشه.

إذا أثبت أى شخص، على مدار مسيرة مهنية طويلة وبالغة التنوع، قدرته على أن يحقق هذه جميعًا، ستكون مارجريت أتوود.

انتبهنا من جديد لمواهبها التنبُؤية بعد نقض قضية قانون حرية الإجهاض فى العام الماضي، على الأقل فى الولايات المتحدة، إذ تنامى شعور بأن «حكاية خادمة» الصادرة عام 1985، ليست مجرد تأمل فى ماضٍ بقدر ما هى تنبؤ مخيف بمصيرنا القريب.

ومع ذلك، ذاع صيت روايات أخرى لأتوود مثل «عين القط»، و«القاتل الأعمى» الحائزة على جائزة بوكر، والتى تُجرى مسحًا زمنيًا للقرن العشرين، وتُسلط الضوء على الماضى الجماعى والشخصي.

اقرأ ايضاً| مارجريت أتوود أنا مفتونة بـ «الثورة الفرنسية» 

كرواياتها، تدور أحداث قصصها القصيرة فى العالم القديم أو فى تورنتو خلال ثلاثينيات القرن الماضى أو فى عالم ما بعد دمار الأرض. لو أنك تعتبر نفسك من محبى أدب أتوود ولم تقرأ سوى رواياتها، عليك إعادة النظر. يفوتك الكثير.

«أطفالٌ عجائز فى الغابة»، المجموعة القصصية التاسعة للكاتبة الكندية، وهى الأولى منذ صدور مجموعتها «مرتبة حجرية» عام 2014، تتألف من ثلاثة أقسام: «تيج ونيل» و«أمى الشريرة» و«نيل وتيج». يقدم لنا الجزء الأول والأخير، وهى سبع قصص إجمالاً، وقائع من حياة زوجية لزوجين لهما أبناء بالغين.

ويأخذنا التسلسل الزمنى حتى وفاة تيج وحياة نيل وحدها، والتى تُشبِهُها بالحياة كطالبة من جديد... نفس القلق الذى لا شكل له، نفس وجبات الطعام». حتى قبل رحيل تيج، فإن الخسارة تغمر هذه القصص - فقدان جار، أو قطة محبوبة، أو والد تيج. إنها قصص تتأمل فى الماضي.

ورُغم أنه ليس منظورًا جديدًا بالنسبة لأتوود، إلا أن العدسة تبدو لى قد تغيرت. فى «مرتبة حجرية»، تأملت الشخصيات الماضى بمرارة أو ذهول أو حنين أو حتى نقمة، لكن هنا، تتأمل الشخصيات الماضى بحزن.

وأُهديت المجموعة لزوج أتوود، جرايم جيبسون، الذى توفى فى عام 2019. بينما تحمل حياة تيج ونيل بريق التفاصيل المبتدعة، إلا أن قصة «أرامل»، وهى رسالة قصيرة من نيل تصف الحياة بعد وفاة تيج، توحى بذاتية طاغية.

«أرامل» رسالة موجهة إلى صديقة «أصغر بكثير، رغم أنك لا تعتقدين ذلك الآن». ولكن يظهر شعور خفى فى عدد غير قليل من هذه القصص بأنها موجهة إلى الذات الأصغر سنًا - شخص مرتبك وغير مستعد لتغيرات الحياة اللاحقة، شخص يمكنه فقط تشبيه الترمل بتشتُت حياة الطلاب. «غرابة اكتشاف أن الشيخوخة لا تصيب كبار السن، ولكن من كانوا شبابًا فى وقتٍ قريب؟»

بالنظر إلى أن غالبية قرائها هم أصغر منها وهى البالغة من العمر ثلاثة وثمانين عامًا، فإن الانطباع الأول للعديد من القصص، وإن كان غير مقصود، هو كونها حكمة مُقدمة من الحرس القديم. إنها ليست رسائل من مستقبل تخيُلي، ولكن من مستقبل نتجه إليه جميعًا، إذا كنا محظوظين بما يكفى للبقاء على قيد الحياة. نوع جديد من استشراف المستقبل الذى تتمتع به أتوود: تستدعى ما هو قريب، لتنبئنا بما ينتظرنا.

ومن المغرى اعتبار قصص تيج ونيل السبعة مجموعة كاملة واحدة، لانفصال القصص التسع الأخرى فى الجزء الأوسط عنهم من ناحية، ومن ناحية أخرى لتضمُن هذا الجزء الأوسط على أقوى قصص المجموعة وأشدها أصالة، والأشد تذبذبًا أيضًا.

وتتبع مواضيع هذا الجزء مربك. أُم تظنُ نفسها ساحرة؛ روح حلزون تنصهر فى روح موظف خدمة العملاء؛ هيباتيا السكندرية تخبر جمهورًا حديثًا عن مقتلها بصَدَفِ المحار. كائن فضائي، تم استئجاره للترفيه عن أبناء الأرض المعزولين أثناء الوباء، فيحول أسطورة صبر جريسيلدا إلى قصة انتقام مرحة عن غير قصد. يحكى الكائن الفضائى عن دوق يمتطى حصانه لعملية إنقاذ.

ويظهر كوفيد فى عدد من قصص الجزء الأوسط إما كحقيقة من حقائق العالم، كما فى قصة «سِنَّة معطوبة»، حيث تتناول امرأتان الشاى فى الفناء الخلفى إذ عليهما «فى سنهما هذه توخى الحذر»، أو كموضوع للحديث، كما فى «لقاء الموتي»، حيث حاورت أتوود نفسها جورج أورويل من خلال وسيط روحي، وعندما سأل عما تعنيه بعبارة «مناهضى التطعيمات» أجابت، «الأمر معقد». بالإضافة إلى «الطاعون» الغامض الذى أدى إلى حجرٍ صحى فى «جريسيلدا الجَزِعة».

ويظهر المرض أيضًا فى «الحرية للجميع» و»ينتقل من خلال أى شكل من الاتصال الجسدي، بما فى ذلك التقبيل»، وقد أجبر البشر على العيش فى مجموعات معزولة حيث يتم الزواج بإجراءات محددة. رُغم أنها قصة، إلا أنها تصلح كتقديم لرواية قد تطورها أتوود أو أحد مساعديها يومًا ما، عالم يستحق أكثر من 10 صفحات.

وتتناول بعض قصص الجزء الأوسط اللحظة الحالية بطرق أخري: تتعاطى الشخصيات فى «ينتقل جوًا: ندوة» مع تغيير الأعراف فى الأوساط الأكاديمية، يقول أحدهم «اكتشفت مُحفزًا يحفز» وتستدعى القصة أيضًا معارك العقود السابقة، ونجحت فى مقاربتها بين النسوية فى الماضى والحاضر.

بينما تبدو قصصًا أخرى فى نفس الجزء أقل التزامًا بمشروع استنطاق العالم المعاصر الذى تستحضره. تبدو مواضع استدعاء ظروف كوفيد فائضة، ومحاولات توظيفها غير مقنعة إلى حد ما فى قصص هذا الجزء. لا تظهر بنفس النظام الدقيق الذى يتم جمعهم به من زوايا عقل أتوود.

لكن من يهتم؟

مَن على وجه الأرض أحب مارجريت أتوود للتحفُظ الحذِر؟ إنها تتأرجح فى جميع الملاعب، وتُخفِق أحيانًا. ربما كنتُ سأميل إلى الاستفاضة فى الحديث عن القصص فى القسم الأوسط من المجموعة، التى تقع بين جزئين من القصص الواقعية والرثائية المكتوبة ببراعة لو لم يقدم المنطق نفسه ببساطة: هذه أتوود. يانوس ذو أربعة وجوه، وجه ينظر إلى الماضي، وآخر يتأمل الحاضر، وواحد يستشرف المستقبل والرابع داخل مركبة فضائية، يروى قصصًا عن أكل الخيول. إنها فى منطقة مُلْكها.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة