منصورة عز الدين تكتب : ثلاثون عامًا فى عالمٍ متحولٍ
منصورة عز الدين تكتب : ثلاثون عامًا فى عالمٍ متحولٍ


منصورة عز الدين تكتب : ثلاثون عامًا فى عالمٍ متحولٍ

أخبار الأدب

الأحد، 23 يوليه 2023 - 12:00 م

أتذكر جيدًا تلك اللحظة التى عرفت فيها بقرب صدور جريدة أدبية تحمل اسم «أخبار الأدب». كنت فى الصف الثانى الثانوي، أتابع مجلات إبداع والقاهرة وفصول، وأتعرف عبرها على أسماء ونصوصٍ لكتابٍ من أجيالٍ جديدة، لذا تحمست لمتابعة الجريدة الناشئة، وسرعان ما أدركت اختلافها عما سبق واعتدت عليه، كونها تدمج الصحافة بالأدب وتمثل مساحة وسطى أقرب للصحافة الثقافية منها للمجلات الأدبية المعتادة.


أضفتها للمجلات التى أتابعها، ولفت نظرى اهتمامها الواضح ب البعد البصرى ولوحات الفن التشكيلي، حيث تعرفت من خلالها على أسماء فنانين تشكيليين عالميين وعرب، بالتوازى مع بداية تعرفى على الأسماء الجديدة فى المشهد الأدبى المصري.

فى ذاك الوقت، كان عالم الكتاب والنشر مختلفًا كثيرًا عمّا نشهده الآن، نشر الأدب الحديث اضطلعت به دور نشر طليعية صغيرة، تظهر لفترة ثم تختفي، ثم تغير الأمر نسبيًا مع تأسيس دار شرقيات وبعدها بسنوات قليلة دار ميريت، لكن التوزيع، فى تلك المرحلة، اقتصر على القاهرة والإسكندرية وبعض المدن الأخرى.

وفى بعض الأحيان كان القارئ يضطر للمرور على دور النشر للحصول على الكتب التى يريدها، لعدم وجود شبكة مكتبات على النمط الحديث، هكذا كان للمطبوعات الأدبية والثقافية دور أكبر، فى ظل صعوبة النشر والتوزيع، ثم تضاعف هذا الدور مع الفورة التى أحدثها بروز دارى شرقيات وميريت والأسماء الجديدة التى قدمتها الداران بالتتالي، وما تبع هذا من إقبال دور نشر كبرى على نشر الأدب المعاصر، ومن دخول المكتبات على النمط الغربى إلى المشهد وما نتج عنه من زيادة مبيعات الكتب الأدبية، وتعدد طبعاتها ووصول إبداع الكُتَّاب الشباب إلى شرائح قراء جديدة.


بعد تخرجى فى كلية الإعلام، قسم صحافة، التحقت بالعمل فى جريدة «أخبار الأدب» فى ديسمبر 1998، كنت وقتها كاتبة قصة شابة، نُشرَت قصصى فى مجلات وصحف مصرية وعربية عديدة، وبدا لى العمل فى جريدة أدبية مناسبًا لمجال اهتمامى الأساسى المتمثل فى الكتابة. وفى 2003 توليت الإشراف على قسم الكتب بالجريدة، وتوافق ذلك مع بدايات تحول كبير، إذ كانت مكتبة ديوان قد افتتحت فرعها الأول قبل عام، وتلاه فروع أخرى للمكتبة، وإنشاء مكتبات مستقلة أخرى مثل: الكتب خان، وتوسع مكتبات الشروق عبر افتتاح فروعٍ جديدةٍ لها فى أحياء مختلفة.


حتى نهاية التسعينيات، كان سوق نشر الأدب، كما سبق وقلت، صغيرًا ويعتمد على دور نشر طليعية ونخبوية فى الغالب، ولم يكن عنصر المبيعات يدخل فى الحسبان لتقييم نجاح عمل أدبى من عدمه، يكفى أن يشيد كبار النقاد بعمل ما كى يُعّد ناجحًا. لكن فى فترة التحول المشار إليها تلك، بدأ الوضع يتغير مع شيوع ظاهرة الأفضل مبيعًا وتحول حجم المبيعات وعدد الطبعات إلى المعيار الأهم للحكم على مدى نجاح كتابٍ ما، زادت القراءة وانتعش النشر كميًا، لكن جاء هذا أحيانًا على حساب الجودة الفنية. 


فى ظل تلك التحولات، ظهر «بستان الكتب» بداية من مايو 2005، كملفٍ من 12 صفحة يُنشَر فى العدد الأول من كل شهر، إضافةً إلى صفحات الكتب الأسبوعية، وإن اتسع مجال اهتمامه عنها، فإن كانت الصفحات الأسبوعية تهتم بنشر قراءاتٍ نقدية ومراجعات كتب، فقد سعى «بستان الكتب»، بجانب هذا إلى متابعة الظواهر الجديدة فى عالم النشر وصناعة الكتاب، وطرح أهم قضاياه وتحليلها، ولم يتوقف عند المشهد المصري، بل امتد إلى أسواق النشر العربية المحلية وظواهر النشر العالمي. إذ ألقى «بستان الكتب» الضوء على مدار  سنواتٍ على المكتبات الجديدة، والمكتبات القديمة ذات القيمة التاريخية الكبرى، وعلى ظاهرة الأعلى مبيعًا فى بداياتها، وتناول الحالة اللافتة التى مثّلها الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق. وفى غياب الإحصاءات والأرقام والمعرفة المبنية على بيانات مُؤكدة باتجاهات القراءة فى مصر، اعتاد فريق عمل «بستان الكتب»،  على جمع البيانات الخاصة بنوعية الكتب التى يوجد إقبال عليها فى كل مكتبة، ولدهشتنا كانت التفضيلات تتباين من منطقة لأخرى، وأحيانًا من موسم لآخر.


واختص الشاعر والكاتب شعبان يوسف «بستان الكتب»، على مدار سنواتٍ، بسلسلة مقالات نُشِرَت فى باب «ذاكرة النشر»، الذى أرّخ فيه للنشر الأدبى فى مصر خلال القرن العشرين، متوقفًا عند أبرز مراحله، وأهم الدور الطليعية الصغيرة التى مثّلت هامشًا حيويًا أتاح للأدب المصرى متنفسًا بعيدًا عن القولبة الرسمية فى فتراتٍ شائكةٍ من تاريخه.


وعلى المستوى العربي، كتب لنا أكثر من كاتب عربى عن مشاكل النشر وصناعة الكتاب فى بلده، معرفًا القارئ المصرى بالتحديات التى يواجهها هو وزملاؤه من الكتاب، وهى تحديات تكرر بعضها فى معظم البلدان العربية، خاصة فيما يتعلق بمشكلات انتقال الكتب بين بلدان المنطقة، ونبع بعضها الآخر من خصوصية محلية تتعلق بظروف هذا البلد أو ذاك. مع التركيز على دول بعينها مثل: العراق، الذى كان قد غاب لفترة طويلة خلال الحصار عليه، ثم الغزو الأمريكى فى 2003 وما تلاه من اضطراباتٍ وتغيراتٍٍ حادة، وأيضًا فلسطين، خاصة وضع الكتاب العربى فى الأراضى المحتلة، وكيف أن غيابه قد يهدد مقاومة هذه الأراضى لسياسة الأسرلة.


وإلى جانب هذه القضايا وغيرها، كان ثمة اهتمام متواصل بمكتبات الأدباء وتفضيلاتهم القرائية وترشيحاتهم للقراء، سواء من بين أعمالهم أو أعمال الآخرين.


كما حرصنا دومًا على تقديم ملف حواراتٍ سنوى ونصف سنوى مع كتابٍ شبابٍ تراهن الجريدة عليهم، وتسعى للفت انتباه القراء لهم.


وبعيدًا عن «بستان الكتب»، حرصت الجريدة منذ بدايتها حتى الآن، على متابعة معرض القاهرة الدولى للكتاب وإبراز أهم العناوين المشاركة فيه، ومد القارئ بقوائمها قبل بدء المعرض مباشرة، كى تكون دليله بين أروقة المعرض وأجنحة دور النشر المختلفة.


والآن نواصل العمل فى ظروفٍ ليست مواتية دائمًا، فى ظل تقليص عدد صفحات الجريدة مقارنة بالماضي، وغياب المواقع الإلكترونية الخاصة بالصحف المصرية، وتغير مشهد الكتاب والنشر بسبب انتشار صرعات تفرِّغ فعل القراءة نفسه من معناه، وتحيله إلى مجرد حساب أكبر عدد من الصفحات المقروءة والتباهى بها على مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يترافق هذا بالضرورة مع تمثلها وهضمها والنظر إليها بعينٍ نقدية. وفى ظل رغبة البعض فى تحويل تلقى الأدب إلى ما يشبه هتافات تهليل وترويج، وليس قراءاتٍ نقدية تفكك الأعمال وتضيء جوانبها المعتمة، مبينةً مزاياها ونواقصها على حدٍ سواء. 


لقد بدأ دور النقد يتوارى تدريجيًا، وثمة احتمالية لتهميشه أكثر مع تزايد سطوة مواقع التواصل الاجتماعى والتقييمات الاستسهالية القائمة على النجوم، أو كلمات وعبارات من قبيل: «رائع»، «عظيم»، «أعجبني» أو حتى «ردئ»، «ممل»، و«لم يعجبنى».


وفى رأييّ أن واحدًا من أهم أدوار المطبوعات الثقافية والأدبية، ومن بينها: «أخبار الأدب»، السعى لإحداث درجة ما من التوازن -رغم كل التغيرات والتحولات المتسارعة والهادفة إلى زيادة تسليع الأدب- ومنع تحويل فِعلَى القراءة والكتابة إلى حلبة سباق، تهتم بالكم والأرقام على حساب الكيف والمعنى.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة