قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات
قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات


«أيام الأستاذ عادي 5» قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات

صفوت ناصف

الإثنين، 14 أغسطس 2023 - 08:10 م

تغير الوضع في المكتب وأصبح هناك من يهتم بأمره، بسبوسة تزور المكتب كثيراً بلا أي حجة، لقد أصبح الأمر عادي، بسبوسة جمعت بين الشقاوة اللطيفة وطيبة القلب، لم يفتها أن تحضر له بعض الساندوتشات في الصباح كي يتناول إفطاره وينوع فيه بدلاً من ساندوتش الجبنة البيضاء التي لا يتغير، وكموظفة مصرية أصيلة تحتفظ بسخان شاي في المكتب، سوف يتناول الكثير من الشاي من يد بسبوسة، لم يكن يطلب الشاي من البوفيه حتى يوفر المال، الآن قرر أن يحضر باكو شاي كبير يضعه عندها في مكتبها، فريال تنظر بعطف وحب له ولبسبوسة عندما تأتي إليه بالساندوتشات والشاي وتدعو لهما بالسعادة ورئيس القسم يضحك قائلاً لبسبوسة إنها لا تتذكرهم بكوب من الشاي، وترد فريال قائلة إلا صحيح يا بت يا مضروبة أنت مش تخلي عندك شوية دم، بسبوسة تقبل فريال وتعدها هي ورئيس القسم بشاي معتبر.

 

لم يمر أكثر من شهر منذ الخطوبة حتى ألقى عليه رئيس القسم تحية الصباح وقال له أبشر يا سيدي فقد تم تطبيق زيادات الموظفين، ألم أقل أن مرتبك سوف يزيد، تساءل في لهفة عن الزيادة فقال له أربعمائة جنيه بعد خصم الضرائب والتأمينات، تحمد لله فقد أصبح راتبه ثلاثة آلاف جنيه، قالت له فريال إن بسبوسة وش الخير، فقال لها أنها هي الخير والبركة ولولاها لما استطاع أن يفكر في الزواج.

 

قرر والده بياض الشقة كلها وتركيب قيشاني في الحمام وتغيير قاعدة التويلت وتركيب دش جديد، خشي على والده من المصاريف ولكن الوالد قال له إنها لن تكلف شيئاً لأنه سيشتري المستلزمات من سوق السيراميك الذي يبيع الفرز الثاني وهو سيتكفل بعمل كل شئ، والبياض سوف يقوم به الأسطى سمير زميله في المصلحه ولن يكلفهم سوى المون، الأسطى سمير قال إن هذه هي مساهمته في زواجه ورداً لجميل والده الذي أسس سباكة شقة ابن الأسطى سمير، قال الوالد أهي كل حاجة بتتيسر عادي.

 

قالت له بسبوسة إن والدها سيتكفل بتنجيد الأنتريه الذي في منزل والده وسوف يجدد دهانه، وأنه سيشتري بعض أدوات المطبخ ومروحة لغرفتها في منزلهم، قال لها إنه سيتكفل بهذه الأشياء فضربته ضربة خفيفة على صدره قائلاً إنها تعرف أنه يضع كل مرتبه في الجمعية، ولابد أن كون قد انتهى منها قبل الزواج حتى لا يحتاج إلى المساعدة.

 

سألها عن شراء غرفة النوم، فقالت له إن أمها ستحدد موعد للذهاب إلى المناصرة ويعاينوا الأثاث هناك ويشتروا الخشب وبعد ذلك مسألة تلميعه وتنجيده تتدبر عادي يعني، قال لها إنه أدخر منذ الخطوبة ألفي جنيه وسوف يأخذ من والده مبلغ إضافي لشراء الغرفة وبعد ذلك كلما تجمع معه مبلغ سوف يجهزها به من تلميع وتنجيد، فقالت له أنه لا توجد مشكله والدي سينجد الغرفة، كل حاجة واحدة واحدة عادي.

لم يكن يرى بسبوسة إلا في المصلحة ويوم الجمعة عندما يزورها في منزلها ويلتقي بالأستاذ عبد السلام و زوجته وعائلته، كان عبد السلام يرى فيه شاباً طيباً مسالماً، أحب فيه وداعته وهدوءه، والدة بسبوسة قالت له أن يحضر الجمعة القادمة على الغداء بدلاً من زيارته المسائية، تمنع وقال أنه لا داعي للتعب ولكن الأم صممت على طلبها وأكد عبد السلام عليه  فانصاع لهما.

ذهب يوم الجمعة ومعه كيلو بسبوسة وجلس مع الأستاذ عبد السلام وابنه بينما بسبوسة وأمها وشقيقاتها يعدون الغداء، سأله عبد السلام عن شراء غرفة النوم فقال له إن المبلغ سيكتمل معه الجمعة القادمة فقال له الرجل على خيرة الله، غرفت الأم طبق لكل فرد به أرزأبيض وثلاثة أصابع كفته بالدمعة وبعض السلاطة وأخذ كل واحد طبقه وتناولوا طعامهم وهم جالسون على الأنتريه، أثني على الطعام وقال لحماة المستقبل إنه لم يذق طعام كهذا منذ توفت والدته فدعا لها الجميع بالرحمة.

 

عند شراء غرفة النوم استقر رأي بسبوسة ووالدتها على شراء سرير 160 ودولاب ضلفتين فقط حتى تتسع لهما الغرفة، كان السرير والملة والدولاب قد استنفذا الستة آلاف جنيه الذين كانوا معه بعد أن فاصلت والدة بسبوسة وخفضت المبلغ ألف وخمسمائة جنيه حتى أن البائع قرر أن يبيع لها بأي سعر حتى ينتهي من الجدل معها، صمم هو على شراء تسريحة لبسبوسة وطلب من الرجل أن يحتفظ بالمشتريات كلها حتى يأتي إليه بعد يومين ويدفع المبلغ كاملاً... كان الراتب سيودع في حسابه بعد ثلاثة أيام.

 

حمل غرفة النوم مع التسريحة على سيارة نصف نقل بعدما دفع ألف جنيه فرق سعر التسريحة وتوجه إلى ورشة الإستورجي التي تقع في حارة صغيرة خلف منزلهم، لم يعجبه حديث الأستورجي الذي قال له أن دهانها سوف يتكلف مبلغ أكثر من المعتاد لأن شغل الغرف ليس مضبوطاً وتحتاج إلى جهد كبير، لم يجادل معه و قال له أنه سيترك الاتفاق لوالده الذي سيمر عليه آخر النهار.

كان كل شئ يتجهز بسرعة والأيام تجري ووالده ينجز الكثير من الأعمال في الشقة وقارب على الانتهاء من توضيبها، فاجئهم الأستاذ عبد السلام بشراء دولاب للمطبخ بدلاً من النملية المتهالكة الموجودة منذ زواج والده بوالدته، كان بالمطبخ متسع للدولاب، ورفض الوالد أن يلقي النملية لأنها من جهاز المرحومة وعزيزة على قلبه.

 

تحدد موعد الفرح بعد شهر حتى تتجهز غرفة النوم بسبب تأخر الأستورجي في دهانها، وكانت أعمال التنجيد تتم في بير سلم منزله لغرفة النوم والأنتريه بعدما أرسل الأستاذ عبد السلام المنجد واتفق معه على كل شئ.

 

عرفت فريال بالموعد فدارت على كل زملائها في القسم وأخبرتهم بالموعد وسألت إن كان هناك من يريد أن يجامل في زواج الواد الغلبان كما تسميه في غيبته وبسبوسة، رحب الجميع وقرروا أن يجمعوا النقطة له قبل الفرح بأسبوع حتى يستطيع أن يستكمل ما ينقصه.

 

كانت فريال قد قامت بنفس الشئ في القسم عند بسبوسة ورحب الجميع وقال أحدهم إنها ابنتهم ونالتها دعوات كثيرة، تأثرت فريال ودعت لهم بالستر وقالت إنها تعرف ظروفهم لكن أقل القليل بيساعد فرد عليها الجميع ... لا والله عادي يعني.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة