محمود الوردانى
محمود الوردانى


محمود الوردانى ..هكذا تكلمت جولبيرى (3) طرف من سيرة صالحة هانم

أخبار الأدب

الجمعة، 01 مارس 2024 - 04:22 م

يشغل الكتاب الأول من سيرة جولبيرى أغلب صفحات عملها الضخم( 819 صفحة من القطع الكبير)، ويصل عدد صفحاته إلى 366 وتتوزع الصفحات الباقية على الكتابين الأول والثانى.

واختارت الكاتبة له عنوان «حدائق الزمن الماضى» وهو عنوان بالغ العمومية ويحيل إلى النوستالجيا وتذكر الأطلال كما يرى القارئ. لكنه عنوان خادع، فالسيرة تمضى لأبعد من ذلك بكثير، ونجحت على نحو لم يتكرر فى رسم واحدة من أرق وأدق اللوحات البانورامية لعصر كامل. وفى حدود ما قرأت، فإن هذا العالم لم يقترب منه سوى هدى شعراوى فى سيرتها وشريف حتاتة فى نوافذه  المفتوحة.

جُلبيرى إبنة هذه الطبقة التى تكتب عنها، وظلّت إبنة لها طوال الفصول الخلابة التى تتوالى. انفصل أبوها سليل الباشوات عن ابنة عمه صالحة فى الصفحات الأولى، وغادرت قبل أن يصل سنها إلى خمس سنوات هى وأمها وشقيقتها إنجى فى سن السنتين قصر شبرا، إلى الزمالك للإقامة لدى «ست نينة جلبيرى هانم ثابت»، وتبدأ فى الوقت نفسه رحلة طويلة فى الزمان والمكان يتابع القارئ خلالها ما لم يُكتب إلا باللغة الوحيدة التى تجيدها الكاتبة وهى الفرنسية.

العمل حافل حقا بالوقائع والأحداث وقصص الحب ومشاهد الموت وحفلات الرقص والتشرف بتقديمها لجلالة الملكة ولعب القمار والمظاهرات ضد الاحتلال أو انتفاضة 1946.

حافل أيضا بالشخصيات الكبرى مثل الأم صالحة هانم التى أصرّت على الطلاق لشكّها فى أن زوجها يغازل إحدى الخادمات، وقامت بتأسيس أهم أتلييه فى الشرق للأزياء وكان اسمه «أتلييه صالحة هانم»  عام 1944فى وقت لم يكن من المقبول فيه إطلاق أسماء النساء أو حتى مجرد الكشف عنها، ووقّعت مع طلعت باشا حرب عقدا لتنفيذ موديلات مبتكرة من تصميمها ومنفّذة بأقمشة مصرية وغَزَت الأسواق حرفيا بصالونها فى شارع الشواربى. صالحة هانم شخصية روائية بامتياز.. شخصية خلابة بتربيتها الصارمة المتفهمة لبنتيها، سواء البنت الشيوعية المنخرطة فى العمل السرى والنضال الثورى والمعتقلات الفنانة التشكيلية إنجى أفلاطون أو جُلبيرى الكاتبة التى رافقت الحركة السريالية واعتادت على ملاحظات الشاعر جورج حنين على قصائدها، كما اعترف بها  وأثنى عليها كبار شعراء فرنسا مثل إلزا تريوليه وبول إيلوار، وأصدرت بالفعل مجموعة شعرية بالفرنسية.

السيرة حافلة حقا فى كشفها عن العالم السرى المخملى للأرستقراطية المصرية بأصولها التركية والشركسية. حافلة أيضا بالانتقالات الديمجرافية الكبرى لمدن كبار الإقطاعيين من شبرا إلى الزمالك. حافلة بمدرسى السادة الصغار فى بيوتهم، ومدارسهم عندما يشتد عودهم، وتنفرد الكاتبة بسرد ما جرى خلال خمس سنوات أمضتها فى باريس، حيث تسكعت كما يحلو لها ودرست ما شاء لها، والأهم أنها انخرطت فى جماعات الشباب الأدبية والسياسية، لم يقتصر ذلك على مجرد حضور الندوات أو الأمسيات الشعرية، بل كانت عضوا فاعلا ونشرت قصائدها فى الصحف الفرنسية، واقتربت كثيرا من الشيوعيين لكنها لم تنضم لتنظيماتهم وإن آمنت بأفكارهم.

ربما كان أهم حدث جرى لها خلال إقامتها الباريسية لقائها بشاب وسيم صعيدى يدرس فى فرنسا، ووقع كل منهما فى غرام الآخر على الفور.

الشاب هو إسماعيل صبرى عبد الله المفكر والمناضل السياسى المعروف. وبعد شهور تزوجا فى القاهرة وبسبب إصرار صالحة هانم تم الزواج فى القاهرة وليس فى باريس فى نوفمبر 1951 وبعد أقل من سنة سيقوم الضباط الأحرار بحركتهم فى 23 يوليو، وتبدأ جُلبيرى فى تحرير كتابها الثانى «رحلة السجون».
  فى الأسبوع القادم إذا امتد الأجل، أواصل القراءة..   


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة