محمود الوردانى
محمود الوردانى


محمود الوردانى ..8 سنوات فى المنفى ( 3 ) فى وداع الإسكندرية

أخبار الأدب

السبت، 20 أبريل 2024 - 03:21 م

حاولتُ أن أقدّم على مدى الأسبوعين الماضيين الملابسات والظروف التى أحاطت بمذكرات محمود حسنى العرابي، أحد قادة الحزب الشيوعى المصري، الذى تأسس أولا باسم الحزب الاشتراكى المصرى عام 1921 ثم تغيّر إسمه إلى الحزب الشيوعى عام 1923  بغرض وضع المذكرات وصاحبها فى السياق التاريخي، خصوصا أن العرابى كان حريصا فى مذكرات امتدت إلى 470 صفحة على عدم الإشارة إلى ذلك الماضى التاريخى بالغ الأهمية  وإغفال ذكر وقائع وتفاصيل كان هو أحد شهودها، بل وأحد صانعيها.

على أى حال، أبادر الآن بالانتقال من هامش المذكرات إلى متنها، ويهمنى فى البداية أن أؤكد أن أول مايلفت النظر هو أسلوب كاتبها الناصع الخالى من المحسنات اللفظية وألوان البديع، مما كان يميز كافة الكتابات فى تلك الفترة أى خلال النصف الثانى من ثلاثينيات القرن الماضي، والعرابى حريص كل الحرص على الاقتصاد والدقة والنأى عن الميلودرما وذرف الدموع، على الرغم من أن الظروف التى عاشها وأورد تفاصيلها كانت تدفعه دفعا للبكاء على الأطلال والصراخ، لما عاناه على مدى ثمانى سنوات فى صقيع ألمانيا هاربا عاطلا عن العمل وفقيرا ثم محروما من الجنسية المصرية بأمر ملكي. 

فعلى سبيل المثال، لايضيّع العرابى وقته، والكلمات الأولى فى الصفحة الأولى واضحة ومقتصدة بل وعارية: «ضيّقت عليّ الإدارة الخناق عام 1931 فرصدت أمام دارى الجواسيس ليل نهار.

وكنت اسكن فى ذلك الوقت فى حى «السكاكيني» فأثارت هذه المراقبة شكوك الجيران وشبه البوابين. فأخذوا ينظرون لى شزرا ويتهامسون فيما بينهم كلما وقع نظرهم عليّ» ويضيف» فصبرتُ على هذه الشر طويلا.

وقلتُ فى نفسى سيزول متى تحقق الرؤساء من ظلم هذه الرقابة.

ولكنهم حسبوا صبرى عليها تحديا لهم. وبدل أن بسحبوها أو يخففوا من شدتها تمادوا فيها إلى حد بعيد».

ويواصل بكل دقة وبما بشبه الحياد تفاصيل مراقبته ومتابعته من المخبرين الذين لم يهتموا أدنى اهتمام بإخفاء أنفسهم وهم يركبون وراءه فى « الترامويات من ناحية الشمال» ويجلسون ملاصقين له في«القهوات». ابتعد الأصدقاء والمعارف عنه وتجنبوه، ثم تعذر عليه العمل فى جريدة أو مكتب،  وأغلقت كل الأبواب فى وجهه.

ولجأ إلى الحيلة واستطاع الحصول على جواز سفر جديد، لأن القديم مختوم بالمداد الأحمر بمنعه من السفر. والحقيقة أنه كان ذكيا وواسع الحيلة، وتمكن من الحصول على تأشيرة بالسفر إلى ميناء بيريه بحجة مرافقة وتوديع صديقة يونانية، والأهم أنه صادف أثناء تسكعه قبل السفر لافتة لجريدة»  الأسبوعية فى أحد الشوارع، وفكّر أن يجرّب حظه، والتقى بصاحبها دون سابق معرفة، وأخبره أنه مسافر إلى أوربا لدراسة الحالة السياسية والاجتماعية، واتفق معه على مراسلة الجريدة، بل وحصل على أوراق ثبوتية بذلك.

كتب العرابي: وفى الصباح الباكر قصدت الإسكندرية أحب بلاد مصر إليّ. ففيها قضيت زهرة شبابى. فيها درست فى العباسية الثانوية، فيها ضاربت فى البورصة وجمعت عشرات الألوف من الجنيهات، فيها بدأت حياتى السياسية وخاطبت ألوف العمال، فيها زرت سجن كوم الدكة فى عهد السلطة العسكرية شهورا، وزرت سجن الحضرة ثلاث سنوات فى عهد الاستقلال. فيها كتبت وألّفت وترجمت، وكانت لى فيها مجالس لهو وأنس. تعلمت مباذل الشباب فى مشاتيها ومصايفها»
أواصل قراءة أوراق العرابى فى الأسبوع القادم إذا امتد الأجل..


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة