الكاتبة أمال السعدي
الكاتبة أمال السعدي


«رسالة» قصة قصيرة للكاتبة أمال السعدي

صفوت ناصف

الإثنين، 15 مايو 2023 - 01:19 م

كان يوما مشرقاً تلاعب طفلتها على سطح البيت تحت ظلال الشمس، فجأة ظهر من بين أطياف الصمت ملوحا بعودة لا فهم لها ولا تفسير بعد غياب طويل،عاد ليقضي الليلة و ينشر خبر الرحيل، بقيت بصمت لا حول لها في التفكير لم تنطق بكلمة كأن الصدمة ألغت كل مشاعرها، تحسست حرارة حادة كحرارة نزفٍ يلامس جسدها،أعد عدته و خرج في الصباح الباكر، خرج مودعا كأنه فعلا الوداع الأخير، لكن عقلها يئن وسؤال يدن في ذهنها ما الذي يدعو إلى اختيار الموت على احتضان الحب و الوليد؟

 

أخذت طفلتها في حضنها طوال اليوم كأن هناك من سيخطفها من روحها،و ذلك السؤال يدوي محلقا وباحة الجواب مبهمة لا قوة لها وقدرة على التحليل و التفسير،وعد أنه سيكتب ليبلغ بأخر الأخبار،بقيت عالقة على شباك الانتظار لعل يوما الساعي يخطو ويمر ويدق على بابها وهو حامل الخبر الأخير، صار الموت لغة تحاور بهِ الأيام، لم يخذلها اليوم بل أصرت على الوقوف كالصخرة لأنها موكَلة ببناء جيلها الخاص، ابنةٌ حلمت في أن تقدم لها العالم مختلفا عن كل الظلمات التي عايشتها، احتلت الابتسامة  وجهها باقي العمر وهي تصارع لحظ الأخر لمعاناتها وما يحيطها من معلومات موجعة....

مرت الأيام ولم تحصل على خبر، نسيت ساعي البريد وما يمكن أن يحمل من صور، انتظار مُثلج أفقدها القدرة على النوم، كانت تنظف النافذة وتعطرها كل يوم، تحوطها بأُمنية تزيد نبضها وتواصل تفاصيل يومها، ترى هل سيأتي اليوم الذي به تسمع الخبر؟؟؟؟ فجأة اهتزت الأرض وصرخت السماء بلباد الظلمة والدخان وكانت الحرب دقت طبولها، لم تتوقع أَنهُ سيتركها لتعيش تحت الأنقاض،اختفت طفلتها ولا تعلم إلى أين يسير بها الظلال وإلى أي باب وهل هناك أمل بقي في أن ترى وجهه الغاضب المبتسم!!! خمس سنوات مرت حيث ارتحلت عبر الهروب لتحمي طفلتها من غيض الشيطان في وسط مشبع بالذئاب الكل يبحث عن ضالته تحت أسم الحب ليسرق منها ما بقى وهي مازالت تنتظر الخبر وصول ذاك المنهك من الغياب،

 

هذا ما كانت تتوقعه أنه يعاني مثلها، قررت أن تحرر الواقع وتسطر الوقائع في رسالة لعلها تكون وقع لتحرير النفس، سطرت الكثير على الورق واصفة أحداث لم تتخيل أنها ستعيشها، بعض منها غريب وجديد والأخر لا يخالف ما مرت به من وحشية الاغتصاب البشري، كانت كل ليلة تهدهد لطفلتها قبل النوم بصوت فيروزي منهك، حين تنام وتغفل الأجفان تعاود إكمال الرسالة، ترسم صور الظلم والإخفاقات البشرية التي تعيشها يوميا.

 

وقفت والحيرة تعلو صدرها محملة بالكثير من الأسئلة، لمن أكتب؟ وإلى أي عنوان أرسل؟ وتحت أي اسم؟  أتعبها التفكير والقرار، غير أن تبقى على المواصلة ليوم قد يُحَل بهِ الحال، مزقت الورق وأحرقته وهي تردد بصوت عالي، لعل دخان صغير يبعثر التوقعات ويأتي بالحب أو يحسم صرف الغيابات، لم يأت الخبر واستمرت في محاولة كتابة أي رسالة إلى عنوان مجهول، لا علم لها أن ستصله ما كتبت وستكتب أم يمزقها السفر، لم يأت ولم تتغير الصور بل الواقع زاد في الخطر.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة