الدكتور أحمد فرحات
الدكتور أحمد فرحات


«الشبورة» .. ميتارواية رؤية نقدية للدكتور أحمد فرحات

صفوت ناصف

الإثنين، 24 يوليه 2023 - 08:57 م

الشبورة .. ميتارواية

الجانب النظري: تعريف العتبات النصية

بتقدم الوعي والعلم أدرك المهتمون بالشأن الأدبي أهمية العتبات النصية، ودورها في قراءة النصوص قراءة تقترب من العلمية، أو تكاد. والعتبات النصية أو المناص كمصطلح نقدي يشهد نموا وتباينا في وسائل توظيفه. ويمتلك المناص وظائف عديدة. تكمن أهمية هذه العتبات في كونها إحدى المكونات الأساسية للمصادر النقدية إذ يمنح المتلقي بوساطة التحليل والتأويل إمكانات مختلفة للقراءة، ويضيء ما غمض منها.

عتبات النص.. ما هي؟

هي ما يسمى بالنص الموازي أو النص المصاحب ترجمه محمد بنيس بالنص الموازي، ومختار حسني بالتوازي النصي، ومحمد الهادي المطوي بموازيي النص، وعبد العزيز شبل بالنص ألمحاذ، وسعيد يقطين بالمناص . 

والمناص: بنية نصية متضمنة في النص، فضاء يشمل كل ما له علاقة بالنص من : عناوين رئيسية، وعناوين فرعية، وتداخل العناوين، ومقدمات، وذيول، وصور، والتنبيه، والتمهيد، والتقديم وكلمات الناشر، والتعليقات الخارجية .. الخ.   

 

المناص النشري: مناص النشر

وهي كل الإنتاجات المناصية التي تعود مسؤوليتها للناشر المنخرط في صناعة الكتاب وطباعته إذ تتمثل عند "جنيت" في )الغلاف/ الجلادة/ كلمة الناشر/ الإشهار/ الحجم/ السلسلة) حيث تنقل مسؤولية هذا المناص على عاتق الناشر ومتعاونة (كتاب دار النشر، مدراء، السلاسل، الملحقين، الصحفيين)

ويضم هذا المناص تحته قسمين هما: النص المحيط والنص الفوقي  

 

المناص التأليفي (مناص المؤلف)

يمثل كل الإنتاجات والمصاحبات الخطابية التي تعود مسؤوليتها إلى الكاتب، المؤلف حيث ينخرط فيها كل من (اسم الكاتب، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال.. ) وينقسم هو الآخر إلى قسمين (النص المحيط والنص الفوقي)   

 

النص المحيط:

هو ما يدور بفلك النص من مصاحبات من اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال.. أي كل ما يتعلق بالمظهر الخارجي للكتاب كالصورة المصاحبة للغلاف، كلمة الناشرفي الصفحة الرابعة للغلاف وتندرج تحته نصوص ثواني : 

النص الفوقي:

ويندرج تحته كل الخطابات الموجودة خارج الكتاب، فتكون متعلقة في فلكه كالاستجوابات، المرسلات الخاصة والتعليقات، والمؤتمرات، والندوات .. وتنحصر في الفصول المتبقية في كتاب "عتبات"       

النص الفوقي العام:

ويتمثل في اللقاءات الصحفية والإذاعية والتليفزيونية التي تقام مع الكاتب وكذلك المناقشات والندوات التي تعقد حول أعماله إلى جانب التعليقات الذاتية التي تكون من طرف الكاتب نفسه حول كتبه.

النص الفوقي الخاص:

ويندرج تحته كل المراسلات والمسارات والمذكرات الحميمية والنص القبلي لهذا يرى "جنيت" أن كلا من النص المحيط والنص الفوقي شكلان في تعلقهما حقلا فضائيا للمناص عامة.

بإيجاز؛ العتبات هي مجموع اللواحق أو المكملات المتممة لنسيج النص الدال ذلك لأنها خطاب قائم بذاته له ضوابطه وقوانينه التي تفضي بالقارئ إلى القراءة الحميمية أو افتتان أو ولوع أو عن حب للاطلاع والمعرفة أو هي محاولة لإشباع الذات. كما تطلق عليها ذلك النص المصاحب أو النص الموازي المجاور للنص الأصلي والذي يعني مجموع النصوص التي تحيط بالمتن من جميع جوانبه. 

 

 

الجانب التطبيقي: اخترت رواية الشبورة للروائي أحمد الشدوي

 

تمثل رواية الشبورة للسعودي أحمد الشدوي الصادرة عن دار المناهل للطباعة والنشر، بيروت. 2013م. حيث أخذنا في افتتاحية روايته إلى سوريا ثم لبنان حيث ذلك الشخص السعودي المجنون الذي دارت به الدنيا وهو يحمل مذكراته عن رحلة قام بها إلى القاهرة من زمن بعيد ويريد نشرها. فطلب من هذا الكاتب أحمد الشدوي أن يعيد صياغتها دون تحريف ونشرها. وفي الفندق فتح الأوراق المذكرات وقرأها وها هو يعيد نشرها نيابة عن صاحبها.

العنوان الرئيس: الشبورة

الغلاف: أسود اللون يعلوه اسم الروائي أحمد الشدوي، وفي الوسط العنوان باللون الأصفر، وبخط عريض، وتحت العنوان كلمة رواية باللون الأبيض. والغلاف الأسود يتخلله صورة لسحاب أبيض خفيف يعبر عن الدلالة المكتوبة، وتبدو في الخليفة القاتمة صورة لمبان تكاد تكون ظاهرة من وراء شبورة خفيفة تختفي وتظهر في آن معا، من خلال الشبورة البادية على سطح الصورة الكلية.

واستنادا إلى العتبة الكبرى وهي العنوان الرئيس (الشبورة) حيث يتيح لنا العنوان فهما مسبقا للرواية، فنجد الروائي يتناول في الفصلين الأولين تأسيسا للعمل الروائي برمته، الرواية في مجملها ثلاثون فصلا، تبدأ بالترقيم المتتابع،(1-2-3..) فتبدأ بعتبة فرعية صغرى كبديل للمقدمة التي يمكن أن يقدم بها الروائي لعمله، فتبدأ بقول منقول من كتاب سوسيلوجيا الخطاب وغالبا هذا النقل يلخص العمل الروائي كله وذلك عندما يقول: إظهار ما هو ظاهر، وهو غير ظاهر، لا لكونه مختفيا، بل لكونه ظاهرا بإفراط على سطح الأشياء. وفي الفصل الرابع عنوان فرعي إن طوبوغرافية ألعاب الصدفة والتنافس والاستراتيجية صالحة للتحليل بين الثقافات. مقالات للدكتور أبو بكر باقار. وفي الفصل السادس من الرواية ينقل عنوانا لإميل سيوران: لو نتصور حبا أكثر من ربيع، أحزنه تناكح الزهور فأخذ يبكي عند عروقها. وفي الفصل السابع ينقل للكاتب نفسه قوله: ثمة راهب وجزار يتحاربان داخل كل رغبة. وفي التاسع ينقل من سفر التكوين: إن كنغو هو من خلق النزاع، وجعل تئامت تثور وتتهيأ للمعركة. وفي العاشر ينقل بيت شعر لناجي: كيف ذاك الحب أمسى خبرا وحديثا من أحاديث الجوى. وفي الفصل الخامس عشر ينقل أبيات الشاعر عبد الرحمن الشهري:

ولن يرجه منظر شجرة تقف بلا أوراق

ولا حياة تبدو صفراء أكثر من اللازم

لأنه يقف الآن وحيدا وبلا أوراق

وفي الفصل الحادي والعشرين: يضع عنوانا فرعيا: إن حدوث حدث نادر الاحتمال، إنما يعادل عدم حدوث حدث آخر يتسم بشدة التوقيع. نسيمطالب.. البجعة السوداء.

وفي الفصل الرابع والعشرين يبدأه بعنوان فرعي: كما لو أن الحقيقة لا تكون حقيقة إلا إذا كشفت مستورا، وفي الفن فإن تمنعها من الكشف تكشف "بذاته" وما ذلك إلا إخفاء مضاعف أو فجوة مضاءة. الهرمنيوطيقا والفلسفة.

وفي الفصل السادس والعشرين ينقل قول آلان دبرباربيز قوله: إن استخدام مجموعات الإيحاءات الإيجابية تجعل من السهل على الآخرين التأثر بوجهة نظرك أيضا.

ونلاحظ في الثلاثين فصلا من فصول الرواية أن العناوين الفرعية لم تكن مطردة بل جاءت في بعض الفصول وبعضها الآخر لم تكن. كما نلاحظ كثرة المنقول وطوله نسبيا مما يشي بالتثاقف الواضح، وكأن الكاتب يتعالى على القارئ بكثرة نقولاته، صحيح أنها ربما تخدم الحدث الدرامي للرواية ولكن كثرتها وطولها النسي قد يضر بالبناء الفني وفور القارئ من المتابعة والتواصل.

كما نلاحظ في بعض الفصول تبدأ بتقنية العتبة النصية المنقولة عن أقوال الأدباء والشعراء والكُتاب للتدليل على مرجعية الكاتب الثقافية، وإضفاء نوع من الإرهاص الظني على دلالية الفصل المقروء. ففي الفصل الثالث –مثلا- ينقل قول مارسيل روبي: الإنسان فقط يستطيع أن يحلل أفكاره الذاتية، وأن يكون في مخيلته فرضيات، إن تقدم نوعنا البيولوجي هائل مذهل، ولا شيء كما يبدو يجب أن يوقف هذه الحركة إلى الأمام. وهذا الأمر ليس مطردا فهو يختار بعض الفصول ويضع لها عتبات صغرى، وبعضها الآخر لا يستخدم هذه التقنية. وفي الفصل الأول يتخذ من تقنية السرد العجائبي أو الفنتازي كوسيلة فنية حول أهم شخصيات الرواية غرابة، فهو اسم مجرد من الأبوة والأمومة، مجهول الهوية، اسمه غالب، على سبيل الظن وليس اليقين أيضا، لا يعرف له أب، ولا أم، ولا بلد محدد ينتمي إليه، قد التقى به الراوي في رحلته إلى سوريا، أثيرت حوله القصص والحكايات، فلا تكاد تقع على جملة واحدة محددة وواضحة، فكلها جمل متضاربة وأحيانا متناقضة، وكلها مقصودة من الكاتب، شخصية أشبه بالجبلاوي في أولاد حارتنا، وهذا ما جعل الفصل الأول يدور حول تحديد ملامح هذه الشخصية غريبة الأطوار، منح الكاتب رزمة من الأوراق، هي مذكرات لرحلة له إلى القاهرة، وطلب منه نشرها دون إضافة أو حذف. وبذلك يفلت الكاتب من مسألة الراوي المباشر، مكتفيا بالراوي غير المباشر.

الشبورة ميتارواية:

الميتارواية هي مظهر من مظاهر حديث الفن عن نفسه إذ لا يكتفي الفن بالحديث عن الحياة، ولكنه يتحدث عن نفسه، وعن ظروف إنتاجه، ومعاناة منتجه، وهنا نجد المبالغة: لغة عن لغة. والميتانص: نص عن نص، والميتارواية: رواية عن رواية، أو تعليق على الرواية، وهي مصطلحات مختلفة لمفهوم واحد .  وبتأثير من ذلك وجدنا   قد فرق بين القصة القصيرة والرواية، على طريقته، وهذه العملية بمثابة تسريبات نقدية داخل عمله الروائي تعني قيامه بدور المبدع والناقد معا دون انفصال. كما فرق بين الصورة الواقعية والصورة الفنية، وهما مصطلحان نقديان خالصان، فما يستحيل حدوثه في الواقع لا يستحيل حدوثه في العمل الفني. كما استدعت هذه التسريبات النقدية الإشارة إلى بعض أقوال الشعراء والأدباء والفلاسفة الكبار بغية تعشيب النص الروائي بأقوالهم، كما حدث مع المنفلوطي في رواية التاج أو للكاتب الأصلي الذي كتبها، تقول البطلة لعشيقها: أنت حياتي التي لا حياة لي بدونها. كنت أقولها كلما مرت ذكراك في خيالي، عليك أن لا ترتعب فأنا لا أقصد ما نعنيه الجملة، لكني أقصد السنتين اللتين عشناهما معا..ص 98. أو كما أشار إلى عبد الله العروي: إن ثقافة عصر النهضة العربية هي ثقافة تمتّع. ص 102. كما أشار إلى هايدغر في قوله: إن الحقيقة بوصفها كشفا دائما، صدام الكشف التام لكل شيء، ولكل فرد، سوف يلغي الموجود في ذاته، ويعني التسطيح الكامل له، وأن ما يظهر في كل شيء سيكون هو الإرادة المسيطرة على الموجود. هذا بالضبط هو التسطيح لكل فكرة أو ثقافة. ص 106.  

تجنح الرواية إلى لغة عامة وأخرى خاصة، تتمثل هذه اللغة العامة في الاقتراب من لغة الحياة اليومية مع الحفاظ على عروبيتها وفصاحتها، أما اللغة الخاصة فتتمثل في انتقاء لغة اللهجات العربية داخل الجزيرة العربية وخارجها، مما يسبغ على الرواية صبغة عربية شاملة لأقطارها. فكلمة الباطرمة تعني الأريكة في لهجة أهل الحجاز. وكلمة (دبق) تعني مادة لاصقة كالغراء يصاد بها الطير، وكلمة(الدغل) تعني الشجر الكثيف الملتف. وكلمة(جفاصة) تعني قلة الذوق. وكلمة (نواغل) وأحيانا يتكئ على بعض الأمثال لأهل الشام مثل(بق البحصة) وهو مثل سوري يعني كشف المستور وإخراج ما كان مكتوما في الصدور. ناهيك عن استخدام بعض المفردات العامية التي جاءت انتقاء وتميزا لأهل القاهرة، أو أهل جدة، أو أهل سوريا والأردن.

 

تمتلك الشبورة قدرة فائقة في كشف عورات المجتمع المدني عامة، ولاسيما المجتمعات العربية، التي تعاني انفصاما في شخصيتها، فتظهر بعض الشخصيات في مكان ما بصورة تتناقض مع ظهورها في مكان آخر، وهي هي الشخصية ذاتها، فتارة تجدها ملاكا طاهرا وتارة أخرى تجدها شيطانا رجيما، حسب الأحوال والظروف التي تحيط بها، فهي مثلا في جدة ومكة غير ما تراها في القاهرة، أو أي قطر آخر من أقطارنا العربية، مما جعل الرواية تنتقد هذه المظاهر الكاذبة كفتوى زواج المصايف. فيقول: يشتد غيظي من فتاوى زواج المصايف، غير أني لم أتصوره معرضا متكاملا تواطأ أناس سفلة خارج القاهرة وداخلها لإتمامه والاحتفاء به. فيما بعد عرفت أن الحوامدية ليست بدعا من أماكن أخرى داخل مصر في دول عدة حتى في السعودية، وبصور مختلفة. ص33. ومن هنا جاءت العتبة الكبرى لتعبر عن مضمون العمل الروائي برمته.

أما الرواية فقد جاءت بدون تقديم ولا إهداء بطريقة مباشرة لكن المؤلف راح يعبر عن مراميه وأهدافه من خلال اللقاءات والندوات التي عقدت احتفاء بها. فقال عنها: "رسالة الرواية هي إدانة الشعارات الزائفة التي يتغني بها البعض في وطننا العربي، وتأتي ممارستهم مخالفة لهذه الشعارات، وفضح هذا التناقض بين الظاهر والباطن، الذي يتضح أكثر في ظاهرة زواج المسيار الذي تدور حوله الرواية، فيحرمه البعض في الظاهر ويمارسه في الباطن، ويكون ضحاياه بنات الطبقات الفقيرة والمهمشات، وما ينجم عن هذه الظاهرة من كوارث تهدد نسيج المجتمع"

الشدوي كاتب نخبوي لا يفهمه إلا النخبة وقد يجد القارئ غير النخبوي مشقة أو بمعنى أدق وأرقى قد يبذل جهداً لفهم بعض المفردات العربية التى تضمنتها الرواية التى مزجها باللغة العربية والخليجية وبعضا من المصرية .أما د. حسام عقل  الناقد الأدبي قال عن الرواية إن أحمد الشدوي كاتب شامل وليس نخبويا وأكد أن الرواية بها بعض من السيرة الذاتية للكاتب وأنه كاتب مشاكس يشاكس القارئ منذ البداية وفي  الشبورة حاول أن يكتشف نمطاً من البشر يفكر  بطريقة أخرى  ويتصرفون أيضاً بطريقة أخرى وأشاد بقدرة الكاتب على استصفاء اللغة.

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة