طارق الزيات
طارق الزيات


«تساؤلات قاسية 5» قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 30 مايو 2023 - 11:56 ص

لم أستطع النوم، قضيت دقائق في غرفتي وخرجت إلى غرفة المعيشة، وقفت أمام فهمي وقلت له إني أريد أن أتحدث إليه، أغلق التليفزيون وطلب مني بهدوء أن أتحدث، لم أتردد في الحديث، واجهته، قلت له إني مللت من طريقته، مللت من الحياة نفسها، لم أعد أستطيع أن أتحمل أكثر من هذا، ليس من العدل أن تنفرد دوماً بالقرار وتجعل من مناقشتك لي مجرد تمهيدا لما قررته سلفاً، ليس من حقك أن تلغي وجودي، أن تستولي على حب أبنائي وأزواجهم وأكون أنا مجرد حضور باهت، هذا الوضع برمته لن أقبله، بل أرفض هذه الحياة التي لا قيمة لي فيها.

طلب مني فهمي بهدوء أن أخفض صوتي، وأن أجلس حتى يستطيع أن يتحدث معي، جلست وأنا أخبط بذراعي على مسندي المقعد، فقال لي ماهي مشكلتك، نوريني بها، فأنا مشوش بعض الشئ.

قلت مشكلتي أنت، أنت مشكلتي الوحيدة في حياتي، وجودك كفيل بأن يطغى على وجودي، في حضورك أنا مجرد تابعة لا أكثر، زوجة تكمل صورة الأسرة السعيدة التي يحبها الجميع .. أليس كذلك.

قال لا يا سميحة، ربما آن الآوان أن تسمعيني، لم يعد من الممكن أن أصمت أكثر من هذا، سمعتك دوماً وطيبت خاطرك دوماً مع كل عاصفة تثيرينها، التزمت الصمت ولم أتفوه بكلمة واحدة تجرحك، الآن يجب أن تعرفي أين تكمن مشكلتك، أو بمعنى أدق أين تكمن مشاكلك.

نحن لم نتزوج عن حب يا سميحة، أنت أردت الارتباط بعد تجربة حبك الفاشلة التي لا أعرف لم فشلت ولا أريد أن أعرف، وأنا ارتبطت لأني كنت في مسار جاد لأبني مستقبلي وأردت أن أبني أسرة تكون هي حاضنتي التي ألوذ بها... لا تستغربي أن غداء الجمعة كان أحد أحلامي التي قضيت عمراً أجد وأشقى حتى أحققه.

أحد مشاكلك أنك تريدين أن تقولي لمن فشلت معهم أنك لازلت جميلة وسعيدة وقوية، وأن هم الخاسرون حتى ولو كنت أنت التي أفشلتي تجربتك معهم، وعلى النقيض تريدين أن تقولي لأهلك الذين أقنعوك بالزواج مني، أن الزواج بلا حب يجلب التعاسة، وتريدين دوماً أن تعفي نفسك من أية مسئولية وتلقيها على عاتق الآخرين، وليكن فهمي هو كل الآخرين.

لقد قدمت لك ما هو أكثر من الحب وأقيم منه، قدمت لك الود والرحمة والاحتواء والمساندة والدعم، لكنك لا تكتفين، أنت تريدين أن تقودي الحياة في هذه الأسرة، ليس حباً في القيادة ولكن زهواً بها، لم تكن مشاركتنا سوياً في كافة قرارت الأسرة كافية بالنسبة لك، كنت دوماً تتخذين موقفاً معارضاً لمصلحة الأسرة، فقط لتثبتي أن لك موقف، ثم في النهاية تقبلين ما أنت مقتنعة به فعلاً من مقترحاتي عليك.

لقد كنت الشريك المخالف يا سميحة، لن أقول إنني كنت الشريك الوحيد الذي يريد أن يحافظ على هذه الأسرة، لقد كنت أنت كذلك ولكنك دون أن تدري كنت في طريقك لهدم هذه الأسرة.

كان هدوئي دوماً يخفي إحباطي ويأسي منك، ولكنهما لم يمنعاني من أكون زوجاً عادلاً أتفهم ضعفك وحيرتك أمام اضطرابك وتوترك الدائم، لم أجد من العدل أن أدير ظهري لك، فالذي بيني وبينك ميثاقاً غليظا، لم أبد يوماً تململي من رسائلك الصامتة إلي التي تفيض بالكراهية في أحيان كثيرة، كنت فقط أسائل نفسي لم رضيت بي زوجاً، لم لم تتركيني علني كنت وجدت زوجة تحبني حقاً وتحب العيش معي.

لن ألعب دور الضحية الذي تلعبينه دائماً، ولكن متى ستكفي عن هذا الدور، لقد أصبح دوراً سخيفاً مبتذلا، ولا أريد أن أحملك أي ذنب ولا أريد أن أدعي لنفسي أي فضيلة، لقد قررت الاستمرار معك بإرادتي فلم يجبرني أحد على هذا.

والآن لدي ابن وابنه هم أغلى ما في حياتي، لن أقهرهم أو أنغص عليهم عيشتهم باتخاذ قرارات متهورة ، ولكن دعيني أقو لك وبكل وضوح، بما إني أقدر المرحلة الصعبة التي تعيشينها، لقد هدأ المنزل ورحل الأبناء وأصبحت أنا وأنت فقط ، لم تعد دنياك مشغولة بمشكلاتهم وطلباتهم، تركت نفسك للأفكار المتضاربة تحاربك وتهزم روحك، نعم أقدر كل هذا.

 وكنت أود لو تركتي لي مساحة كي أساعدك على تجاوزها، ولكنك بدلاً من ذلك آثرتي خلط الماضي بالحاضر وإنزال تصوراتك منزلة الحقيقة، لذا فأنا مضطر أن أسألك سؤالاً صريحاً وبكل هدوء... هل تريدين الطلاق.. لا تجاوبيني الآن، إن كنت تريدين الطلاق فلا مانع لدي، لك كل حقوقك بما في ذلك شقتنا هذه شرط ألا تعلنيه وتجرحي أبنائي .. يمكنني أن أغادر إلى أي مكان وأغيب تحت أي حجة، وأن يظل غداء الجمعة قائما.

إذا أردتي الطلاق لن يكون في قلبي أي ضغينة فأنت أم أولادي وسوف تظل مكانتك واحترامي لك قائماً طوال حياتي، ولكن وكما قلت لك لا تجيبني الآن، لا تقوليها صريحة في وجهي فوقعها ثقيل على نفسي .

 رحلة الأقصر وأسوان قائمة، سوف أكون على الباخرة بعد غد في الموعد، إن حضرت فسوف أعرف أنك لا ترغبين حقاً في الطلاق وسوف ننسى بعدها كل ما قيل اليوم، وإن لم تحضري فسوف أرتب كل شئ للانفصال، والآن وحتى هذا اليوم سوف أترك المنزل وأقيم في فندق قريب.

كنت استمع والدنيا تدور بي، مر شريط حياتي أمامي سريعاً، من يوم حضر فهمي وعائلته لطلب يدي إلى يومنا هذا، استجمعت كل ذرة من أعصابي وحاولت أن أتكلم فقاطعني بهدوء وقال وهو ينهض من مقعده، لا تتسرعي يا سميحة أرجوك، فقط اسألي نفسك إن كنت ستكونين في الرحلة أم لا.

لم أكن أتصور أن يكون هذا هو أقسى سؤال سيواجهني طوال عمري، سؤال قاتل مؤلم، إجابته غير قابلة للتصحيح متى دونت .. دخلت غرفتي، أغلقت الباب على نفسي، أمسكت هاتفي وتحدثت مع زميلتي في العمل، طلبت منها أن تقدم لي إجازة خمسة عشر يوماً لأني سوف أسافر في رحلة مع فهمي، وعدتني بتقديمها وسألتني إن كنت بخير فصوتي كان متغيراً عليها .. قلت لها إني بخير ولكن فهمي مضطرب وغير سعيد ويحتاج إلى تغيير جو وإنني قلقة عليه كثيراً.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة