طارق الزيات
طارق الزيات


«تساؤلات قاسية 4 » قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات

صفوت ناصف

الجمعة، 26 مايو 2023 - 07:17 م

حضر الأولاد قبل الغداء بنصف ساعة،الطعام كان قد قارب على النضج و أنا أعد السلاطة بينما تكفل فهمي بوضع الأطباق على الطاولة، دخل إبني مباشرة إلى المطبخ و قبلني و احتضنني، بينما توجهت ابنتي إلى فهمي هي و زوجها و زوجة ابني، كان سلامهم له حاراً دافئاً و ضحكاتهم تترامى إلى سمعي في المطبخ و عندما انتهوا من سلامهم جاءوا إلى المطبخ كي يقفوا معي و ذهب ابني للسلام على والده.

على طاولة الطعام لم يكفوا عن الحديث سوياً و كان فهمي منصتاً أكثر منه متحدثاً، كان ينظر إلى كل متحدث منهم باهتمام بالغ و يرد بهدوء و يضحك معهم بهدوء، كنت ألمح في عيني زوج ابنتي الإعجاب بفهمي، كان فهمي يلعب معه دور الصديق لا الحمو.

انشغلت بمراقبة فهمي و تعامله مع الأولاد و مداعبته لحفيده الذي يذهب إليه مترنحاً و يشاغله قليلاً ثم يعود إلي، زوجة ابني التي لا تكف عن كيل الكلمات الرقيقة لفهمي و لا تدعوه إلا بكلمة حبيبي يا عمو، ابني فقط جالس إلى جواري يثني على الطعام فيتدخل فهمي و يقول أنه لا يستسيغ سوى طعامي.

كيف يكون هذا الشخص الذي يحبه كل من حوله هو من يتملكني نحوه شعور مبتور بالكراهية، مبتور من حشاشة قلبي الذي يحمل له الكثير من الود، هل حقاً جميعهم مغيبون لا يدركون مدى قسوة فهمي الناعمة، هل أنا فقط من أشعر بوطأة العيش مع هذا الرجل الذي لم يسئ إلي يوماً ما و لكنه أذاب شخصيتي في بوتقة معاييره المنضبطة في كل شئ.

يعتذر فهمي بهدوء للأولاد عن استقبالهم الأسبوع القادم، يخبرهم أنه قد سبق أن خطط منذ ثلاثة أشهر لرحلة تجمعنا سوياً إلى الأقصر و أسوان، كدت أن احتد لأنه لم يخبرني و لكني تذكرت أنه استشارني قبل أن يحجزها و قبل أن يحجز الباخرة النيلية التي سنقضي فيها الرحلة.

لقد نسيت أن أطلب إجازة من العمل، صمت و رفعت ملعقتي أتناول بها الحساء و لم أعلق، دار بذهني كيف أطلب إجازة في هذا الوقت الضيق، و لا يمكن أن أقول له أنني لم أطلب إجازة، لاحظ فهمي شرودي و لم يتكلم.

انتهينا من الطعام و قامت البنات برفع المائدة بينما جلس فهمي في غرفة المعيشة و طلب من ابنتنا أن تعد له القهوة قائلاً لها أنه ينتظر هذا الفنجان من الأسبوع للأسبوع، فابتسمت و قبلته و ذهبت سريعاً لتعد القهوة و هي تسألني إن كنت أرغب في مشاركتة القهوة أم لا فأشرت لها بالنفي.

جلسنا جميعاً و السعادة تكسو وجوه الجميع فاضطررت أن أتصنع السعادة، رمقني فهمي بنظرته الوديعة كما لو كان متأثراً من حالي، فابتسمت له ابتسامة باهتة كي اتجنب نظراته.

أنت قادر على منح السعادة لهم جميعاً فما بالي لست سعيدة، هكذا ينتهي الحال دائماً بالشعور بالخطأ، الشعور بالذنب لمجرد أنني لا أشعر بالسعادة لأسباب لن أستطيع أن أفصح عنها لأحد، لكن مهما كانت الأسباب فهاهم جميعاً يسعدون بأبيهم و حموهم و يشاركهم في ذلك ابني و إن كان هو أكثر ميلاً لي.

العقل يقول أنه من المستحيل أن يكونوا جميعاً مخطئون و أنا فقط التي على حق .. دائماً أعود للمربع الأول، الخطأ و الذنب، الشعور بسوء التقدير و سوء الإدراك.

غادر الأولاد، و نهضت كي أبدل ملابسي بملابس أكثر راحة، و عدت إلى غرفة المعيشة و قلت لفهمي أنني سوف أخلد للنوم قليلاً، قام و توجه نحوي و أمسك يدي و قال لي أن الرحلة ليست ضرورية إن كنت لم أقدم إجازة .. ماذا أفعل و ماذا أقول له .. انفجرت فيه و علا صوتي و طلبت منه ألا يتصور أشياءً و يبني عليها كلامه.. لم يهتز فهمي و لم يظهر أي تعبير و قال لي بصوت خفيض " أنت مجهدة على ما يبدو .. فلتنالي قسطاً وافراً من الراحة"

لقد كانت الفرصة سانحة لي كي أقول كل شئ و أبوح بكل شئ و أفرغ كل غضبي ومشاعري السلبية تجاهه و لكني في هذه اللحظة توقفت و سألت نفسي السؤال الصعب ، ماذا سيقول أبنائي عني لو تحدث لهم فهمي و أخبرهم بأي أمر مما سأبوح به.

اقرأ أيضًا| «محنة العشق» قصيدة للشاعر الدكتور إيهاب عبد السلام


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة