الكاتب محمد نبيل
الكاتب محمد نبيل


«مشاهد أيام السويس 8» قصة قصيرة للكاتب محمد نبيل

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 21 يونيو 2023 - 06:06 م

محمد الراوي... منجد عاطل، مقيم بالمسجد، ثم شهيد!

هو لا يعلم لماذا يضحك ... (8)

  عاد محمد الراوي مع ملاكه الحارس إلى شيخهما الذي هلل وكبر، بمجرد أن جاءه الخبر عن شجاعة شابه، وإخلاصه في الهجاء للطواغيت، كانت نواجز الشيخ تبرق مع تهليلاته المتتابعة، وتناثر شظرات الرزاز من فيه، فالرجل الطاعن لم يكاد يمسك فرحته التي غرق في بحارها، فكان يرفع ذراعيه حتى تفارق إبطيه جذعه،

  وانتفض الشيخ القعيد من كرسيه الذي كان يلاصقه طوال الأسبوع الفائت، لم ينتبه الراوي، وجرى صوب شيخه بلهفة تكافيء سعادة الشيخ، فكلاهما قد نجحا، ونالا ما أرادا، والشاب يتأبط شيخه، ويقبل يمينه ويسراه، وينتظر في غوث أن يخرج الشيخ له مكافأته، وبالفعل رأى الشيخ عبادة المال في عيني فتاه، وسمع طنين أذنيه يضج بوسوسة المال، فبادر الشيخ ليريح قلب فتاه المنتفض والمضطرب انتظارا لرؤية أمواله التي يستحقها، أخرج الشيخ رزمات من فئة الألف جنيها وقصد أن تكون في عدها من فئة العشرات، وسلمها لشابه المطيع، وهو يربت على كتفه، ويدندن ببعض الأناشيد الحمساوية(!)

 

وراح الشيخ يجلس على كرسيه من جديد، والشاب لم يرقب هذا الحال، كان في حال آخر، كأنه ملك الدنيا بهذه الأربعة آلاف من الجنيهات التي حظى بها بعد ساعات مضنية من الهتاف والسباب ضد جيشه، وتمهل في مشيته ناحية ملاكه الحارس ليعطيه ما وعده أياه، وأخذ يعد بتفاخر الورقة فئة العشرة تليها أختها، وهكذا، حتى أم الخمسمائة جنيها، ونادى على ملاكه الحارس، لكن صوته تجمد في حلقه، فهو لم يعرف لهذا الملاك سميا، فلم يشأ أن يطبق شفتاه دون مناداته على الملاك الحارس، فقال بصوت ميكروفونى ممتد وطويل: ياااا... ياااه وحش، فرح أن جاءته مفردة "الوحش" ليجامل بها صاحبه الملاك الحارس، وانتهى الأمر بأمر من الملاك الحارس له أن يأتيه هو إليه، وهز كتفيه العريضتين، وامتعض بشفتيه، رافعا حاجبه الأيمن لأعلى عند حافة فروة رأسه التي حوت شعيرات معدودة لا تقارن بكثافة لحيته العملاقة،

 

وأشار إليه بعقلته الأولى من سبابته، ليأتيه، وطار الشاب لحارسه، حتى انزرع أمام قدم حارسه العملاق، فقال الحارس بعجرفة لا تخلو من استهانة: عايز إيه؟ فمد الشاب يده بنصف الرزمة إليه، كما وعده، أماط الوحش الحارس رأسه، وشاح بها بعيدا عن ناحية الشاب، ساخرا منه، ثم فرد راحة يده الواسعة وضمها على نصف الرزمة المحاطة بيمين محمد الراوي، حتى قبض قبضة ضاقت منها أنفاس صاحبنا، حتى تألم، في استعراض يكفي لرفضه المال دون كلام، ونصحه أن يذهب بها كلها لشيخه، وهذا أفضل له، ثم أشار الوحش الحارس قليل الكلام بوجه ناحية ذاك الرجل الذي يعرفه صاحبنا جيدا، في نظرة أخذت برأس محمد الراوي ناحيته وكانت تعنى :انت عارف ح يعمل معاك إيه!

فهم سريعا الشاب نصح حارسه الأمين عليه وعلى أمواله، من هذا السارق القديم والذي اعتاد سرقة صاحبنا فقط! منذ قدومه من شرقيته إلى سويس الغريب، وعدى الشاب مهرولا إلى شيخه ليلقى بجميع ماله في حجره، لم يتعجب الشيخ من فعل فتاه الذي أصبح سائغا معه، لينا، يطيعه ولو لم يأمره، وأعاد الشاب لشيخه المال، ونفض يده منه وهو مطمئن على ماله مع شيخه أكثر من بقاء المال معه، والذي يعلم أنه على الفور سيتحول إلى هذا السارق العتيد،

 

نادى الشيخ على فتاه ليقترب منه، حتى لاصقت شفتاه أذن الشاب، وأسر له: اذهب واسترح، فغدا امتحان آخر, وشوف إيه طلباتك، اعتدل الشاب معلنا رفضه لأن يكون لديه ثمة طلبات في وجود شيخه، لكن الشيخ جذبه من تلابيبه بقسوة ليقربه منه، مؤكدا بجملة مختصرة لم تخرج بوضوح من خلف أسوار أسنانه التي شبكها مجذا عليها، غضبا من فتاه غير المطيع،

وهدده: لما أقول لك اطلب، تطلب اللي تحلم به، ولما اقولك موت، تموت فورا، لا تنسى الطاعة سر وجودك هنا، تفهم الشاب سريعا ولم يشأ أن يزيد من غضب شيخه، فهو من يحميه من كل هؤلاء الذي لا يظهرون رحمة – على الإطلاق – تجاهه، وهو الوحيد الذي يعطيه ويجزل العطاء، وزفر سريعا مطلبه: عايز عشرة آلاف ... أصدى عشرين ألف جنيه يا شيخ وأنفذ أي أمر منك يا شيخنا، فرد الشيخ بهدوء: بس عشرين(!) والا أكتر؟، لم يستطيع الشاب أن يخفي دهشته الساذجة، وصرخ فرحا بعينه: ممكن أكتر يا شيخنا؟ وقبل أن يرد الشيخ، بادره الشاب، خد عمرى يا شيخ، وادينى مائة ألف جنيه، وكرر الشاب ذات المعنى بمنطوق آخر: أنا أموت وأشوف وأمسك مائة ألف جنيه، يااااه، ورفع رأسه لأعلى يرى ذاته هناك وهو يمسك بالمائة ألف جنيه، ...

وافق الشيخ على الفور وأشاح بوجهه عن فتاه، وتمتم : لك ماتريد، ثم عاد ينظر إليه بحزم شديد، وهو يتحدث إلى فتاه الحارس لهذا الشاب، ومازال ينظر لمحمد الراوي، نفذ له ما تمنى، ثم توجه بنظره للوحش الحارس، وضحك، وتعالت صرخات ضحكاته، مرددا: الله أكبر، الله أكبر، غدا لنا شأن آخر، وعظيم، مع هؤلاء الطواغيت، وبادله الوحش الحارس بالضحك، وكلاهما يشيران بسبابتيهما صوب محمد الراوي، وهو بدوره لا يعلم على ما يضحكان، شيخه وملاكه الحارس، لكنه بعد تردد أعلن بدوره عن ضحكاته يشاركهما دون علمه عن السبب، حتى قطب الشيخ حاجبيه، وكذلك فعل الوحش الحارس، وظل محمد الراوي وحده يضحك في صمت مقيت من كلايهما وهما يبعثان بشظرات النظرات العابسة، حتى بدت ضحكاته أن تتبدد، وتهدأ، إلى أن تلاشت، وعبس بوجه هو الآخر كما هما عابسان، وهو أيضا لا يعرف السبب.         

في القادم إن شاء الله نكتشف معا كيف أصبح محمد سهما من سهام الإرهابية، وما هو التكليف الجديد له من الشيخ.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة