الكاتب محمود حمدون
الكاتب محمود حمدون


محمود حمدون يكتب: ورق عنب

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 07 مايو 2023 - 04:02 م

تذكّرته بهيئته، سمته ووقاره, كان يرتدي كعادته " بدلة" أنيقة, غالية الثمن, تسبقه رائحة عطره. رأيته من بعيد, فأسرعت إليه مرحّبًا, لم أقف كثيرًا أمام موته منذ سنة مضت, فلم يعد يدهشني تواصل الأموات معي كل فترة أو التقائي بهم بأماكن كثيرة, فقد اعتدت وجودهم بحياتي, هم أيضًا يأنسون إليّ, يسرّون لي بكثير مما لا يعرف الأحياء!

لذلك سألت العائد من الآخرة  بعدما تفحّصته من رأسه لأخمص قدميه: تبدو سعيدًا, كأنما الحياة كانت شقاءً لك!

فربّت على كتفي بودّ, ابتسم, ثم لاذ هنيهة بصمته المعهود عنه, أخيرًا أشار برأسه لبعيد وقال: أحدهم هناك يعدّ لنا الغداء, لنسرع إليه.

انحدرنا في طريق قصير على جانبيه تتراص غرف كثيرة, جميعها مغلق إلاّ واحدة كبيرة أشبه بقاعة اجتماعات رسمية, حين دخلناها وجدنا جمعًا من الزملاء والزميلات, يشمرون عن سواعدهم, تتراص أمامهم آنية من أحجام مختلفة, بعضها يمتلئ بخضروات من فلفل, باذنجان أبيض, ورق العنب,  وكومة كبيرة من الأرز, غيرها من خضروات وأشياء أخرى أجهلها, فأيقنت أن القوم بصدد وليمة كبيرة, أن " المحشي", هو الصنف الرئيس على المائدة اليوم.

وسط الزحام, لمحت قيادة كبيرة سابقة. يقف بينهم, يشير لهذا بحزم, يأمر هذه برقة مفرطة, الجميع خلية نحل تعمل بدأب. حين طال بي وصاحبي الميت الوقوف على عتبة الباب, بحثت بعيني عن كرسيين للراحة قليلَا, فأدرك المدير السابق مرادي..

 

فصاح بلهجة حادة: لا مكان لدينا هنا للجلوس, الجميع كما تَرَيان يعملون بجدِ منذ الصباح, ثم زعق فينا, قال: عليكما إعداد "السَلطَة", أشار برأسه لامرأة خمسينية سمينة, فألقت أمامنا بأكوام من الطماطم, الخيار, الجرجير, الفلفل, الليمون, البصل, سكين حاد, طبق كبير من بلاستك أقرب لحوض استحمام طفل رضيع, ثم انصرفت من أمامنا تعزف بردفيها لحنًا أشاع في الجو بهجة زادت من حماس الخلق الموجودين, دفعت "المرحوم", فنزع سُترته, شمّر كميّ قميصه الحريري ناصع البياض, ثم قفز بمهارة داخل الوعاء.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة