الدكتور طارق الزيات
الدكتور طارق الزيات


«تساؤلات قاسية 3» قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات

صفوت ناصف

الأربعاء، 24 مايو 2023 - 09:47 ص

جافاني النوم حتى آذان الفجر، نهضت من سريري و توضأت و صليت ثم عدت إلى السرير، دارت بي الدنيا من النعاس فغلبني النوم و لكنه نوم أقرب ما يكون إلى غيبوبة المخّدَر في غرفة العمليات حيث تخدلت أوصالي و انسحبت انسحاباً إلى أعمق مراحل اللاوعي.

إنه يوم الجمعة، استيقظت على قبلة على جبيني، فهمي يدعوني للاستيقاظ لتناول الإفطار، كانت العاشرة و النصف ،فهمي و رغم إحالته إلى المعاش منذ عامين إلا أنه يستيقظ في السادسة و النصف صباحاً يومياً ما عدا الجمعة حيث يستيقظ في الثامنة، يبدو أنه لم يستطع أن يؤخر إفطاره أكثر من هذا فهو يحافظ على مواعيد الطعام بانتظام و خصوصاً الجمعة حيث الغداء في الثانية والنصف في تجمعنا الأسبوعي مع ابني و زوجته و ابنتي و زوجها و طفلها.

ساءلت فهمي لم لم يوقظني لإعداد الإفطار فاستنكر الفكرة و قال أن تحضيره للإفطار ليس مشكلة و يكفي أنني أقوم بإعداد الطعام كل يوم ثم وضع في طبقي قرصي طعمية و بعض الفول و عندما هم أن يزيد بعض الأومليت شكرته فلم يكن لدي أي رغبة في الطعام.

كنت اتناول الطعام و أنا صامتة، لم انتبه لهذا الأمر حتى بادرني فهمي و قال لي أنني متغيرة عن الأمس و استفسر حال إن كنت متعبة فنظرت في وجهه و بدا لي أنه كان يتأملني بنظرته الهادئة التي يحاول من خلالها أن يصل إلى أعماقي كي يعرف ما بي، و ما كان سؤاله إلا لأنه تحير و فشل في الوصول لإجابة أو هكذا تصورت.

حاولت أن أبدو طبيعية و تعذرت بالصداع بسبب صوت الموسيقى الصاخب في حفل العرس، أومأ فهمي كما لو كان يوافقني و يشعرني في ذات الوقت أنه غير مقتنع، الحقيقة أنه كان دوماً صاحب شعور صادق، صادق لدرجة أنك تشعر أنه ينظر داخلك و يطلع على كل ما تخفيه، و رغم ذلك لا تملك أن تتململ من هذه النظرة الهادئة الوديعة التي لو لم تكن تعرفه لقلت أنها نظرة صديق مشفق حنون و ليست نظرة تٌشرح تفاصيل وجدانك بكل نعومة.

نهضت ارفع الأطباق، رفع بعض الأطباق معي ثم طلب مني أن استريحو أعد الشاي و ناولني الكوب ثم فتح التلفزيون على إحدى قنوات القرآن و خفض الصوت ليجعله معتدلاً على قدر سمعه فهو دوماً لا يحب الأصوات العالية.

طلب مني بهدوء أن أحدد يوماً للذهاب إلى منزل العروس للمجاملة و ألا أنسى هذا الأمر حتى لا يتوه منه في مشاغل الحياة فهو يدون دوماً كل مناسبة كي يجامل فيها حتى لا يكون لأحد عليه مجامل، ثم فجأة قال لي بابتسامة هادئة" أعتقد أن عرس الأمس قد حرك داخلك بعض الذكريات".

يالك من جبار يا فهمي كأنك تعريني أمام نفسي، أنكرت ثم حولت مجرى الحديث نحو زيارة الأولاد و سألته إن كان يرغب في طعام معين فرد بالنفي و هو في العادة ليس له أية طلبات.

نظرت له من طرف خفي، فهمي في الثانية و الستين من عمره ، يبدو في الخمسين ، وسيم و أنيق و مهذب، فكرة الانفصال عنه لم تراودني طوال عمري معه و لا تراودني الآن، أو لعلني أنكر أنها تراودني و رغم ذلك لازلت أسأل نفسي هل أحببته يوما؟

لا أعتقد أنه الحب أو المشاعر الفياضة بقدر ما هو التعود، لقد تعودت عليه ..تعودت عليه لدرجة الإدمان، تعودت عليه لدرجة أنني لا أستطيع أن أتصور الحياة بلا فهمي، رغم أنني لا أطيق الحياة مع فهمي لحد أنني لا أريد العيش معه.

خطر على بالي أن الأمر ربما مرتبط بالإنفاق و المستوى الجيد الذي يوفره لي، و لكن أنا موظفة لدي دخل يكفيني أن أعيش في ذات المستوى و لدي شقة صغيرة ورثتها عن والدي، لا توجد لدي مشكلة مادية تجبرني أن أعيش معه ، خصوصاً أنه رفض تماماً أن أساهم في مصروف المنزل و تكفل دوماً بحاجياتي حتى الرفاهية منها.

إن السؤال الأسوء من تساؤل صحة اختيار فهمي أم سوء اختياري له ، السؤال الأسوأ هو هل أظلمه بهذا الشعور الكامن في نفسي، هل أنا حقاً ظالمة، ربما يكون اجتماع شعورين متناقضين كمثل أنا ظالمة له و مظلومة منه هو التناقض و الجنون بعينه و لكن أن أشعر ناحيته بظلم فهذا أمر تخطى الجنون إلى الشعور العميق بالذنب .


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة