طارق الزيات
طارق الزيات


«تساؤلات قاسية 2» قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 22 مايو 2023 - 08:29 ص

جلست على حافة السرير برفق حتى لا أزعج فهمي، ثم التففت بهدوء وفردت جسدي علي السرير مستندة بكتفي على ظهره و حملقت في ظلام الغرفة و متلمسة أي غفوة تأخذ بروحي إلى سكينة النوم، و لكن هيهات فقد احتلت الأفكار عقلي و لم يعد هناك متسع لتلك الغفوة التي تدير رؤوسنا و تسحبنا بهدوء إلى اللاوعي.

نظرت إلى فهمي و هو نائم، لم اتبين ملامحه جيداً بسبب الظلام الذي لا يجرحه إلا نور مؤشر المكيف الذي يرسل هوائه البارد ، كلما زادت برودة الهواء كلما ثقل نوم فهمي.

تزوجت فهمي قبل واحد و ثلاثون عاما، كنت في الرابعة والعشرين من عمري، لم تربطنا قصة حب، كان زواجاً تقليدياً، لا عيب في هذا الزواج ، بل أغلب الزيجات التقليدية تعد ناجحة بالمقارنة بحالات الحب التي انتهت بالزواج.

لقد تقدم لي كثر قبل فهمي حتى إنني لا أعرف عددهم، بعضهم من محيط المعارف، كنت أحب أحدهم و كان يحبني بجنون و لكن لم نوفق في الزواج، وتقدم لي آخر خطبت له ولكن فسخنا الخطبة لأسباب تافهة، و انتهى بي الأمر إلى أن أتزوج فهمي.

لا أعرف كيف أطل الماضي هكذا فجأة، أخبار الأثنين ليست بعيدة عني، و تترامى إلى مسامعي أحوالهما بعد الزواج، لم تكن أخباراً سارة، الأمر برمته ما يعنيني، ولكن لماذا أفكر فيهما ... هل حقاً لأنه مرتبط بأجمل مرحلة عمرية تمر بها أي فتاة.؟ ... ربما.

زواجي مع فهمي مستقر، علاقة يسودها الود و الاحترام، لكن داخلي شئ ما يزعجني من فهمي منذ تزوجنا، لقد بغضته أحياناً و ينتابني الغيظ منه دائماً، رجل لديه قواعد لكل شئ، لديه مسطرة شديدة الاستواء يقيس عليها أفعاله وأفعال الآخرين، فهمي ببساطة رجل لا يخطئ، كما أنه بارع في ضبط أخطاء الآخرين.

الحياة مع فهمي مليئة بالشعور بالذنب، ليس هذا من مقاصده و لكنه من نتاج سلوكه، لا يمكن أن تمسك عليه خطأ بينما لا يكف هو عن تصحيح تصرفات الجميع ... و غالباً هو محق.

إنه أمر منهك جداً أن تعيش مع رجل مثل فهمي، يؤدي إلتزاماته بكل إخلاص و يوفي بوعوده و يحمي عائلته و يتصرف بحب و يضحي من أجل إسعاد من حوله و متسامح إلى أقصى حد لكنه يتركك في حالة من الشعور الطاغي بالتقصير.

كنت اتمنى لو يخطئ، أن أمسك خطأ واحد ارتكبه و أن أسامحه و لكن هيهات، مجرد مواجهة سريعة معه تنهار كافة الحجج التي ارفعها في وجهه و بعدها يطيب خاطري و يقول قولته المعتادة إن العيب ليس في الخطأ و لكن في تكراره.

إدانة من بعد إدانة ولا مجال للفكاك من هذا المناخ المفعم بالتسامح والعفو وتسجيل النقاط ضد الطرف الآخر ليتركه مهزوماً دوما بلا أي أمل، حتى تحولت حياتي معه إلى حزمة من التصرفات المبنية على معايير جامدة كرهت معها نفسي و اختزنت كل كراهيتي و نقمتي على فهمي و دفنتها في مخزون عرفاني و تقديري لكل جهد مخلص حقيقي بذله و يبذله من أجلنا....يا لها من حياة مستقرة مليئة بالندوب و ياله من نسيج أسري قوي جداً به الكثير من الثقوب.

لم يكن أمامي من خيار سوى أن أعيش مع الرجل الذي تتمناه كل أمرأة و يشهد له الجميع بالخلق و الحكمة و حسن التصرف، الرجل الذي يفخر به أبناؤه، و أنا أيضاً بكل جدية أفخر به، لكن الليلة يمزق السؤال نفسي و قلبي وروحي وعقلي ... هل حقاً كان قراري بالزواج من فهمي و رفضي الزواج من حبيبي قراراً صائباً .. إنه سؤال ينزف ألماً و خجلاً و ظلماً لي و له.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة