الدكتور طارق الزيات
الدكتور طارق الزيات


قصة قصيرة للدكتور طارق الزيات تحت عنوان: على القهوة

صفوت ناصف

السبت، 06 مايو 2023 - 04:49 م

كلام رجالة


1

جمعتني بهم طاولة واحدة على القهوة العتيقة الواقعة على الطريق المزدحم، لم تكن لي أية علاقة بهم، لكن حضوري كل يوم في نفس الموعد، والأكواب الورقية التي أحضرها معي كي يصب لي فيها النادل قهوتي وأحيانا الشاي، وكذلك الأوراق التي أسجل فيها ملاحظاتي قد شدت انتباههم.

 

كانت القهوة تجمع خليط من الموظفين وأصحاب المعاشات وطلاب الجامعة وبعض أصحاب الحرف، تستطيع أن تقول أنها قهوة الشعب الكادح الذي لا يعرف الأسبريسو ولا الميكاياتو ولا الشاي لاتيه، الصواني هنا ألومنيوم صغيرة مبتلة دائماً، والأكواب كعبها دائماً ما يتساقط منه الماء من البحيرة المائية الصغيرة في الصينية المقعرة قليلاً.

لبيت أول دعوة عندما التف لي بصعوبة رجل سبعيني ممتلئ قليلاً يتنفس بصعوبة وقال لي:

-           يا أستاذ تفضل أنا داعيك على شاي .. فرصة نتبادل الحديث مادمت تأتي كل يوم ولا يؤنسك أحد.

ابتسمت للرجل و قلت له

-   دعوة مقبوله يا حاج.

-  حاج .. ربنا يكتبها لنا .. تعال، لماذا تأتي كل يوم وتجلس هنا تقلب في أوراقك وتسرح في ملكوت الله .. كيف تستطيع أن تكتب وأصوات السيارات والمارة والزحام من حولك ؟

- أنا لا أكتب يا حاج ... ما اسمك؟

- صابر .. و أنت؟

- بصير .. اسمي بصير

- اسم غريب ، لكنه جواني أو..

-  ماذا تقصد بجواني؟

- يعني له معاني صعبة.

- عندك حق يا حاج صابر.

- انظر هاذين الاثنين القادمين علينا.

- ما شأنهما؟

-  من مجموعتنا التي تجلس على نفس الطاولة، لم أكن أعرفهم، كان كل واحد منهم يجلس وحيداً مثلك حتى دعوتهم ومن يومها أجلس أنا منذ الصباح الباكر وتأتي مجموعة الطاولة واحداً واحداً حتى نغادر عند صلاة العصر.

ألقى أحدهما السلام وجلس الآخر وهو غاضب فقال له صابر :

-           ما بك يا دسوقي .

رد الرجل :

- العادي يا عم صابر، العادي .

اعتدل صابر في جلسته وقال :

-           ها نحن لدينا حكاية .. قول يا دسوقي لا تستحي فهذا الأستاذ  بصير زميلنا هنا على الطاولة .

 

تهيأت وفتحت الأوراق وبدأت ألف القلم بين يدي وقلت في نفسي: "ها هو قد أتى حتى أطراف أصابعك ... كلام الرجالة .

ظل دسوقي صامتاً لا يتكلم وصابر يحثه على الكلام حتى نطق دسوقي وقال :

-           اتنشلت لتاني مرة الشهر ده في الأتوبيس.

ضحك صابر واهتز بدنه الضخم حتى دمعت عيناه وقال :

-           يابني انت مبتحرمش، انت مبيض محارة وبتكسب كويس، ضحي بأجرة الميكروباس ووفر الفلوس اللى بتسقط منك.. قول الحمد لله إنها جت على أد كده .

-           الحمد لله.

-           يا ريت البلاوي تيجي على أد كده.

-           ليه يا عم صابر وانت فيك أيه، ما انت زي الفل أهو ومبتبطلش ضحك.

-           ضحك مر بعيد عنك بابني.

-           فضفض معانا، مالك ده انت اللي مجمعنا .. هو احنا كنا نعرف بعض قبل كده .

-           هقولكم أيه، أنا بقعد على القهوة هربان من البيت

-           ليه يا عم صابر.. مراتك منكده عليك

-           أديك عرفت لوحدك.

-           إزاي بتنكد عليك

-           ماتت

ترحم الجميع وعندها وصل ثلاثة من رواد الطاولة لا أعرفهم، فقال لهم صابر:

-           هاتوا كراسي وتعالوا يا رجالة وسلموا على الأستاذ بصير العضو الجديد في الطاولة - ثم ضحك بصوت مرتفع وقال :

-           الله يرحمها خلت بيا وسابتني في الدنيا من غير ونيس .

قلت له :

-           كانت ست طيبة وإلا مكنتش تزعل عليها كده

نظر الي صابر وقال :

-           طيبة ؟ ده انت اللي طيب يا أستاذ  بصير

-           قل لي يا عم صابر .. ليه كان مالها؟

-           تلاتين سنة جواز ما ورتنيش يوم عدل

قال شخص يقف على الرصيف أمام الطاولة :

-           وزعلان عليها .. يا راجل الله يرحمها

قال صابر:

-           شوفت ازاي، يا خوأنا أنا راجل مطحون وكل حاجة على الضيق ومرات المطحون مطحونة زيه، تعبانة وخلقها ضيق، مفيش نفس مرتاح مفيش براح، يا ريتها فضلت تنكد علي وهي عايشة ولا اتنكد وهي ميتة._ تهدج صوت صابر فوجل الجميع وقالت سيدة جاءت تستمع للحكاية وهي تقف على الرصيف ترتدي جلباباً وطرحة سوداء وهي تمسح بطرف دمعتها :

-           يا خويا هون عليك دي الأعمار بيد الله ، جرى أيه يا جدعان ما ترحموا الراجل .

قال صابر :

-           كان البيت حي في أخد وعطا، ويوم ما ازهق أقولها كفاية يا فكرية قلبي وجعني من المناهدة كفاية الله يهديكي، تعالي استريحى وأنا هعملك اللى انت عايزاه .. عارفين كانت تقولي أيه؟

رد من على الطاولة والناس التي تكاثرت على الرصيف :

-           أيه يا عم صابر.

-           تقولي هتعمل أيه ده انت قليل الحيلة والدنيا دايسة عليك دوس .. استناني هعملك كوباية شاي .. الأكادة كل متغاظ منك تصعب علي _ مسح صابر دمعة من عينه

نده دسوقي وقال :

-           واد يا كراوية هات كوباية ليمون لعمك صابر يالا ... بالله عليك تستهدى يا عم صابر وجعت قلبنا يا راجل، وبعدين ما الولاد حواليك.

-           ولاد .. ولاد أيه ده الواد نايم في البيت معاه دبلوم تجارة جرب يشتغل فرد أمن بألفين جنيه في أكتوبر لقي نفسه بيدفع ألف جنيه مواصلات وبيشتغل اتناشر ساعة في اليوم ويقضي في المواصلات تلات ساعات ويرجع مش شايف قدامه، قعد وقال ممنهاش فايدة وحاولت أشغله في صنعة مرضيش .

قال الجمع :

-           لا آله إلا الله .. كل ولادنا كده يا راجل يا طيب.

قال صابر :

-           أنا و الله راضي بس من غير فكرية بقيت ولا حاجة، محدش بيسأل فىّ ولا حد بيعبرني ، ده أنا لولاكم كنت نسيت الكلام .

قلت له :

-           أيه رايك يا عم صابر نروح نزور المرحومة في المدفن.

قال :

-           مدفونة في الشرقية.

-           ومالو .. أنا هاخدك و نروح.

-           والله – قالها -  وهو يلتف ناحيتي بصعوبة والدموع تنساب من عينيه.

-           والله يا عم صابر ... يوم الجمعة حلو.

-           آه يا بني والله ربنا يخليك يا بصير يا بني.

قالت السيدة المرتدية الملابس السوداء:

-           ربنا يحفظك يا بني ويجبر بخاطرك يا قادر يا كريم زي ما جبرت بخاطر الراجل.

2

 

لم يكن ضمن خطتي أن أجالس رواد القهوة وأتعرف على نمط تفكيرهم وحياتهم بقدر ما كنت أتمنى أن أجلس هناك على الطاولة وأراقب سلوك المارة في المنطقة الشعبية التي تموج بالحركة ونماذج السلوك الإنساني المتباينة.

لكن خطتي أصبحت متواضعة وتضاءلت بجوار هذا الفيض الوجداني الذي أثاره عم صابر ويبدو أن العدوى انتقلت إلى باقي المجموعة، وقد بدأها أحمد الذي كان قد حضر بالأمس ولم تتح لي الفرصة للتعرف عليه ، قال أحمد :

-           عارفين طبعاً إن اسمي أحمد ، هذا ليس اسمي في الحقيقة، اعتقد أن الأمر ليس مفاجأة فكلنا اجتمعنا هنا بدعوة من عم صابر، وأغلب من يجلسون معنا لم يعرفوا نفسهم باسمهم الحقيقي فقد كنا مرتابين في الرجل - التفت إلىّ صابر وقال له لا تؤاخذني يا عم صابر.

كالمعتاد قابل صابر الحديث بابتسامة وأشار بيده في الهواء علامة عدم الأهمية، واستكمل أحمد كلامه قائلاً:

-           مش عايز أوجع قلبكم لكن بما أن سري سيكون مدفوناً معي ولن تعرفوا لي طريق فليس علىّ حرج أن أقص عليكم.

تصايح الجمع قائلين :

-           بعد الشر عليك يا راجل أنت لسه شباب.

 ابتسم أحمد و قال :

-           شقيقاتي الاتنتين متجوزين ومبقاش حد متجوزش غيري، بقى عندي خمسة وأربعين سنة وأموري متيسرة والحمد لله ، لكن أبي وأمي فوق الثمانين ومحدش يقدر على رعايتهم غيري، يمكن أكبر مشكلاتي أن أبويا بيعاني من الزهايمر.

صاح واحد من المتحلقين حول الطاولة قائلاً :

-           هو أيه الزهايمر ده يا أستاذ؟

لكزه آخر وقال له هامسا :

-           يعني أبوه خرف .

مضى أحمد في حديثه قائلاً:

-           أمي تعبانة متقدرش تخدم أبويا، وأخواتي كان الله في عونهم كل واحدة بتجر جيش صغير من العيال وأجوازهم محدش فيهم بيضيق عليهم في زيارتهم لينا، لكن في النهاية ميقدروش يقضوا وقت طويل وكله تخاطيف.. أنا مش بقولكم كده علشان أوجعكم ولا زعلان إني متجوزتش، ما هو يا خوأنا مفيش واحدة هتتجوز علشان تخدم أبويا وأمي، ولا حتى ربنا أمر بكده .

قال واحد من الوقوف:

-           يا راجل والله في بنات ولاد حلال وعايزين يعيشوا، كنت اتجوز واحدة منهم .

 ردت عليه سيدة من السيدات التي تقف إلى جواره وقالت:

-           فين هي دي اللى هتخدم، لهو أنت فاكرهم زينا ما خلاص ما عدش في بنت ترضى تخدم أهل جوزها.

جاء كراوية وقال للوقوف:

-           ياجماعة بلاش الوقفة دي، مش ناقصين لحسن الشرطة تفتكر ده تجمهر.

 جذب الوقوف كراسي وجلسوا حول طاولة عم صابر، وقد طلب بعضهم شاي فأخذ منهم كراوية الحساب مقدماً.

قال أحمد :

-           الشاهد أنا متونس بدعا أمي ورضاها وبفرح بالدقايق القليلة اللى أبويا بيفتكرني فيها مرة كل شهر ولا شهرين.

ردت السيدة ذاتها وقالت:

-           ربنا يكرمك يا بني دي دعوة الوالدين تفتح أبواب الجنة، وربنا يكرمك ببنت الحلال اللي تضلل عليك وتعوضك يا قادر يا كريم، والنبي لو عندي بنت كنت اديتهالك على الأقل هطمن عليها معاك، طب والله العظيم إديني بس يومين وأجيبلك حاجة حلوة وزي الفل.

 

انفجر الجميع في الضحك وقال شاب صغير:

-           أيه يا حاجة أنت هتشتغلي خاطبة

لوت السيدة شفتاها وقالت :

-           ده اسمه إي ده إن شاء الله بلا نيلة عليكم ممنكوش فايدة.

قال أحمد ضاحكاً:

-           متزعليش يا حاجة يا ريت كان عندك بنت كنت أخدتها من وشك السمح، لكن المشكلة الحقيقية إني من أسبوع رحت للدكتور، كنت تعبان والمغص على طول ماسكني ولا قادر آكل ولا أشرب.

ألف سلامة عليك يا راجل يا طيب - قالها الحضور جميعاً بينما وجل صابر وبدا عليه القلق وأكمل أحمد:

-           بعد فحص وتحاليل وأشعة خبطهالي وقال عندك ورم في الأمعاء وتشعب، عارفين يعني أيه تشعب، يعني سرح وبقي الأمل في العلاج ضعيف أو قل معدوم، أنا رفضت الكيماوي، هيبهدلني وأمي هتعرف وعندي أموت دلوقتي ولا إني اكسر قلبها .

وجم الجميع حتى الرجال الكبار أطرقوا وقالوا :

-           لا حول ولا قوة الا بالله ، ربك قادر ينجيك.

قال أحمد :

-           ودلوقتي قولولي لما أمر الله ينفذ كيف ستقضي أمي باقي حياتها ومن سيحفظ كرامة أبي، من سيرعاهما؟

كان ثبات أحمد ويقينه وابتسامته التي لا تفارق وجهه قد مزقت قلوبهم جميعاً ووسط الدعاء وطبطبة السيدة الموجودة على كتفه كما لو كان ابنها وهي تكتم دموعها، تقدم منه رجل ستيني كان يستمع إليه وأمسك بساعدي أحمد بقوة وقال له:

-           والله والله والله ثلاثه، دعوات الناس دي ربنا هيتقبلها لأنها من القلب، يا بني بلا غرض ولا نفاق، الناس دي متعرفكش وهتدعيلك بظهر الغيب والدعا بيرد القضا - ثم قبل رأسه وقال:

-           البار بوالديه لا يموت ميتة السوء يا ولدي - ثم استدار وغادر وهو يتمتم بالدعاء.

 

3

كان فايز وهكذا سمى نفسه - شخصية فريدة، لا استطيع أن أحدد بدقة موضع التفرد فيها ولكن قصته تعكس هذا النمط الهادئ الممزوج بالقوة واللامبالاة والتسامح مع النفس والتحرر من القيود والتخلي عن الدهشة، كان يتحدث للجميع كما لو كان يحكي عن شخص آخر .

حضر عدد كبير من المارة الذين اعتادوا الوقوف حول الطاولة كي يستمعوا لقصة جديدة، يعانون من الصدمة من سماع هذه القصص رغم أنهم سمعوا عشرات الحكايا المثيلة ولكن الفارق أنهم سمعوها مروية عن آخرين، لكن أن تسمع القصة من بطلها الذي عاشها هذا أمر مختلف تماماً.

 

قال فايز:

-           كما قال أحمد ربنا يشفيه، هذه ليست أسمائنا ولكن حكايتنا حقيقة وتحدث كل يوم، حكايتي ببساطة أنني تزوجت زواجاً تقليدياً، لا عيب في الزواج التقليدي بصفة عامة و لكن أحيانا تكتشف أنك تورطت فعلاً فلا أنت تصلح لها، ولا هي تصلح لك، سلمت أمري لله وقلت لنفسي عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، اتبعت مع زوجتي خلق حسن العشرة، اسمعتها الكلام الطيب وانفقت عليها من سعتي ولم أبخل عليها وأديت واجبي نحوها كامرأة وقلت دوما أن لا ذنب لها في عدم توافقنا، ولم أرض لها بالظلم، عشت معها عشر سنوات أبحرت فيها بحرص وتؤده حتى أحافظ على اتزان حياتنا خاصة وأننا لم نرزق بأطفال .

جاء صوت رجل من بعيد قائلاً :

-           عشر سنوات ومبتحبهاش وجاي على نفسك، يا عم ليه تظلم نفسك .

أكمل فايز :

-           منذ ثلاثة أيام ، فقط ثلاثة أيام استيقظت من غفوة الظهيرة فقالت لي :

•           فايز .. عايزة اتكلم معاك كلمتين.

•           خير يا ثناء؟

•           أنا عايزة اتطلق؟

جاء صوت سيدة قريبة من فايز تقول :

-           أيه الجنان ده يا خويا.

واصل فايز وقال قلت لها:

•           بجد عايزة تطلقي .. لا حظي يا ثناء الحاجات دي مفيهاش هزار.

•           هزار أيه .. أنا عايزة اتطلق وهقولك أيه السبب علشا...

قاطعتها و قلت لها:

•           أنت طالق .. مش عايز أعرف الأسباب.

قال صابر:

-           لا حول ولا قوة إلا بالله .

بدأ الناس من بعده يهمهمون :

-           معقولة

 أكمل فايز قائلاً- قالت لي:

-           نهار إسود مش عايز تعرف ليه؟

-           لا مش عايز .. مش مهم أنت عايزة تتطلقي، وأنا كرامتي متسمحليش أخليكي على ذمتي ولا أسوق أهلك عليكي.

-           لكن أنا مصممة أقولك .. أنا هتطلق علشان بعرف واحد عليك.

-           قصدك كنتي .. انت دلوقت مش مراتي ..وطالما مش مراتي يبقى الموضوع ميهمنيش.

-           مش عايز تعرف مين؟.

-           مش مهم مين بس أنا متأكد أنه يستاهلك..

-           مش هامك أني خنتك؟

-           لا .. أحسن راجل في الدنيا ممكن تخونه ست وأحسن ست في الدنيا ممكن يخونها راجل ... لو في حد لازم يشعر بالعار هو انت.

-           يعني انت ولا همك طلاق ولا إني أعرف عليك؟

-           ولا حتى العشر سنين اللي عشتهم معاكي، كنت مستنية أيه أصرخ واتصدم وأسأل نفسي ليه وقصرت في أيه وليه عملتي كده .. انت واهمة ، الحمد لله أن ربنا خلصني منك من غير ما يكون لي يد و لا  أحس إني ظلمتك .. الحمد لله  النهاردة ربنا فرج عني كربة كبيرة.

قال أحد الرجال :

-           أيه هو الكلام ده، ده بدل ما تجيب كرشها بسكينة والناس حوله على قولة واحده - دي تستحق القتل.

قال فايز :

-           قتل أيه .. أضيع نفسي علشان واحدة خاينة .

قال الجمع و بعدين:

-           صرخت في وشي واتعفرتت

قلت لها:

-           اسمعي، انت دلوقت مش مراتي يعني مش مضطر استحملك وأنا هنزل ابات في أي حتة وبكره أرجع ملقاكيش لا انتي ولا العفش.

-           يعني مش عايز حاجة من العفش؟

-           لا .. ريحته هتفكرني بيكي وأنا بقرف.

-           بتقرف ... طيب و هتطلقني رسمي امتى؟

-           اعملي توكيل لأبوكي بكره وبعد بكره أطلقك وهو معايا عند الماذون.

قالت السيدة ،:

-           و الله يا أستاذ  عين العقل .. حسبي الله و نعم الوكيل في اللي يخون

  قال آخر:

-           و قلت لأبوها..

 قالت السيدة:

-           خليك محضر خير .

قال فايز:

-           لا طبعاً .. الراجل كبير يروح فيها .

قال دسوقي :

-           عرفت مين الخاين:

-           طبعا عرفت، الست قبل ما انزل قالت إنها اتجوزتني غصب وإنها مكنتش موافقة وأهلها غصبوها، وكانوا رافضين زميلها في الجامعة، يجوزوها غصب ليه ما كان بناقص، وهي قبلت ليه، على أي حال راحت لحال سبيلها .

قلت له:

-           وانت هتعمل أيه يا فايز دلوقت؟

-           ابداً هجي أقعد معاكم على القهوة وادينا بندردش .. ورأنا أيه؟

-           بجد انت مش زعلان؟

-           طبعاً زعلان .. أيه اللي يفرح، لكن مش مصدوم كل شئ متوقع، مش الأيام دي بس يا بصير، لا ده من زمان قوي، ده تاريخ الإنسان بيتكرر إبحث دائماً على ثالوث الزوج والعاشق والخائنة.

 

4

نفث دخان الشيشة الكثيف من أنفه وفمه، وضم شفتاه حتى يخرج الدخان بقوة دفع كبيرة حتى ظننت لوهلة أن عادم سيارة النقل نصر ساترون أقل كثافة من النفس العميق الذي زفره.

قال بكل ثقة وهو يشير بلي الشيشة :

-           أنا مشكلتي حاجة تانية خالص، مع احترامي ليكم يعني، أنا من ساعة ما اتولدت وأنا شقيان، عارفين أنا بشتغل من عمر 8 سنين ، كنت بشتغل في ورشة حدادة ، أبويا مدخلنيش مدرسة، على الورشة عدل، ويوميتي بيقبضها كل يوم من المعلم، سيبكم بقى من الصعبانيات والكلام ده، أنا بعون الله انضربت لغاية اما جتتي نحست، المعلم والصنايعية اللى أكبر مني لحد منعدمت العافية، مش هتقل عليكم ولكن ولا مؤاخذة لو كشفت جتتي هتلاقوا كمية حروق قديمة من أيام ما كنت عيل، طب والله لو شفتوها ليغمى عليكم.

قلت له :

-           يا ساتر يا رب ليه كل ده يا محمود .

قال محمود:

-           يا سيدي علشان اتعلم الصنعة كنت بتلسع كل شوية، اشتغلت مع حيوانات ومن غير محد والنبي يتفلسف علي أبويا كان أكبر حيوان، الحمد لله مات بس بعد كفرنا كلنا في عشيتنا، ياخد الفلوس ويتنيل يسكر ويصرف على مزاجه، لو كان في إنسان في الدنيا دي تبقى أمي ربنا يديها الصحة .

قالت أحدى النساء:

-           يا كبدي يا بني، أعوذ بالله حد يعمل كده في ضناه

  أطرق أحمد و فايز وصمتت الطاولة تماماً حتى تستطيع أن تسمع أنفاس الجميع .

قال محمود:

-           أنا مش زعلان علشان ملعبتش زي العيال، ولا لإني مرحتش المدرسة ولا حاجة من الحاجات دي، ولا حتى علشان اتعذبت واتهنت، لا... أنا زعلان علشان مقدرتش أموته زي ما موت في كل حاجة حلوة، وزي ما آذاني أنا واخواتي وأمي، أمي إللى كانت كل ليلة تبات تبكي لما تشوفني آخر اليوم، عارفين طول عمرها ما بكت علشان بيضربها، لا تبكي علشاني .

قالت السيدة :

-           ضربة في قلبه يا رب أيه وجع القلب ده، كفاية يا بني ده انت خلصت علينا خالص -  قالتها بينما الرجال على رؤوسهم الطير غير قادرين على الكلام.

-           ده اللي أقدر أقوله، اللي مقدرش أقوله انتم عارفينه، عارفين يعني أيه عيل صغير يترمي وسط الكبار.

قاطعه صابر وقال له :

-           كفاية يا بني كفاية وحياة النبي.

قال محمود:

-           حاضر يا عم صابر، حاضر .. أحب اقولكم أنا دلوقتي بهدوئي ده وروقاني ده علشان سبب واحد، أمي هي سبب كل نعمة أنا فيها، لولاها كنت بقيت مجرم، حبيبتي يامه، والله ما هتجوز ولا يمكن أدخل عليها حد، طب ده أنا بنام في حضنها كل يوم، وأنا كبير كده وعندي تلاتين سنة معرفش أنام إلا معاها، آكل واشرب معاها واضحك معاها وخلاص هطلع معاها العمرة .. علشان كده عايز أقولكم مهما كانت مشاكلكم كبيرة في مشاكل أكبر منها، أنا بقى مشكلتي إن لو أمي ماتت هدفن نفسي جنبها في التربة علشان كده أنا ببسطها وأبسط نفسي كل يوم معاها لأني مش ضامن بكرة و مبحوش فلوس ولا حاجة .

الصمت لا يقطعه إلا أصوات الشارع ، كل من في القهوة وقف أمام محمود، قال رجل تبدو على سيماه أمارات الحكمة:

-           سامحني يا محمود يا بني وسامح كل الناس اللى هنا وسامح المجتمع، احنا كمان أجرمنا في حقك وحق كل واحد زيك، احنا مجتمع عاجز قوي يا بني، مجتمع منافق بجد .. يا رب رحمتك بعبادك، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

أمن الجميع في سرهم وهم متسمرين في مكانهم، بينما عاد محمود بهدوئه وثقته بنفسه وشد نفساً عميقاً زفره في وجوه الجميع فحجب رؤيتهم بدخانه وتشوشت صورهم في عينيه.

 

5

وصلت القهوة متأخراً عن موعدي الصباحي، فصففت سياراتي في أول مكان وجدته ومددت خطوتي حتى كدت أهرول، كانت حكاية محمود بالأمس قد ضجت مضاجعي فلم أذق طعم النوم حتى غفوت رغماً عني بعد الفجر بساعة.

اقتربت من القهوة وأنا أحمل أوراقي التي أسجل فيها الحكايا وهالني العدد الكبير المتحلق حول القهوة وكانت الطاولات الخارجية ممتلئة تماماً وقد تلاصق الجميع مع طاولتنا.

اخترقت الكراسي ووصلت للطاولة فبادرني عم صابر وقال :


-           أيه اتأخرت ليه ده أنا حجزت لك الكرسي بالعافية.

-           منمتش يا عم صابر من كلام محمود امبارح.

-           وهو مين فينا نام يا بني .. أنا أخرت إبراهيم لغاية لما تيجي .. يالا يا إبراهيم.

أخذ كراوية كوب ورقي مني وقال بصوت عال:

-           قهوة دبل على حساب القهوة .

 قلت له:

-           لماذا؟ 

-           دي أوامر المعلم. .

بدأ إبراهيم كلامه قائلاً:

-           شوفوا بقه .. لو ست قالت لجوزها أنا مش عايزة أعيش معاك وخلاص مبقتش أحبك يعمل أيه؟

رد الجمع :

-           يصبر عليها ويسايسها.

-           وإذا صممت؟

-           خلاص ميصحش يغصبها

-           حلو، ولو الست دي فضلت عايشة معاه بس علشان متقدرش تصرف على نفسها، مغصوبة يعني .. تبقى عيشتها أيه؟

-           جحيم

-           الله ينور عليكم ... تصدقوا إن في رجالة عايشة مع ستات غصب عنها.

-           إزاي يا راجل أومال رجالة إزاي.

-           والله زي مبقولوكم كده، أنا عايش مع مراتي غصب عني وهي عارفة إني عايش غصب عني، مبقتش أحبها، ولا قادر أقرب لها وعلشان أقصر عليكم مفيش حد في حياتي، وأنا مكمل برجع البيت غصب، برجع للجحيم كل يوم .

-           وأيه اللي خلاك تتجوز واحدة مبتحبهاش يا بن الناس؟

-           مين قال محبتهاش .. ده أنا كتبت فيها شعر غزل، نزار نفسه الله يرحمه يتكسف يسمعه.

-           مين نزار ده يا عم كلمنا على قد فهمنا؟

-           نزار قباني شاعر الستات بتحبه و الرجالة مش طايقينه.

-           آه ... ماشي.

-           المهم حبيتها ومع الأيام مشاعري تبدلت، معرفش أيه السبب، مليش حيلة في قلبي، وهي معادش فارق معاها أحبها أو محبهاش، هي بتحبني وماسكة في بأيدها وسنانها، وبتقولي عايز تطلقني تديني حقوقي، حقها .. والله العظيم حقها حتى لو كانت بتعمل كده علشان مسيبهاش .. حقها، لكن أنا بتعذب كل يوم والسبب إني بحط كل دخلي في البيت ومصاريف الأولاد، مفيش قرش بيفضل علشان أديها حقوقها، ومش عايز دماغكم تروح لبعيد وتفتكروا إني متضرر من حقوقها، لكن بقولكم زي ما في بيوت مقفولة على ستات عايشة مخنوقة، في بيوت كمان مقفولة على رجالة مخنوقة، أنا عارف هتقولولي وهي ذنبها أيه، طبعاً ملهاش ذنب ولا عملت أي حاجة غلط، بس أنا كمان ذنبي أيه أعيش عمري كله تعبان .. علشان كده أنا وصلت لحل وهقولكم عليه بس محدش والنبي يبكت في. .

قالت إحدى السيدات :

-           قول يا سيدي رجالة آخر زمن مفتريين لا يعرفوا حمد ولا شكرانية.

-           هو من غير ما أقول حاجة الست الطيبة دي اتكلمت باسم كل الناس اللي حواليا ، محدش هيتعاطف معاك ، مش مهم تكون مبسوط ولا زعلان ولا متضايق، أهم حاجة متظلمش الست اللي مغلطتش ولا قصرت معاك، مهما قلت ومهما عدت ومهما شرحت اللى جواك محدش هيفهمك ولا يعزرك، وهتفضل على طول الراجل المفتري اللى متبطر على النعمة، وعلشان كده أنا سيبت البيت، آه سيبت البيت وبقيت أعدي عليهم كل يومين وبحط مصروف البيت زي ما أنا، بديها المرتب كله ما عدا فلوس المواصلات وفلوس السجاير ورحت قعدت مع واحد صاحبي أرمل زهقان عايز حد يونسه رغم إني برجع على النوم، وبطلت سجاير وبفلوسها بصرف نفسي في الأكل أي حاجة.

قالت سيدة أخرى وهي تشير إليه بسبابتها :

-           يا راجل يا مفتري اللى يجي على الولايا ميكسبش، يعني أيه مش طايقها، تلاقيك شايفلك شوفة حاكم أنتم صنف ملعون يا رجالة.

ضحك الرجالة وقالوا:

-           وليه تلوشي فينا يا ست ما احنا مستحملين وصابرين، يا خوفي يا إبراهيم لتكون مراتك لسانها متبري منها زيها.

-           ابداً و الله ولا مبرد ولاحاجة، وتصدقوا قالتلي تروح تبات عند صاحبك، تغضب، تعمل فيها قرد مفيش طلاق يعني مفيش طلاق، ويانا يانت يا إبراهيم ... أروح فين يا ربي؟

قال رجل أربعيني:

-           يا عم شوفلك واحدة مرتاحة اتجوزها عرفي وعيش معاها ولا من شاف ولا من دري .

قالت المرأة الغاضبة:

-           جاتكوا نيلة جاتكو نيلة، انتم أيه متعرفوش ربنا ..قطيعة تقطعكم.

جاء كراوية وقال :

-           حساب المشاريب يا أفندية وزيادة جنيه على تمن الطلب .

 فرد الجميع :

-           ليه إن شاء الله؟

-           مش ضحكتوا وفرفشتوا وهتروحوا مبسوطين.

-          

6

 

لم ينصرف الناس بعد أن انتهى إبراهيم من حكايته، لم يتعاطف فايز ومحمود وأحمد وعم صابر مع مشكلة إبراهيم، لكني شعرت في داخلي أن أنماط التفكير المعلبة الجاهزة هي سبب أزمتنا، فنحن لا نمنح أنفسنا فرصة لفهم المشكلات التي تبدو في ظاهرها سطحية ولكنها في الحقيقة عميقة بعمق الألم الذي تسببه شوكة تغوص في باطن القدم يفشل الطبيب في استخراجها من بين الأعصاب ، دائماً نقارنها بألم طعنة السكين أو طلقة الرصاص أو الحرق بالنار، رغم أن الألم الدائم المستمر الذي لا يهدأ يفقدك التركيز في كل شئ ويحجب رؤيتك فلا ترى حتى الأشياء الجيدة التي تتمتع بها.

على أي حال فإن الحاج زغلول الصعيدي الستيني قد احتل مقعداً على الطاولة وبعد أن كان مستمعاً أصبح مشاركاً، لم يدعه أحد ولم يرفضه أحد، لقد جلس متوسطاً بين صابر وبيني وقال :

-           يا جماعة أنا فهمي على جدي جوي، معليش اتحملوني، أنا يا ولاد عمي متعَلمتش لكني فاهم في الدين، في شرع مين ياجي عريس بنتي يرميلي جرشين ويجولي آهه المهر وجهزوا ويتشرط علي، في شرع مين عايز اطجم وملايات ومفارش وصيني واطجم شربات وشاي وجهوه وصالون مدهب، يعني الله يرحم أبوه كان بينام عالفرن، وياعمل أكدِه يا مفيش بت من البنات عتتجوز وهيجعدوا في أرابيزي، والله يمين يحاسبني عليه ربُنا إن على مفضيت سيرة جواز البنات كنت هشج خلجاتي من الهم، خَلصوا على ورايا واللي جدامي يا بوي .

قال شاب ساخراً :

-           ما الراجل بيجيب الشقة يا بلدينا، ولا الشقة دي مش عايزة فلوس.

قال زغلول:

•           هملني ياد أنت باشكالكم العفشة، جبر يلمك أنت واللي زيك.

قلت له ،:

-           هدي شوية يا معلم زغلول، سيبك منه

 قال:

-           حاضر يا أستاذ بصير، آخ لو أعرٍف بتجيب طولة البال دي منين، جصره، يا ريت الحكاية خلصت على كدِه، لا واحد منيهم الله لا يسامحه جعد يجتل "يضرب" في البت على الله يوماتي لحديت معدمها العافية، جاتلي عالبيت مورمه ومزرجه وعلى يدها ولدها عنديه تلات سنين، وآهه بجالها سنتين غضبانه لا راضي يطلج ولا ياخدها، وأمها مرضياش نرفعوا جضية خلع يا بوي علشان منشمتوش فين الأعادي، وأنا بجطع ماللحم الحي وأصرف عليها، بتي وضناي هرميها يعني، يعني العجاطي بعد ما مص دمنا في الجهاز، رد يكمل علينا ونصرف على مرته وولده ... و أديني كل يوم أروح وأعاود على البيت والبت دمعتها على خدها لما عدمت، وجلبي مجهور عليها لغاية أما جه يوم حلفت لطخه من غلي و حرجة جلبي على بتي يا عالم .

قال الجميع :

-           لا لا يا معلم زغلول هتضيع نفسك ومراتك و بنتك كمان، طلقوها يا معلم .

-           سهل يا بوي تجول طلجها منا جلتها جبليك وماجدرش، تتطلج وبعد ماموت تروح فين بالعيل، ولا فيش راجل بيتجوز دلوكيت مرة معاها عيل، مين هيتجوزها بس، وأنا راجل أرزجي عايش يوم بيوم لا أرض ولا بيوت إلا البيت اللى لاممنا .

قال الجمع :

-           لا حول و لا قوة إلا بالله

-           جلتلها يا بتي شوري نفسك وجولي لٌمك إنتي عايزة أيه وأنا أعملهولك، جالتلي معيزاش حاجة، عايزاك طيب يا بوي ده أحنا بلاك ولا نسوى ... جتلتني بت المركوب بكلامها، وكل ده لا ولسه في رجالة بشنبات حمجانين جوي أن الجانون بياجي في صف النسوان، طب ما النسوان مين يا جفل يا بو عجل ضيج، ما هي بتك واختك، شوفوا ... أجولكم حاجة خدوها من راجل جاهل, الرجالة لا ممكن تطمَن إلا إذا النسوان بجت محمية، غير كده هنتعذب والله.

قلت له:

-           مين ده اللي جاهل يا معلم زغلول ، ده أنت وصلت لشئ المثقفين معرفوش يوصلو له.

-           إييه .. يعني بجيت مثجف خلاص _ قالها ضاحكاً.

ضحك الجميع و قالوا :

-           بلاها المعلم زغلول و نخليها المثقف زغلول.

 

7

 

امتلأ دفتري بحكايا كثيرة، لم أكن اتصور قدر الثراء الفكري الذي يتولد من معاناة الناس، لم تكن المعاناة دوماً سبباً للحكمة، ولكن التأمل فيها بعمق قد ينتهي بك إلى وعي أعمق بحقائق الحياة، معاناة الرجال تختبئ في تلافيف النفس، ليس من السهل عليهم أن يعترفوا بها إلا في ظروف خاصة جداً .. على القهوة.

كان من العجيب أن يكون ممتاز ضمن مجموعة الطاولة، هذا الستيني الأنيق ذو العطر المميز والجسد الممشوق والذي يرتدي دوماً جاكيت فاخر مع ساعة تتبدل حسب لون الجاكيت .

قال ممتاز وهو يسحب نفس عميق من شيشته القص" نوع من المعسل الحاد " :

-           أنا مشكلتي مش ضاغطة علي، أد ما هي زعلتني، أنا من أسرة متوسطة ومستورة، يعني طول عمرنا لا حسينا بضيق في العيشة ولا حسينا كمان بحبحة زايدة عن اللزوم، الدنيا ماشية كويس، بناكل ونشرب ونتكسي ونتعلم ودي نعمة كبيرة جداً، كنا كلنا أب وأم وإخوة حامدين ربنا وندعي دايماً أنه يحفظها لينا.

-           فين المشكلة، ده مفيش حد طايل - قالها أحد الجالسين على طاولة المستمعين .

-           المشكلة يا سيدي أبويا وأمي توفوا الله يرحمهم.

-           الله يرحمهم - قالها الجمع .

-           عشتم - وكنت أنا لسه متخرج من كلية الطب ومعايا أخواتي تلات بنات اتنين أصغر مني واحدة أكبر مني بسنتين ومتجوزة .. مطولش عليكم اشتغلت وأخدت ماجستير وبقيت طبيب أطفال، الحمد لله اشتغلت كويس ودخلي كبير وعيادتي زحمة، وفتحت عيادة تانية، جوزت البنتين وصرفت عليهم، وعلى جهازهم وعدت السنين متجوزتش، البنت اللى حبتها اتجوزت وخلفت وعيالها بقم طولها، شفتها مرة في العيادة عرفتها بالعافية وحمدت ربنا إني متجوزتهاش، الزمن جبار والله يا رجالة .

-           اتجوزتها ولا اتجوزت غيرها كلهم بيتبدلوا يا واد عمي- قالها زغلول الذي رفض أن يفرط في مقعده على الطاولة.

-           عندك حق، بس مكنش لازم يعني أعيش في الوهم ومتجوزش علشان متجوزتهاش، على كلٍ جرت الأيام وأنا عندي اتنين وستين سنة ومتجوزتش وعشت حياتي بالطول والعرض وبساعد أخواتي البنات كلهم، أزواجهم موظفين ودخلهم على أده، لكن في آخر سنتين لاحظت حاجة غريبة جداً.

-           ها أيه اللى حصل _ قالها الجمع

-           لاحظت إن التلاتة زي ما يكونوا متفقين يسيطروا على حياتي، كل واحدة عاملة خايفة علىّ، واللى عايزة تسيب بيتها وتيجي تقعد معايا وتراعيني، واللى ترمي كلمة في وسط الكلام، يعني أخلي بالي لواحدة تضحك علي وتتجوزني ... تخيلوا، خايفين على الميراث، لغاية ما فاض بي الكيل لما الكبيرة الحيزبونة قالت بوضوح: أني مجهزتهاش ومخدتش مني حاجة وعايزاني أكتب لها شقة .

-           لا لا معقولة - قالها الجمع

-           آه و الله ، مكنتش أتخيل كده، بعد كل ده يكون ده سواد قلبكم، واللى عايزاني أمسك إيدي واللي عايزاني أبطل سهر، ولذلك قررت أعاقبهم .

-           عاقبهم، أوعى تدي واحدة منهم حاجة - قالها دسوقي.

-           ده مش عقاب كفاية، أنا اتجوزت، آه اتجوزت واحدة عندها أربعين سنة بيني وبينها اتنين وعشرين سنة جوزها المتخلف طلقها علشان مش عايزها تخلف لأنها كانت زوجة تانية وهي نفسها في الخلفة، هو كان أول بختها مكانش النصيب جالها، حلوة ومتعلمة ومش محتاجة فلوس .

-           ينصر دينك يا راجل - قالتها السيدة الجالسة على طاولة المستمعين.. وهماعملوا أيه لما اتجوزت؟

ضحك ممتاز ضحكة طويلة وقال وهو يضحك:

-           ميعرفوش، وميعرفوش كمان إن مراتي حامل في خمس شهور، وولد كمان يعني أحلامهم راحت في الهوا، دول هيموتوا .. آه مستني لما بس يعرفوا، حقيقي الطمع وحش..

-           مش خايف على مراتك منهم- قالها عم صابر

-           مراتي مسافرة أمريكا بكرة، ما هي معاها جواز أمريكي وأنا هروحلها عند الولادة، وبالمناسبة دي هي بعتالكم شوية حاجات .. يا كراوية

جاء كراوية مسرعاً وقال:

-           نعم يا دكتور ممتاز

-           خد مفتاح العربية وهات الحاجات اللى في شنطة العربية.

عاد كراوية ومعه صندق كبير به علب كثيرة فقال له ممتاز:

-           وزع على كل الموجودين علب الأكل دي وحساب القهوة كلها عندي.

•           ضحك الجميع و قالوا :

•           - ربنا ينتعها بالسلامة يا دكتور.

 

8

 

كانت سعادة الدكتور ممتاز مصدر سعادة لنا، من النادر أن تلتقي بهذه الشخصيات التي لا تندب حظها وتفضل أن تتخذ قراراً ينهي المشكلة ولو كان هذا القرار صعباً، شدني كثيراً أن أغلب كلام الرجال حول المرأة اياً ما كان وضعها بالنسبة إليه، زوجة، حبيبة، أم، ابنة أو حتى حماة، دوماً المرأة قاسم مشترك أعظم في حياة الرجل، لكن حنفي كانت قصته قصة لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى .

ألقى حنفي اللي على مخرج الدخان النحاسي بعد أن زفر أنفاس الشيشة وقال :

-           أنا عارف كويس لما هحكيلكم حكايتي هتلعنوني وتلعنوا أبو خاش أهلي، بس أنا عارف إن فيكم ناس غايصين في القذارة وعاملين فيها أنبيا، الفرق بيني وبينكم إني عارف إن أنا إنسان مش نبي، وعارف كمان إن كل واحد بيغلط، صحيح غلط عن غلط يفترق، لكني عارف إن غلطان وإني..

-           غلطان غلطان، يا عم خلصنا - قاله زغلول ، ووافقه الجميع.

-           حاضر، شوفوا أنا عرفت واحدة متجوزة .

-           يه يه يه .. يخرب بيت أبوك يا ناجص - قالها زغلول وهو يفز من مقعده فجذبه عم صابر وقال له :

-           اهدى و اقعد .

-           آه عرفتها ومشيت معاها، ومش هقولكم جوزها وحش ولا بيضربها ولا حاجة من الكلام ده، لا صنايعي زيي وجدع وكسيب وبيحبها، بس القصد أهو الشيطان شاطر.

-           أعوذ بالله منك أنت اللي شيطان، يا راجل يا فاجر - قالتها السيدة ذات الملابس السوداء.

-           أنا عارف إني مش هخلص، هو أنا كنت غويتها، طب والنعمة الطاهرة دي هي اللي شاغلتيني .

-           خلص غميت نفسنا إلهي تتغم نفسك- قالها إبراهيم.

-           ماشي يا إبراهيم، ما علينا عشنا مع بعض سنتين بس في الآخر مقدرتش أكمل، قرفت من نفسي ومن العيشة واللي عايشينها، ومش هقولكم الفقر حل علي ولا حصلتلي مصايب .. لا كل حاجة زي الفل، كل حاجة ما عدا أنا، أنا حالتي بقت زفت حسيت إني ولا مؤاخذة وسخ وإني...

رد الجمع في صوت واحد :

-           وسخ ، عرفنا.

•           طيب يا نضاف خالص، والله كل واحد فيكم عنده حكاية زفت محكهاش، بس أنا عايز أطهر من ذنبي واتوب لربنا، على العموم قلتلها مش هينفع وإني خايف من ربنا وقرفان ومش هكمل معاها، هددتني وقالت إنها لا يمكن تسيبني إلا على جثتها، وقلت في عقل بالي أموتها وأخلص وبعدين خفت اتشنق علشانها، لغاية ما جت وقالتلي نتجوز، مرضيتش أتجوزها إزاي بس، لغاية ما جت في يوم وقالتلي يا تتجوزني يا أقول لجوزي واللي يحصل يحصل، بنت المجنونة كانت تعملها ..

-           ها و بعدين - قالها دكتور ممتاز وهو يضحك ضحكة ساخرة

-           اتجوزتها بعد ما اطلقت من جوزها، المشكلة إني بعد ما كنت بشتاق ليها قبل منتجوز، بس اتجوزتها مش قادر أقرب لها .

قام زغلول وأمسك به من تلابيبه وقال:

-           والله لخلص عليك

 خلص الناس بينه وبين زغلول ثم قال له عم صابر:

-           قوم .. قوم يا حنفي يبني فارقنا.

-           هفارقكم بس عارفين، والله والله انتم منافقين كل واحد عامل فيها ملاك، اشتيكتوا وحكيتوا عن وجعكم ومحدش فيكم اتوجع من الغلط اللي عمله، اتوجعتم بس من الغلط اللي حصل معاكم، أنا تبت عن الحرام وقرفت منه وانتم مفيش واحد فيكم قال أنه ندمان على شئ غلط عمله .

همهم أحدهم وقال:

-           في دي عنده حق.

 

 

9

 

نظروا جميعاً إلي وقالوا ، لقد تحدثنا وأنت صامت لا تتكلم وتكتب من خلفنا، من أنت يا أستاذ بصير، فقلت لهم:

•           هل حقاً تريدون أن تسمعوا حكايتي، ربما تكون صعبة بعض الشئ، ربما ليست مؤلمة ولكنها صعبة، سأحاول أن أبسطها قدر ما أستطيع.

قال الدكتور ممتاز :

-           قول يا أستاذ  بصير ونفهم اللي نفهمه واللي منفهموش تشرحوهلنا.

-           طيب خلوا حنفي يرجع تاني بدل ما هو قاعد لوحده.

-           ارجع يا حنفي - قالها عم صابر، بينما انتفشت أوداج زغلول.

-           صدقوني لو قلتلكم إني معرفش حكايتي بالظبط، يمكن أكون شرير جداً أوطيب جداً، أو عادي عادي جداً، أو متطرف.

-           إرهابي - قالها الجمع في فزع

-           مش إرهابي ولا يحزنون، متطرف في شعوري، لو حبيت أفضفض بقول كل حاجة ولو حبيت أخبي محدش يقدر ياخد مني كلمة، ولو زعلان الدنيا بتضيق في عيني لغاية لما ماشوفهاش، ولو فرحت بحس إني مالك الدنيا، مش مهم أزعل ليه ولا أفرح ليه، بزعل من حاجات الناس بتشوفها تافهة، وبفرح من حاجات محدش بيهتم بيها.

 

-           زي أيه يا أستاذ  بصير، ده أنت طلعت حكاية واحنا مش عارفين _ قال دسوقي.

-           زي إني أقابل واحد قليل الذوق أفضل متنكد طول اليوم، ولا طفل صغير يشابي علىّ ويضحك لي أحس أن الدنيا حلوة وجميلة .

-           يا سلام ، والنبي أنت رايق يا خويا _ قالتها السيدة ذات الرداء الأسود.

•           ما أنا قولتلك يا ست، مشكلتي إني شفت وعرفت أوجاع الناس، أوعى حد يفتكر أنه صدمني، أنا شوفت أنيل من كده بكتير، مع كل وجع انكشف علي راح جزء من قوتي ومن تحملي، بقيت عارف إن الدنيا صعبة قوي قوي، أكتر واحد تعبان فيكم مشافش مستوى الفقر اللى أنا شوفته وعاينته بعيني، عارفين كوباية الشاي اللى بنشربها هنا على القهوة، دي فاكهة ورفاهية عند ناس كتير، أنا دخلت شقق فيها أربع عيلات عايشين في شقة واحدة بحمام واحد وكل واحد وأورطة ولاد عايشين في أودة، طول عمركم عرفتم إن في ناس بتاكل عيش وبصل وملح وجبة في النهار، تعرفوا أيه عن المسلوقة الكدابة، يمكن زغلول يعرفها، شوية مية سخنة ومعلقة سمن صناعي وملح وعيش وجبة اليوم، الناس دي بتفرح نفسها في يوم بقرصين طعمية .. مش قادر أكمل هقولكم أيه ولا أيه ولا أيه، أقولكم أيه عن بهدلة البنات في الشغل والرزالات اللي بشتكوا منها، ولا عن الناس اللي محليتهاش غير هدمة واحدة، ولا عن البيوت المقفولة على جوز أم قاسي، مش كلهم طبعاً ولا على البيوت المقفولة على مرات أب مفترية، ومش كلهم برده.. انتوا مغصتوش في المجتمع ده زيي .

-           يا نهار أبيض يا بصير يا بني ده انت مليان _ قالها عم صابر

•           عارف يا عم صابر، لو كنت سبت نفسي للتفكير كنت كفرت بكل شئ، لكن كمان أنا شفت أهل الخير والناس اللى بتداوي وتطبطب وتحسن وتساعد، الناس اللى في قلوبها رحمة بجد، ناس أغنيا وناس تانية يدوب مستورة بس هقولكم أيه ربنا زرع في قلوبهم الرحمة، أنا قعدت معاكم ومتعاطف مع كل واحد فيكم، لأن سبب الوجع مش هو أهم حاجة في الدنيا، المهم إنك لما بتتوجع بتتغير وبتتعب وتتعب اللى حواليك، لكن حبيت أقولكم إنكم في نعمة كبيرة وبكرة هيكون في ضيف داعيه بنفسي علشان يحكي حكايته.

-           مين - قالوها جميعاً

-           خلوها لبكرة .

 

10

بحركة ثقيلة جدا اعتلت سيدة الرصيف وهي تستند على يدي اليمني فكادت من ثقلها أن تسقطني لولا أن استجمعت كل قوتي فقالت لي بلغة آمرة جادة :

-           ما تجمد كده يا أستاذ بصير .

 لم أملك إلا أن أقول لها بتقبل وترحاب :

-           حاضر يا معلمة ثم قلت للجميع:

-           أعرفكم على المعلمة سيدة .. اتفضلي يا معلمة.

قام الرجالة وأزاحوا أنفسهم وتركوا مقعد خال يشغل مساحة كبيرة حتى تستطيع سيدة أن تجلس بجسدها الضخم، فنادت على كراوية وقالت :

-           يا بني انت .. اتحرك شوفلي كرسي كبير، إيه معندكش نظر .

 قال كراوية في خضوع:

-           حاضر يا معلمة - وجرى إلى الداخل وحمل كرسي كبير بمسندين فالتفت هي تستند إلى المساند الجانبية ثم ألقت بجسدها الممتلئ على الكرسي وهي تنهج ثم قالت له :

-           - إجري هاتلي حجر معسل، ثم التفتت للجميع وقالت:

-           سلام عليكم يا رجالة.

رد الجميع

-           عليكم السلام يا معلمة سيدة .. حصلت البركة.

-           أنا لما الأستاذ بصير حكالي عليكم وقالي أحكي حكايتي قلت ميضرش، أصل أنا ولا مؤاخذة مليش في كلام النسوان والسهوكة والحركات اللى تفقع المرارة، وبصراحة كمان بمبحبش الرجالة المايصة بتوع الأيام المهببة دي، طب والله العظيم ساعات بحس إن معادش في رجالة.

-           الله يكرم أصلك يا معلمة - قالها الجمع وهو يضحك.

-           بتضحكوا، عاملين نفسكوا متعرفوش.

-           عارفين بس يعني بالراحة علينا يا معلمة.

أحضر كراوية الشيشة وهو يشد نفس ليتأكد أنها تعمل بشكل صحيح ووضعها أمام المعلمة فمسحت فم اللي بكمها وشدت نفس عميق وقالت:

-           ساعات الشقى بيعلم حاجات كتير يا رجالة، بس مش دايماً، لأن في ناس شقيانة مبتتعلمش، بس أنا شقيت من عمر عشر سنين كنت بخدم مع أمي في البيوت، كانت أمي زمان بتغسل، وبعدين لما مبقتش قادرة بقت تنضف بس، حاكم الغسيل بيهد والمية السخنة والبطاس والصابون بيهروا البني آدم ولا مؤاخذة، أبويا مات وأنا صغيرة وكنت الحيلة، فكنا لازم نشتغل علشان نعيش، وكانت الله يرحمها عايزة تعملي قرشين.

-           الله يرحمها_ رد الجمع

-           أهو يا حبة عيني كانت فاكرة إن الملاليم اللى بتجمعها دي خميرة كويسة، يا الله كانت هتعرف منين ما هي على قد فهمها، الشاهد لما بقى معايا خمسين جنيه، الكلام ده في الستينات، كان مبلغ كويس برده، رحت فرشت ابيع جرايد، كانت لسه الدنيا حلوة ومفيش بلطجة وتقدر تقف، المهم كان عندي ساعتها اربعتاشر سنة وكنت بلا قافية حلوة، آه والله متبصوليش دلوقتي، كنت شبة البت دي اللى بتتقصع وهي بتغني اسمها روابي

-           رد الجمع ضاحكاً _ روبي يا معلمة.

شدت نفس من الشيشة وقالت وهي تنفث الدخان:

-           أهو ده اللي انتو فالحين فيه، رجالة عايزه خزق عنيها، أيوة يا خويا انت وهو روبي، وعلى العموم علشان كنت حلوة بعت بيع ما بعوش حد، ومخليش الأمر من الرزالات، بس كانت العيال بتتكسف على دمها شوية، يعني تهت في العيل من دول يخاف ويتلم مش زي النهاردة عيال مبرشمة، بعت وزاد البيع وعملت قرش فخدت توزيع المنطقة، يعني كنت آخد شغل خمس ست فرشات وأنا أوزع عليهم ويطلعلي نسبة، ومشي الشغل حلو وريحت أمي، واحلوت الدنيا أكتر لما أتجوزت شندي الله يرحمه.

-           الله يرحمه_ قالها الجمع.

-           شندي كان عنده فرشة على أده وبياخد مني جرايد، كان أكبر مني بتلات سنين وفي يوم عقله قاله عاكس، وشرفكم نتشته علقة موت في وسط الشارع، المهم وأنا بضربه محاش عن نفسه ولا غلط، قالي سامحيني يا سيدة أنا غرضي شريف، رحت مناولاه زغد في كتفه وقلت له اسمي المعلمة سيدة، مطولش عليكم آخر اليوم اتقدم، أصله كان بيحب يخاطر، وأنا مش سهلة .

-           الله يرحمه كان قلبه ميت_ قالها الجمع.

-           اشتغل معايا رجالة كتير واللي يغلط ولا يفكر يغالط في الحساب مكنش ينجى من إيدي، كنت عفية، الشغل وانت صغير بيصلبك ويشد عودك، القصد مات شندي، خبطته عربية وهو بيبيع وسابلي عيلين، حزنت عليه وعشت من بعده من غير جواز، كان عندي تلاتين سنة، ربيت العيال والشغل كبر ودخلوا كليات، ومرضتش أوقفهم على الفرشة، الفلوس برده مش كل حاجة العلام حلو، واهم بيشتغلوا واتجوزوا، وأنا بطلت شغل، وزني تقل ومش بقدر أمشي وكمان معادش حد بيقرا بسبب الزفت.

-           النت يا معلمة _ قالها حنفي.

-           عارفة يا خويا نقطنا بسكاتك وانت شكلك كده ميريحش.

-           عنديكي حج يا معلمة _ قالها زغلول

-           القصد حبيت أقولكم إن الست كمان ممكن تشقى وتتعب وتشيل جامد زي الراجل وأكتر وتشغل رجالة بشنبات طول بعرض، فاكر يا أستاذ بصير لما قلت لي إني أجمد من المدير بتاعكم وياريتني كنت المدير؟.

-           فاكر يا معلمة.

-           طب يمين يحاسبني عليه ربنا مكنتوا تقدروا علي، علشان احنا الشغل عندنا مفيهوش هزار، في الشارع من الفجر برد حر مطر عادي، بنفطر واحنا واقفين اي حاجة، كوباية الشاي واحنا واقفين، الغدا شرحه، لقمة تسد الجوع والسلام يعني شغل لومان وحياتكم، مينفعش معانا شغل الموظفين ده.

-           شكراً يا معلمة - قلتها ضاحكاً ، فقالت :

-           لا مؤاخذة يا أستاذ بصير، أنا مدب شوية في كلامي.

-           شوية بس!! _ قالها الدكتور ممتاز.

-           الشاهد البني آدم مننا طالما في نفس، ميبصش وراه ولا يحزن، لأ يصمد ويعافر مع الدنيا علشان يا رجالة الدنيا دي متحترمش إلا القوي اللي يناطح فيها .. انده يا أستاذ بصير على الواد كراوية خليه يجبلي قهوة دبل سادة .

-           قهوة دبل سادة يا كراوية لتتلطش يالا_ قالها دسوقي الذي نظر إليهم جميعاً وقال :

•           يعني سمعتوا كل الناس ومحدش سمعني ولا حل مشكلتي.

علت ضحكات الجميع و قالوا في نفس واحد:

-           اركب ميكروباص يا دسوقي علشان متنتشلش.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة