محمود الوردانى
محمود الوردانى


محمود الوردانى يكتب : حمدى فى إيطاليا

أخبار الأدب

الثلاثاء، 20 يونيو 2023 - 12:28 م

[email protected]

بلغ الواحد من العمر أرذله، وفقد الكثيرين من مجايليه وأصدقائه وأقربائه، وباتت أخبار من يرحلون من حولك تتوالى دون أن تستطيع  أن تلاحقها، بينما كان خبر رحيل حمدى أبو جليل أمراً آخر تماما.

 الخضّة هى أدق تعبير لما شعرت به ، الخضّة ، الغدر ، لماذا حمدى تحديدا وهو ابن السابعة والخمسين وصاحب البنية القوية ومحب الدنيا والواضح فى كل شىء، الذى لايفكر لحظة قبل أن يدلق ما يشعر به دون تدبّر ، حمدى الذى كان بلا حسابات ، أعرف لحظات تحرّجه وخجله على الرغم من قناع الذى لايبالى وكان يضطر لارتدائه أحياناً.

فى العامين الأخيرين لم يكن حمدى على مايرام، ربما شعر بما يشبه الغُبن، وربما كان يعانى مثل الكثيرين، لكننى أظن أنه لم يول انتباهه لما كان يحققه ، فى العام الماضى فقط أصدر روايته «يدى الحجرية» ، وقبلها روايته «الصاد شين» وله رواية ثالثة فى دار الشروق على وشك الصدور.

أتذكر على سبيل المثال أننى فوجئت بشدة عندما علمت أنه لم يذهب إلى إيطاليا ، ويتجول فى أوكار الجريمة فى مقاطعاتها المهجورة، ومراتع عصابات المافيا متعددة الجنسيات، ومراكز التهريب والهجرة غير الشرعية، على النحو الذى ورد فى روايته الصاد شين ( الصحراء الشرقية) ، أغلب أحداث هذه الرواية تدور فى قلب العالم السُفلى فى مدن لم يقترب منها، ولم أعرف مطلقا من أين أتى حمدى بهذه اللغة الحوشية (هى لغته على أى حال فى سائر أعماله وخصوصا الفاعل) وبأى سلاح اخترق هنا العالم وصوّره وأمسك به واستولى على قارئه، على الرغم وربما بسبب هذه اللغة المهشمة القاسية غير الآبهة بالسلامة اللغوية، وإن كنت أستدرك بسرعة أن حمدى كان يكتب بلغة خاصة به، اخترعها هو.

ولعلى أضيف هنا أن حمدى كان مشغولا بشدة بهذا الأمر تحديدا. وفى الكلمة التى ألقاها فى حفل حصوله على جائزة نجيب محفوظ فى الجامعة الأمريكية، أشار إلى انشغاله ذاك ومشكلته مع اللغة وتحدث عن العجز وعن القاموس اللغوى العاجز عن التعبير.

بالنسبة لى كقارئ، أعتقد أن حمدى حقق خطوات لايُستَهان بها فى سعيه نحو تطويع لغته الحوشية، ولا أقول إقحامها، فى أكثر من رواية. حمدى كاتب مهم وأضاف للمتن الكتابى. حمدى له مكانة انتزعها بدأب وعمل متواصل، حتى ولو لم يحظ بما كان يعتقد أنه حقه، واعتقد أنا معه أنه حقه، من متابعة نقدية وسبل العيش الكريمة والجوائز وما إلى ذلك.

ياحمدى .. هذا حدث ويحدث للكثيرين، ولم يكن ماجرى موجها لشخصك، بل لأنه لامعايير ولاحياة أدبية صحية ولا تيارات أدبية ومجال عام . هناك فوضى كاملة ياحمدى. وأنت نفسك كتبت أعمالك الأخيرة فى ظل هذه الفوضى، وهى الأعمال التى ستبقى طويلا حتى لو لم تنل ماتستحقه وقت صدورها.

ياحمدى.. أنت أنجزت وما يؤلمنى بشدة أنك كنت ستكتب أعمالا أخرى. خسارة ياحمدى أن تموت بصراحة، ليس من أجل سواد عيونك فقط بل من أجل ما أنا على يقين أنك كنت ستكتبه.

وفى النهاية أود أن أذكركم بصداقته شديدة الخصوصية بواحد من أجمل الناس وهو أسامة الديناصوري، الذى أورد بعض ملامحها أسامة فى سيرته «كلبى الهرم.. كلبى الحبيب»..

مع السلامة يا حمدى وسلّم على أسامة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة