طارق الزيات
طارق الزيات


«أيام الأستاذ عادي2» قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات

صفوت ناصف

الثلاثاء، 01 أغسطس 2023 - 11:27 ص

 الحلقة الثانية

ألفان وخمسمائة جنيه ، هذا هو أول مرتب يتقاضاه، المرتب الإجمالي في حدود ثلاثة آلاف جنيه ولكن هذا قبل خصم الضرائب والتأمينات، قال له رئيس القسم إن مرتبه سيزيد مع العلاوات وأن الأمور ستتحسن، شكره ومضى في طريقه، لم يفكر كثيراً في المرتب، هو يعيش مع والده الذي يتكفل بالطعام والشراب ومصاريف الحياة بصفة عامة، قبل أن يلتحق بالعمل كان ينقده ألف وخمسمائة جنيه كل شهر كي ينفق منها، هل سيستمر في إعطائه هذا المبلغ، الله أعلم.

 

قضى رحلته في الأتوبيس، وفي الطريق إلى المنزل توقف عند مخبز افرنجي واشترى نصف كيلو من البسبوسة، أحب أن يبهج قلب أبيه ويشتري له شئ يحبه من أول مرتب، فضل ألا ينام اليوم، سوف يعد بعض الطعام ريثما يعود والده، لا يتأخر الرجل إلا عندما يكون لديه عمل بعد انتهاء أوقات عمله الرسمية، في الغالب سيعود في موعده ما دام لم يخبره من الليلة الماضية أنه سيتأخر.

 

فتح الثلاجة، وجد حلة الفاصولية البيضاء التي طهتها لهم شقيقته منذ ثلاثة أيام، شقيقتيه يتبادلن الأدوار سوياً حيث تأتي واحدة منهن كل أسبوع لتطهي وجبتين أو ثلاثة وباقي الأيام تقضى ببعض أقراص الطعمية أو الفول وأحياناً نادرة علبة تونة تؤدي الغرض.

 

أعد بعض السلاطة من الطماطم والبصل وبعض الجرجير، لم يجد شيئاً آخر ليضيفه على السلاطة، تقطيع السلاطة مزعج بسبب يد السكين المكسورة ولكن ها هو قد انتهى منها، قبل الموعد المعتاد لوالده، وضع حلة الفاصوليا على النار، وأخرج رغيفين من الخبز البلدي من الكيس البلاستيكي المعلق في حائط المطبخ، قلب الرغيفين في يده، كانا أشبه بأقراص الطعمية، تنهد ثم أخرج رغيفاً آخر.

 

لم يخلف الوالد موعده، دخل وهو يلقي السلام فبادره بخبر قبض المرتب، انفرجت أسارير الرجل وربت على كتفه ودعا له  الله  بسعة الرزق، توضأ الرجل للصلاة وما أن انتهى حتى وجد طاولة الأنترية عليها طبق الفاصوليا وطبق السلاطة فجلسا سويا وسميا للطعام.

 

قال لوالده من الجيد أنه عاد اليوم مبكراً، ابتسم الرجل وهز رأسه بالنفي، قال إن اليوم الذي يعمل فيه بعد الظهر هو الخير كله، المصاريف كثيرة والبنتان يتلقيان منه مساعدة شهرية فأزواجهن رقيقي الحال، عرض أن يأخذ والده مرتبه فرفض وقال له فلتدخره وتنفق من المبلغ الذي أعطيه لك، أريد أن أزوجك.

 

تعجب من حديث والده وهو لا يستطيع أن يستأجر غرفة، فأخبره أنه يجب أن يتزوج في الشقة معه، الشقة غرفتين وصالة والوالد لا يمانع أن يزوجه في غرفة منهما، قال لوالده أنه لا يقبل أن يدخل عليه فتاة لا يعرف أتراعيه أم لا، كما أن البنات الآن لا يقبلن هذه الأوضاع، فطمأنه الرجل أن هناك من يطلبن الستر والحياة في كنف رجل طيب يحفظ الأمانة وأن هذه الصفات مزروعة فيه، دمعت عين الرجل وهو يقول له أن كل ما يمزق قلبه ويثير شجونه أن والدته لن تعيش هذه اللحظة التي تمنتها طوال حياتها منذ رزقت به بعدما انجبت ابنتيها.

ربت على كتف والده وقبل رأسه وقال له أنه أحضر له البسبوسة التي يحبها من أول راتب، ابتسم الرجل ومسح دمع عينيه ومد يده وتذوقها وقال له أحببتها لأن أمك كانت تحبها والآن طعمها أحلى لأنها منك يا ولدي بارك الله فيك.

 

في المساء خرج بعض الوقت كي يتنسم الهواء، الشقة مكتومة والحرارة مختزنة في حوائطها تبث لهيباً لا تقوى عليه المروحة، ذهب إلى القهوة حيث يجلس فيها عادة بعض من أقرانه ربما وجدهم هناك، لم يجد أحداً منهم، طلب كوبا من الشاي وأمسك هاتفه المحمول يقلب فيه، طالع بعض أخبار الرياضة، يحب كرة القدم لكن لا يتحدث عنها مع أصدقائه حتى يتجنب المشاحنات، تابع بعض المواقع على التيك توك، يشعر أنه أدمنه خاصة مقاطع الفتيات اللاتي يظهرن ويرقصن عليه، أحياناً يخجل من نفسه ويقرر أن يمتنع عن مشاهدة هذه المقاطع وكثيراً ما تغلبه غريزته فيبحث عنها،

تذكر هنا حديث والده عن الزواج، الزواج حل معقول ولكن كيف، عرف الحب في حياته مرة وتحطم الحب عندما وجدت أول عريس جاهز، ربما هذا لم يكن حبا، على الأقل من جانبها، وربما من جانبه أيضا، لم يشعر أبداً بتلك الصدمة واللوعة التي يشعر بها الشباب، ربما لأنه يعلم أن الزواج بها كان مستحيلاً بسبب الظروف المادية.

 

قضى ساعتين ولم يأت أحد، حاسب على كوب الشاي ثم انصرف، عاد إلى المنزل وفتح التليفزيون، وجد فيلم الممر يعرض على التيفزيون، أحضر قطعة بسبوسة والتهمها بسرعة وشرب كوباً من الماء، أغنية الفيلم أوجعته وأبكته، أغلق التلفزيون ومسح دموعه وذهب بسرعة إلى غرفته وتخفف من ملابسه العلوية وفتح هاتفه وذهب بسرعة إلى مواقع الفتيات على التيك توك.

يتبع


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة