كاتب سيد جعيتم
كاتب سيد جعيتم


«حوار الطرشان» قصة قصيرة للكاتب سيد جعيتم

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 04 يونيو 2023 - 10:40 ص

ـ إنَّهُ العهدُ أُوثقُهُ بيني وبينَك، احفظْهُ واجعلْ لكَ عزمًا، لا تَنقُضُهُ فينفرطَ عقدُكَ وتُطْردُ مِنْ جنَّتِك.

ثَقُلتْ الأمانَة، نَسَّى، كعادَتِه استعذَبَ الوسوسة، تجرأَ وفتحَ العهد، شرِبَ وأرَاقَ الخمرَ فوقَهُ فمحا ما جاءَ به، ضاعَتْ الأمانَةُ.

 

اكفهرَّت السماءُ وأرعدَتْ وبَرقَتْ وانفَطَرَتْ باكية، سالَتْ أودية، فَشِلَتْ الطيورُ في التحليق، تَشابَكَتْ أسرابُ الحيواناتِ التي راحَتْ تعدو بغيرِ هدى، اهتزَّتْ الجبالُ وخارَ تماسُكُها، خرجَتْ فوهاتُ البراكينِ من قاعِ البحور، انطفأتْ نيرانُ المدافئ وعمَّ الصقيعُ والظلامُ أركانَ البلدة.

الجميعُ يتساءلُ عن مصدرِ الصوتِ وَسُرَّ قوتِه:

- يا أولادَ الأفاعي‎، من كانَ منكُم بدونِ خطيئةٍ فليُلقِها بحجر.

استحسَنُوا الخطيئةِ، طأطئوا رُؤُوسهمْ في حضرتِه ثم عبدوه.

من بينِ الجموعِ يدٌ صغيرةٌ تقبضُ بشدةٍ على قصاصةٍ صغيرةٍ متبقيةٍ من العهدِ لم تمحِ الخمرُ كتاباتِها:

- (لَا تَشْهَدْ شَهَادَةَ زُورٍ ولا تتبع خطوات الشيطان)-.

اشتعلَتْ داخلَهُ نيرانُ الرغبة، أعْمَتْهُ، راوَدَهَا فاسْتَعصَتْ واستَعصَمتْ، ذكَّرتْهُ بالعهد، صُمِّمَ على ارتكابِ المعصية، اغتصبها.

بللَ الخمرُ شاربَه، تجشَّأ بصوتٍ مُقَزِّز، نظرَ لعشيقَتِه التي تموءُ تحتَهُ كقطةٍ جائعةٍ، قلَّبَ يديه، كلتاهما مُلوثتانِ ولونُهما يميلُ للسوادِ إلا نقطةً منيرةً من آثارِ دمائِها، لم تفلحْ المياهُ في إزالَتِها.

تدلَّى لسانُ عشيقتِهِ، تَفُحْ كحيةٍ رقطاء:

-  ارجموا الزانية.

رَدَّدَ الجميعُ خلفَها.

ـ طهِّروا بلدَتَكُم من رجسِهَا.

في ساحةِ العدل، تجمَّعَ أهلُ البلدةِ كشهودِ زورٍ على جرمٍ لم يروه.

-  هي تحملُ ابنَ الشيطانِ، زانية.

ـ نَجَسٌ تَجْلِب النحسَ للقرية.

كلهم شاهَدوها غارقةً في دمائِها، تُلَمْلِمُ بقاياها، لم يسألْ أحدٌ من الجاني.

لم يستغرقْ الأمرُ طويلاً، أَصدرَ حُكمَهُ:

- تُعدَمُ رَجمًا بالحجارة.

من بينِ الجموعِ هبَّ الطفلُ منتصبًا يصيح:

- يا أولادَ الأفاعي‎.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة