الثلاثاء، 09 مايو 2023 - 07:25 م

كانت مفاجأة بالنسبة لي عندما علمت أن أمين كنيسة القيامة بالأراضى المقدسة مسلم، وهو الأمر الذي أثار دهشتي وتعجبت كثيراً كيف يمكن أن تؤول أمانة مفاتيح الكنيسة العظيمة إلى عائلة مسلمة، وبعد البحث كثيراً اكتشفت أن عائلة جواد جودة الحسيني تحملت هذه المسئولية منذ أكثر من ٨٥٠ عاماً.

فبعد تحرير القدس من أيدى الصليبيين اتبع القائد صلاح الدين الأيوبى خطى الخليفة عمر بن الخطاب الذى خط بيده العهدة العمرية مؤكدا سماحة الدين الإسلامى ومنح النصارى عهداً يضمن السماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية فى بيت المقدس، بدوره حفظ صلاح الدين الأيوبى للنصارى حق ممارسة شعائرهم الدينية لكنه منح مفاتيح كنيسة القيامة لعائلة جواد لعدة أسباب، أولها: لأنهم من نسب سيد الخلق سيدنا محمد صلي الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.

وثانيا: لمكانتهم الدينية الرفيعة فى ذلك الوقت، حيث كان أفرادها شيوخ الحرم القدسى الشريف، وتأكد الأمر في عصور لاحقة بموجب فرمانات سلطانية عثمانية شريفة..

«الأخبار» تحاور جواد الحسيني الفلسطيني المسلم الذي تسلم أمانة مفاتيح كنيسة القيامة والختم المقدس بعد وفاه والده.

فى البداية عرفنا على دور أمين مفتاح كنيسة القيامة؟

مهام عملى تشمل فتح وغلق أبواب الكنيسة واستقبال كبار الزوار الوافدين وتسهيل خدمة الوافدين والحجاج إليها، وتقديم يد العون لكل من يحتاج للمساعدة، بجانب حمل ختم القبر المقدس، الذى يستعمل مرة واحدة فى العام، ويبدا يومى فى الصباح الباكر فى الساعة ٣:٣٠ صباحا اتوجه من منزلى الى كنيسة القيامة لاقوم بفتح أبوابها، وفى المساء فى الساعة ٨ مساء حيث تغلق ابوابها، لكن خلف هذا الباب المغلق هناك حياة جديدة تبدأ عند الاغلاق وهى اقامة الصلوات المقدسة حتى الصباح، وعندما اعود لفتح أبواب الكنيسة تكون الصلوات الليلية مازالت مستمرة حتى الصباح، أما فى أيام الأعياد فتختلف مواعيد فتح وغلق الابواب حيث نقضى اوقاتنا طول اليوم فى الكنيسة اى ٢٤ ساعة.

كيف بدأت قصة مسئولية العائلة المسلمة عن مفتاح الكنيسة والختم المقدس؟

بدأت حكاية العائلة مع المفتاح عندما حرر صلاح الدين القدس من أيدى الصليبيين، حيث نصحه مستشاروه بهدم كنيسة القيامة، ولأنه كان قائداً حكيماً رفض ذلك وفى المقابل قام بإحياء العهدة العمرية التى كانت قد اندثرت بسبب إهمال الحكام لها وعدم احترامهم لما جاء فيها، فقاموا بهدم الكنائس ومنهم الحاكم بأمر الله الذى أوعز بهدم كل الكنائس المسيحية فى بيت المقدس، لكن صلاح الدين جمع رؤساء الكنائس وذكرهم بالعهدة العمرية التى خرجت للعالم من كنيسة القيامة، والتعايش الإسلامي- المسيحى فى المدينة وأخبرهم أنه يريد أن يقوم بترتيبات تمنع على أى سلطان متزمت قد يأتى بعده بهدم الكنائس أو التضييق عليهم.

هل تتقاضى أجراً على هذه المسئولية؟

تسلمنا مفاتيح كنيسة القيامة منذ عام ١١٨٧ وحتى يومنا هذا يتوارث أبناء العائلة هذه الأمانة الشرفية من الاب الى الابن، ولابد من التأكيد على أن هذه الأمانة هى امانة شرفية بمعنى ان الأمين لا يتقاضى اجراً على امانته لمفاتيح كنيسة القيامة.

يقال إن مفاتيح كنيسة القيامة قد سُلمت لعائلتك بسبب خلافات بين الكنائس؟

هذا الكلام غير صحيح، من يبث هذه الأقاويل الكاذبة هدفه بث الفتنة بين الإخوة، ولن نسمح له بذلك مهما كانت الأسباب، عائلتى هى العائلة الأمينة على مفاتيح كنيسة القيامة منذ ما يقارب ٨٥٠ عاماً عندما حرر صلاح الدين الأيوبى بيت المقدس من الصليبيين وسلّم مفاتيح كنيسة القيامة للعائلة الهاشمية المقدسية باتفاق مع الكنائس.

كم نسخة لمفتاح الكنيسة، وما مواصفات الباب المقدس؟

مفتاح الكنيسة له نسختان، الأول كُسر من طرفه قبل ٥٠٠ عام ونحن اليوم نستعمل المفتاح التوأم، والمفتاح من الحديد الخالص ويصل طوله إلى ٣٠ سم ووزنه ٢٥٠ جراما، وتاريخه يعود للحقبة الصليبية فهو المفتاح الأصلى وصُنع سنة ١١٤٩ وعمره الآن 874 سنة، أما الباب التى يطلق عليه «الباب المقدس»، فطوله ٥ أمتار وعرضه ٣ أمتار.

ذكرت ان النسخة الأولى مكسورة وانك تعتمد حاليا على النسخة التوأم فماذا لو تأذت النسخة التانية للمفتاح؟

الحمد لله حتى هذه اللحظة المفتاح الثانى يعمل جيداً، وإن حصل للمفتاح شىء لا قدر الله نستطيع بأن نصلحه لأنه من الحديد الخالص، ولا يوجد مشكلة فى ذلك.. لكننا اليوم نستعمل النسخة الاخرى، واحتفظ به داخل خزنة فى منزلى ويرافقه الختم المقدس ايضا.
 

للختم المقدس دور اساسى فى طقوس الاحتفال بسبت النور وهو ما يعنى انك مشارك رئيسى؟

ففى يوم سبت النور قبيل عيد الفصح المجيد للارثوذكس اقوم بالدخول الى مقمورة القبر المقدس يرافقنى مطران من الروم الارثوذكس ومطران من الارمن الارثوذكس واقوم بتفتيش وتفقد مقمورة القبر للتأكد من انها خالية من اى شعلة وبعدها يتم اغلاق البوابة بالشمع المقدس الممزوج بالعسل وذلك ايذاناً ببدء الاعياد عند الاخوة المسيحيين، وبعد الانتهاء من ختم القبر يقوم المطارنة بمرافقتى الى بطريركية الروم الارثوذكس حيث يكون بانتظارى بطريرك الروم الارثوذوكس واخبره باننى قمت بتفتيش مقمورة القبر وختمها، والكنيسة تنتظره لاقامة الصلوات والخروج من النور المقدس، وحينها اقوم بمرافقة البطريرك ثيوفيلوس الى كنيسة القيامة بموكب مهيب وعند الوصول يتم تبديل ملابس البطريرك وارتداء ملابس الصلاة الخاصة ثم يقوم بالدخول الى مقمورة القبر المقدس وفى الساعه الثانية والربع من ظهيرة يوم السبت يخرج وبيده شعلة النور المقدس ويتم حينها الاحتفال بسبت النور.

ما هو موقف الطوائف المسيحية من الاعتداء الاسرائيلى على مسجد الاقصى؟

الطوائف المسيحية جميعا اعلنت ادانتها لهذه الاعتداءات، وكل يوم يعلن رجل دين مسيحى باعتكافه داخل احد المساجد تعبيرا عن رفضه وادانته لهذة الاعتداءات..

ومن الشخصيات التى دائما لها مواقف ايجابية مليئة بالمحبة الاب مانويل مسلم راعى الكنيسة الكاثوليكية بالقدس، ومن مواقفه الايجابية فترة اعتداء قوات الاحتلال الاسرائيلى على المساجد بقطاع غزة اعلن وقتها الاب مانويل عن فتح جميع الكنائس ليصلى بداخلها المسلمين لحين حل الازمة.
من سيخلفك فى حمل هذه الأمانة؟

ورثتى هم أبنائى من بعدى، ففى قانون العائلة الوريث هو الابن البكر لكن نحن اليوم فى العام ٢٠٢٣، لهذا منحتهم الفرصة للتشاور فيما بينهم من سيكون وريث المستقبل لأمانة مفتاح كنيسة القيامة وانا انتظر قرارهم وسأحترم قرارهم، ولكننى أعلمهم جميعا كيفية الحفاظ على هذه الأمانة المقدسة.

علمت ان لديك 3 أبناء وبنت، ماذا لو قرر الأبناء أن ابنتك هى من تحمل هذه الأمانة؟

فى تاريخ العائلة كان هناك سيدة تدعى نور الهداية خاتون وكانت عزباء وعندما توفى والدها كان اخوانها اطفالا فتولت امانة مفتاح كنيسة القيامة حتى نضج اخواتها وتم تسليمهم المفتاح، وانا من ناحيتى لا يوجد لدى اى مانع بان تكون ابنتى امينة لمفتاح كنيسة القيامة طالما هى عزباء وتحمل اسم العائلة، لكن ان تزوجت فلا تستطيع ان تستمر لأن الأمانة هى للعائلة فقط يتوارثها الأبناء فيما بينهم.

ما هى المواقف الطريفة التى مررت بها؟

من المواقف الطريفة حينما زار كنيسة القيامة الرئيس الامريكى دونالد ترامب، قابله ولدى البكر جواد، وعندما تقدم منه ليصافحه قدم له مفتاح كنيسة القيامة وشرح له عن تاريخ العائلة والمفتاح، فقام ترامب بوضع المفتاح فى جيبه وهم بالدخول فقام ولدى بالهرولة وراء الرئيس شارحاً له بأن عليه إرجاع المفتاح.

اقرأ أيضاً| رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية: اشتراكنا فى مائدة واحدة علامة الود والمحبة