أحمد الإمام
أحمد الإمام


عصير القلم

‎الأخلاق لا تسقط بالتقادم

أخبار الحوادث

الأحد، 06 أغسطس 2023 - 12:23 م

‎‭..‬هل‭ ‬تسقط‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬النبيلة‭ ‬والتقاليد‭ ‬السامية‭ ‬بالتقادم‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬صالحة‭ ‬للتداول‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان؟‭!‬

‎الاجابة‭ ‬المنطقية‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬القيم‭ ‬الاخلاقية‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬بالتقادم‭ ‬أبدا‭ ‬ومعاييرها‭ ‬راسخة‭ ‬لا‭ ‬تتغير،‭ ‬فالاخلاق‭ ‬ليست‭ ‬موضة‭ ‬تظهر‭ ‬وتختفي‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬لأخرى‭ ‬مثل‭ ‬الملابس‭ ‬وتسريحات‭ ‬الشعر‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬صفات‭ ‬متجذرة‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬تغرس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬انسان‭ ‬منذ‭ ‬مولده‭ ‬وتلازمه‭ ‬حتى‭ ‬رحيله‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭.‬

‎ولكن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬العقل‭ ‬والمنطق‭ ‬يؤكدان‭ ‬أن‭ ‬الاخلاق‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭ ‬ولا‭ ‬تتبدل‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬الازمنة‭ ‬والأمكنة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬يؤكد‭ ‬اننا‭ ‬فقدنا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يميزنا‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬أخلاقية‭ ‬نبيلة‭ ‬وتقاليد‭ ‬اجتماعية‭ ‬راقية‭.‬

‎لم‭ ‬نعد‭ ‬نتمسك‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬اجمل‭ ‬صفاتنا‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تميزنا‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭.‬

‎كنا‭ ‬نحترم‭ ‬الكبير‭ ‬ونوقره‭ ‬ولا‭ ‬ندخل‭ ‬في‭ ‬جدال‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬أكبر‭ ‬منا‭ ‬سنًا‭.‬

‎لم‭ ‬يكن‭ ‬مسموًحا‭ ‬لأحد‭ ‬بزيارة‭ ‬أقرب‭ ‬الأقارب‭ ‬بدون‭ ‬موعد‭ ‬سابق‭ ‬أو‭ ‬اتصال‭ ‬تليفوني‭ ‬مسبق‭.‬

‎كنا‭ ‬نقف‭ ‬احترامًا‭ ‬إذا‭ ‬مر‭ ‬بنا‭ ‬أحد‭ ‬جيراننا‭ ‬احترامًا‭ ‬لسنه‭ ‬ومكانته‭.‬

‎كان‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬ان‭ ‬تجد‭ ‬شابا‭ ‬جالسًا‭ ‬في‭ ‬الاتوبيس‭ ‬أو‭ ‬الترام‭ ‬وأمامه‭ ‬يقف‭ ‬رجل‭ ‬عجوز‭ ‬أو‭ ‬امرأة‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬سنها‭.‬

‎كان‭ ‬من‭ ‬الكبائر‭ ‬أن‭ ‬يلمح‭ ‬والدك‭ ‬علبة‭ ‬السجائر‭ ‬في‭ ‬جيبك‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تزوجت‭ ‬وأنجبت‭ ‬وصرت‭ ‬أبا‭.‬

‎لم‭ ‬يكن‭ ‬مسموحا‭ ‬لأي‭ ‬شاب‭ ‬أو‭ ‬رجل‭ ‬بالخروج‭ ‬الى‭ ‬البلكونة‭ ‬وهناك‭ ‬جارة‭ ‬تنشر‭ ‬الغسيل‭ ‬على‭ ‬الحبال‭.‬

‎كنا‭ ‬نبادر‭ ‬بحمل‭ ‬الشنط‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭ ‬أي‭ ‬جارة‭ ‬أثناء‭ ‬عودتها‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬ولا‭ ‬نتركها‭ ‬إلا‭ ‬أمام‭ ‬باب‭ ‬شقتها‭.‬

‎عند‭ ‬حدوث‭ ‬حالة‭ ‬وفاة‭ ‬قديما‭ ‬كان‭ ‬الشارع‭ ‬بأكمله‭ ‬يعلن‭ ‬الحداد‭ ‬وتغلق‭ ‬التليفزيونات‭ ‬ولا‭ ‬يعمل‭ ‬الراديو‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬اذاعة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬فقط‭ ‬،‭ ‬وكانت‭ ‬تؤجل‭ ‬الأفراح‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاربعين‭ ‬وبعد‭ ‬استئذان‭ ‬أسرة‭ ‬المتوفي‭.‬

‎لم‭ ‬نكن‭ ‬نسمع‭ ‬الالفاظ‭ ‬البذيئة‭ ‬التي‭ ‬يرددها‭ ‬الشباب‭ ‬الآن‭ ‬وتخترق‭ ‬النوافذ‭ ‬الى‭ ‬داخل‭ ‬البيوت‭ ‬لتخدش‭ ‬حياء‭ ‬الكبير‭ ‬والصغير‭.‬

‎حتى‭ ‬اللصوص‭ ‬ومعتادي‭ ‬الإجرام‭ ‬كانوا‭ ‬يمتلكون‭ ‬قدرًا‭ ‬من‭ ‬النخوة‭ ‬والشهامة‭ ‬ويرددون‭ ‬دائما‭ ‬‮«‬الحرامي‭ ‬ما‭ ‬يسرقش‭ ‬في‭ ‬حارته‮»‬‭.‬

‎كنا‭ ‬نتزاور‭ ‬في‭ ‬الاعياد‭ ‬والمناسبات‭ ‬الدينية‭ ‬ونتبادل‭ ‬اطباق‭ ‬الحلوى‭ ‬مثل‭ ‬العاشورة‭ ‬والكنافة‭ ‬وغيرها‭.‬

‎كان‭ ‬من‭ ‬العار‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬عينيك‭ ‬الى‭ ‬شقيقة‭ ‬صديقك‭ ‬أو‭ ‬زوجة‭ ‬جارك‭ ‬أثناء‭ ‬مرورها‭ ‬في‭ ‬الشارع‭.‬

‎كنا‭ ‬نبدأ‭ ‬حوارنا‭ ‬بعبارة‭ ‬‮«‬لو‭ ‬سمحت‮»‬‭ ‬وكنا‭ ‬ننهيه‭ ‬بجملة‭ ‬‮«‬‭ ‬بعد‭ ‬إذنك‮»‬‭.‬

‎أين‭ ‬اختفت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬الجميلة‭ ‬ولماذا‭ ‬توارت‭ ‬خلف‭ ‬ستائر‭ ‬النسيان‭ ‬وأصبحت‭ ‬مجرد‭ ‬اكليشيهات‭ ‬قديمة‭ ‬أصابها‭ ‬الصدأ‭ ‬واعتلاها‭ ‬التراب‭.‬

‎الطيبة‭ ‬أصبحت‭ ‬عبط‭ ‬،‭ ‬والتسامح‭ ‬صار‭ ‬ضعفًا‭ ‬،‭ ‬والترفع‭ ‬عن‭ ‬الصغائر‭ ‬أصبح‭ ‬خضوعًا‭ ‬وسلبية‭.‬

‎اختلت‭ ‬المعايير‭ ‬وانقلبت‭ ‬الآية‭ ‬وأصبح‭ ‬الميزان‭ ‬مائلا‭ ‬بشدة‭ ‬نحو‭ ‬الفوضى‭ ‬والعشوائية‭.‬

‎العودة‭ ‬للأخلاق‭ ‬والقيم‭ ‬النبيلة‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تحرك‭ ‬واسع‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬مرورًا‭ ‬بالمسجد‭ ‬والكنيسة‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بالمدرسة‭.‬

‎يجب‭ ‬أن‭ ‬نثبت‭ ‬للأجيال‭ ‬الشابة‭ ‬اننا‭ ‬كنا‭ ‬أمة‭ ‬تتباهى‭ ‬بها‭ ‬الأمم‭ .. ‬ونثبت‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬الاخلاق‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬أبدًا‭ ‬بالتقادم‭.‬

‎الاخلاق‭ ‬ستظل‭ ‬دومًا‭ ‬عملة‭ ‬قابلة‭ ‬للصرف‭ ‬وصالحة‭ ‬للتداول‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العصور‭.‬


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة