الكاتبة فاطمة مندي
الكاتبة فاطمة مندي


الكاتبة فاطمة مندي تكتب: مخالب شيطانة

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 02 مايو 2023 - 03:37 م

شددت رحالي إلى إحدى المدن الساحلية، هاتفت صديقي الذي كان يقضى إجازته هناك، طلبت مقابلته، جلسنا في إحدى المقاهي، نتجاذب إطراف الحديث، قصصت له ما ألم بي: صمتي بجوارها كان يضج بالصراخ، فلقد سحقت ادميتي، ونشبت مخالبها في شغاف قلبي، عيناي تفيض ملحا لا يداوي جرحي، اتشحت الدنيا أمامي بالسواد، تندثر علامات الطريق من إمامي أين المفر من شعور يقتلني؟

 

سؤال تردده نفسي المكسورة مرارا، أحاول الهروب من جلد قلبي بسياط محرقة، قادتني قدماي إلى طريق طويل لا أعلم منتهاه، رجعت أدراجي إلي منزلي بعد عدة ساعات من السير، لم أدرك ولم أع كم من الوقت مضى؟ أو في أي الطرق كنت أسير؟ أخبرتني ابنتي بأن وجودي أصبح غير مرغوب فيه، وعلىّ أن أغادر المنزل وبلا عودة.

 

كنت معار كما تعلم لقرابة خمسة عشر عام في إحدى الدول العربية، كنت أعيش أول سنوات زواجي معيشة جدباء، إلى أن سافرت أنا وزوجتي وأبنائي في إعارة، كنت أُعاملها كملكة، كنا نعيش أنا وهي وأولادي حياة مترفة، كنت أغدق عليهم الأموال، أرسلت لأهلها أموالاً؛ كي يشتروا لي قطعة أرض، كما أرسلت لهم الأموال للبناء، اشتريت منزلاً في بلد ساحلي كي يكون لهم مصيف، كما اشتريت لهم سيارة. كنت أُعطيها كل مليم وأترك لها حرية التصرف، مللت الغربة، قررت النزوح الي بلدي، والرجوع إلى وظيفتي، ليتني كنت عدلت عن قراري، وسمعت منك تحذيرك لي أن البلد في ركود.

بدأت مشاكلي مع زوجتي تزداد يوماً بعد يومٍ، وكما تعلم أنها تأخذ كل مرتبي وتترك لي جزء بسيط للمواصلات وسجائري، وكما تعلم أيضا تأخذ إيجار شقق العمارة والمنزل الذي في البلد الساحلي أيضا، لم تكتف بكل هذا، كانت تطالبني بالبحث عن عمل بعد المدرسة، وكنت أرفض. ازدادت مشاكلها معي، كما ازدادت مع جميع معارفي كدئبها، حتي انزويت وراء الكمبيوتر؛ كي أتحاشى الصدام معها، تشوهت معالم علاقتنا كأزواج، ونجحت في استمالة أبنائي إليها. في كل مرة تفتعل صداماً، وترتفع سقف خلافاتنا، وتبتعد عني عدة شهور؛ كي تحرمني من حقي كزوج، وأعيش الحرمان. تكورت في شرنقتي عدة سنوات، ومن وقت لأخر تتحدث بصوت مرتفع وتطلب طلاقها.

 

في الآونة الأخيرة ظهرت لي حورية من الجنة، أو أنا تخيلتها هكذا فجأة كطوق نجاة من وراء الساحرة البلورية، تدفقت مشاعري نحوها دون هوادة، وكنت انزلق معها ولا أستطع تحجيم مشاعري؛ وكأنني أرض بور نزل عليها المطر بغزارة ولم يطفئ عطشها بعد، كنت كطائر حلق في السماء بعد أن فقد الطيران، فحلق في السماء بسعادة. ازدادت مشادات زوجتي مطالبة بالانفصال. قلت لها: موافق علي الانفصال. فلقد وجدت ضالتي. قالت لي: شرط أن تكتب لي المنزلان، هي طلبت منك هذا يا صديقي في أحد المشادات، وأنت نهرتها من أجلي.

 

تحشرجت الكلمات في حلقه، وانتحب بكاءه أخذ منديلاً ورقياً يواري به دمعاته المتساقطة من عينيه وأنفه، استكمل حواره: الآن كتبت لها كل شيء لها ولأبنائي كي أهرب من نار أوقدتها لي منذ سنين، وشر مفخخ تزرعه بيدها لي منذ نهوضي حتى ميعاد نومي.

بعد الانتهاء من مأربها عملت لي محضر عدم تعرض، كما أوكلت محامي هي وابنتي برفع دعوى ضدي كي؛ تأخذ باقي مستحقاتها التي تنازلت عنها بورق رسمي عند الطلاق. يسند كوعه على الطاولة أهلت مدامعه بسخاء التى تسترسل من عينيه ومن الأنف، فأخرج علبة مناديله الورقية، أخرج عدة مناديل كلما مسحها أهلت متلاحقة، يمسحها ثم يتلفت حوله يخشى أن يراه أحد.

حدثه صديقه: علمت نهاية قصتك، لقد عزفت عن رؤية الحقيقة الذي أوضحتها لك مراراً. نظر إليه في حسرة ونظرة منكسرة معقبا : لم أبال بضياع ثروتي، ولكن ما قتلني مشاركة ابنتي في قتلي، كانت كلماتها هي أخر مسمار في نعش قلبي المهترء. عقب الصديق : لقد لوحت لك بالحقيقة. استرسل: احتفظت بي إلى حين تملكت أموالي فلفظتني كدخان سجائري. غادرتها بعد أن دمرت كبريائي كرجل واكتشفت حجمي الحقيقي في نظرها، مصدر للتمويل فقط. ليتني سمعت منك، رجعت إلى نفسي بعدما أتعبني غبار قسوتها وثرثرة ظلالها، لا أملك من العمر، سوى أحلام مبتورة، لملمت كرامتي المذبوحة علي باب طمعها، وبقبضتي أخرجت خافقي من صدري والقمته للغضب وللانتقام مني ومنه، لقد لفظتني ابنتي معها، تمتم قطار غدرهم بعجلات مميتة ؛ فدهسني وبعثرني إلى أشلاء، لا أجد في نفسي شجاعة أتحمل بها نظرات من نصحني.  والأدهى لقد افتعلت زوجتي حساب وهمي علي الفيس، وكانت هي حورية الفيس بوك، استغلت قلبي الملهوف الظمآن للعواطف، وشاغلتني بكلمات لم أسمعها منها يوماً، وبعد كتاباتي لها كل ما أملك؛ آملأ في بداية حياة خالية من النفاق، مع من ظننت أنها ضالتي، لم أعلم أنها هي نفسها زوجتي إلا بعد فوات الأوان، واختفى حساب من كانت تشاغلني.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة