قصة قصيرة للكاتب عصام قابيل
قصة قصيرة للكاتب عصام قابيل


«الميكروسكوب» قصة قصيرة للكاتب عصام قابيل

صفوت ناصف

الأحد، 27 أغسطس 2023 - 07:44 م

اقتربت في خطوات ثقيلة من سكرتيرة المختبر وهمست بصوت خافت:

- "عسران مظلوم" من فضلك عاوز استلم نتائج التحليل اللي عملتها من يومين.

 : من فضلك استريح شوية  

 جَلستُ أنتظر في الاستراحة وقد اعتصر الحزن قلبي وكأنني استنشق غماً، فكيف أجبرتني حالتي النفسية على الفرار من بلدي وترك بيتي وحياتي التي تعودت عليها وعشرة السنين وقررت السفر.

لم يكن لي هدف سوى الخروج من هذا السجن الرهيب الذي صُنعت قضبانه من فولاذ بيد كل المقربين لي.

لم تعُد لي طاقة ولا مقدرة على الاستمرار في هذا الكبت المقيت.

وبينما أفكر في تلك النتائج التي وصلت لها محاولاً البحث في المقدمات عساني أجد سبباً، ولم أجد وقعت عيناي على باب حجرة المختبر موارباً ولفت نظري كثرة الحركة والتفاف بعضهم حول الميكروسكوب وهم يتهامسون في دهشة ويقربون رؤوسهم تارة ويبعدون عنه تارة أخرى، دققت النظر بإمعان شديد فوجدت زوجتي وصديقي المقرب وأحد الجيران داخل هذا المشهد، ولم أصدق نفسي، ما الذي أتى بزوجتي وقد تركتها في البيت بعد مشادة كبيرة بيننا، وما الذي جمعها مع صديقي وجاري؟

 

وكاد عقلي يطير من هول المفاجأة وبفضول شديد مشوب بالحذر اقتربت من المقاعد إلى جوار الحجرة حتى أستطيع أن أرى بوضوح ماذا يحدث في الداخل ويالعجب ما رأيت!!!

وجدتهم وقد اجتمعت الرؤوس مرة واحدة على الميكروسكوب ثم يمسكون بشيء ويلقونه في سلة المهملات بجوار الباب ثم يكررون المشهد مرة أخرى ثم يلقون بشيء في السلة

اتسعت ضلوعي وكاد قلبي يسقط خارجها من فرط الفضول والذهول معاً، اقتربت بشدة من الباب وبجرأة تلبس ثوب الحذر مددت يدي داخل السلة في مغامرة كبيرة أحاول أن أرى ماذا يلقون.

ما هذا؟ شرائح زجاجية رقيقة مما توضع عليه العينات تحت الميكروسكوب لفحصها

وملصق بها شريط كُتب عليه شيئاً، وبسرعة قرأت ما على كل شريحة

وجه عسران مظلوم

أنف عسران مظلوم

فرح عسران مظلوم

حزن عسران مظلوم

أصابتني غُصة لم أشعر بمثلها قط وانفعلت فألقيت بالشرائح في السلة بعصبية فأحدثت صوتاً فانتبهوا جميعهم وإذا بهم يمرقون نحوي كالسهام

والتفوا بي يجروني للداخل وأنا أصرخ بصوت عالي، وفجأة سمعت أحدهم يلبس بالطو أبيض ملطخ بالدماء يقول:

جهزوا العمليات.

ارتعدت أوصالي وأصبح لأسناني صوت مسموع من الرعشة.

أدخلوني بسرعة وبدون تخدير وجثموا على صدري يشقونه وقد أخرس الصراخ لساني وأنا أمزق الثياب والأغطية بأسناني من شدة الألم

انتزعوا قلبي وهو يقطر دماً يتذبذب سقوطه من صراخي الرهيب وإذا بهم يضعونه تحت الميكروسكوب أيضاً وهم يتضاحكون بصوتٍ عالي:

قلب عسران مظلوم.

قلب عسران مظلوم.

وشعرت بيدٍ تربت على كتفي في حنو وسمعت من يناديني:

يا أستاذ يا أستاذ

كان منحنيا أمامي، حملقت في وجهه وفي وجه أنثوي يقف إلى جواره ووجدتهم يرددون:

مالك مالك مخضوض ليه كده يا استاذ، بينادوا عليك علشان تستلم التحاليل بتاعتك.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة