أحمد بهاء الدين يتحدث لمجلة «الشرطة»
أحمد بهاء الدين يتحدث لمجلة «الشرطة»


كنوز| «بهاء» صاحبة الجلالة يفتح صندوق ذكريات الطفولة والمجد

عاطف النمر

الأربعاء، 30 أغسطس 2023 - 09:03 م

عندما نحتفى بإحياء الذكرى 27 لرحيل «بهاء» صاحبة الجلالة الصحافة الشهير بالكاتب السياسى الرصين «أحمد بهاء الدين»، تذهب الذاكرة لاستدعاء الحوار الذى فتح فيه صندوق ذكرياته للإعلامى عبد المنعم معوض عندما كان مديراً لتحرير مجلة «الشرطة».

معرفة البدايات والمناخ الذى يحيط بميلاد ونشأة أى شخصٍ فى مجال الكتابة والإبداع يعطينا صورة عن خلفية هذا المبدع ومكوناته، وعندما سألنا كاتبنا الكبير عن بداياته قال : 

وُلدت بعد أربع بنات ومن عادة الأسرة المصرية أن يحظى الولد برعاية مبالغ فيها عن البنت ، وبصفتى الولد الوحيد كانت الرعاية مبالغة فيها لدرجة تشبه الوصاية المطلقة، فلم  أمارس فى طفولتى أى شيء مما كان يمارسه الأطفال فى سنى، لم ألعب الكرة فى الشارع، لم أركب دراجة، وهذا ما جعلنى إنساناً منطوياً، وربما هذا هو ما دفعنى إلى القراءة ، لكن الانطواء أثر فى حياتى بشكل سلبى، وحدث ما زلزل كيانى عندما توفيت والدتى وعمرى أحد عشر عاماً فتحطم عالمى فجأة وأصبحت أكثر انطواء على نفسى، أصبحت شخصاً غير اجتماعى رغم أننى دخلت مهنة من طبيعتها أن تتعرف على الناس وتحتك بهم، وبلا شك إننى تغيرت ولكن ظلت هذه الصفة ملتصقة بى وكنت أعانى منها !

سألته إن كانت والدته هى التى دفعته إلى القراءة والصحافة فقال : 

لا أعتقد ، أمى لم تكن حددت لى مستقبلاً ، كانت شديدة الحرص على ابنها الوحيد، وهى لا تدرى أن هذا الحرص المُبالغ فيه كان يقيد حركتى، كنت أظل جالساً فى البيت ولا أجد عوضاً فى وحدتى سوى القراءة ، ولا أقول إن فى ذلك فضيلة، وقد فعلت عكس ذلك مع أولادى ، وتركت لهم تحمل المسئولية ، وأن يكون لهم حرية فى الحركة ، وأقبل المخاطرة أحياناً بالنسبة لهم ، صحيح كسبت فى طفولتى القراءة لكنى فقدت أشياء أخرى كثيرة ! 

وعن سبب اختياره لدراسة القانون بكلية الحقوق يقول : 

كان معروفاً فى ذلك الوقت أن كلية الحقوق هى كلية السياسة، لكننى لم أدخل كلية الحقوق رغبة فى العمل بالسياسة ، والدى كان يتمنى أن أكون محامياً لأنه كان يعتقد أنها المهنة الوحيدة التى تحقق الاستقلالية للإنسان لأنه كان يكره فكرة أن أصبح موظفاً حكومياً، ودراسة القانون فى الحقيقة مفيدة جداً لأنها تمنح التفكير نوعاً من النظام والترتيب والمنطق ، وسُئلت كثيراً عن عدم اشتغالى بالمحاماة وكنت أوضح أنها مهنة تتطلب صفاتٍ ليست متوافرة عندى نظراً لتربيتى فى الطفولة ، والمحامى لابد ان يتعامل مع الزبائن من كل الأطياف وصولاً للقاتل والسارق ، ولابد أن يجيد المرافعة فى المحكمة والتفاوض فى الأتعاب  وهذا لم يكن متوافراً عندى. 

سألته إن كان قد أحب دراسة القانون بالفعل أم كان مضطراً لدراسته فقال : 

أحببت فى دراستى للقانون بما يسمى بالقانون العام ، أى فلسفة القانون ، الاقتصاد ، والقانون الدولى ، كلها كانت تستهوينى أكثر من القانون المدنى أو الجنائى ، والإجراءات الجنائية. 

وعما فعله بعد تخرجه وامتناعه عن ممارسة المحاماة يقول كاتبنا الكبير : 

- عملت بالنيابة الإدارية ثلاث سنوات ، ثم عملت فى مجلس الدولة وفى هذه الفترة تعلقت بفكرة الكتابة ، أى مزاولة السياسة عن طريق الكتابة التى دخلت بها لعالم الصحافة من باب كتابة المقال مباشرة ، وبدأت أكتب فى مجلة شهرية بعنوان «الفصول» لصاحبها الكاتب الكبير محمد زكى عبد القادر، وقد يدهشك أن أول شيء خطر لى أن أصبح رساماً ، وأتذكر أننى رسمت فى المدرسة محمد على باشا واكتشفت أننى لست رساماً وتخيلت أننى شاعر وظللت لسنين أكتب ما أعتقد أنه شعر ، وأول كتب قرأتها كانت لدواوين أحمد شوقى وحافظ إبراهيم. 

وعندما سألته عن الكاتب الذى أراد أن يكون مثله .. فقال : 

 لم تكن هناك شخصية معينة ، لكنى أعجبت بالدكتور محمود عزمى الذى كان له الفضل فى تأسيس أول حزب باسم «الحزب الديمقراطى»، وشارك فى سن أول قانونٍ لنقابة الصحفيين ، وكان أدق كاتب فى مصر، وكتاباته تتسم بالدقة وتحليلاته السياسية لا مثيل لها ، واستكمالاً لسؤالك عن مشوارى مع الصحافة ، كتبت مقالاً أرسلته لمجلة «روزاليوسف» عندما أيقنت أن كتاباتى فى «الفصول» محدودة الانتشار ، ولم أكن أعرف أى أحد فى «روزاليوسف» ، لكنى فوجئت بالمقال منشوراً فى افتتاحية العدد بالصفحة الأولى فشعرت بسعادة لا تُوصف ، وتعودت أن أكتب كل جمعة مقالاً صغيراً أتركه للساعى فى «روزاليوسف» ، وفى يوم جمعة فوجئت بالساعى يقول لى إنهم فى المجلة يبحثون عنى ، وقابلنى فلسطينى يدعى عميد الإمام كان يعمل سكرتيراً للتحرير وقال لى: «نحن نبحث عنك» .

عرفنى بالسيدة فاطمة اليوسف والأستاذ إحسان عبد القدوس الذى طلب منى أن أعمل فى أى قسم بالمجلة ، و يا حبذا فى مراجعة المواد السياسية ، ومن هنا عملت فى «روزاليوسف» بجوار عملى بمجلس الدولة ، وظللت فترة على هذا الحال ، وكان للسيدة فاطمة اليوسف دور كبير فى إقناعى بالاستقالة من عملى الحكومى والتفرغ لعملى بالصحافة ، وأتذكر جيداً المقال الذى أرسلته للمجلة وأنا لا أعرف أحداً بها ونُشر بالصفحة الأولى كما قلت وكنت أناقش فيه الميزانية التى أعلنتها الحكومة فى أبريل 1952 قبل قيام ثورة يوليو ، وهاجمت الميزانية لأن أغلبها كان مخصصاً للكماليات وأدوات الترفيه والاستهلاك  ولم يكن بها أى بند من بنود الإنتاج ، وكانت كلمة الإنتاج غريبة على المجتمع المصرى فى ذلك الوقت. 

وعندما سألت كاتبنا الكبير عن مساره الصحفى بعد روزاليوسف قال: 

كلفتنى السيدة فاطمة اليوسف بإصدار مجلة «صباح الخير» التى توليت رئاسة تحريرها ، وتنقلت بعد ذلك لعدة صحف عندما توليت رئاسة تحرير «أخبار اليوم»، ثم رئيساً لمجلس إدارة «دار الهلال»، ثم رئاسة تحرير «الأهرام» ، وفى هذه الأثناء أصبت بجلطة فى شريان بالمخ أقعدتنى عن العمل بضعة شهور واستمر علاجى فترة طويلة جداً، حتى إن هذا المرض أصابنى بنوعٍ من الشلل واقتضى الأمر علاجاً طويلاً ، فسافرت للعلاج فى مستشفى البحرية بالولايات المتحدة الأمريكية، واستقلت من رئاسة تحرير الأهرام رغم إلحاح الرئيس السادات بالبقاء فيها لكننى رفضت لأن الأطباء قرروا أننى لا أستطيع أن أتحمل المجهود العصبى لإصدار جريدة يومية ، وعندما عدت من أمريكا قرر الأطباء ألا أعمل بالصحافة لمدة سنتين وأن أبعد عن التوتر، فقررت أن أترك القاهرة وأعيش فى الإسكندرية واكتفى بأن أكون كاتباً فقط فى جريدة «الأهرام» ، وجاءنى عرض من حكومة الكويت لتولى رئاسة تحرير مجلة «العربى» باعتبارها مجلة ثقافية شهرية بعيداً عن التوترات التى تسببها السياسة، وفعلاً سافرت وبعد سنواتٍ عدت إلى «الأهرام» مرة أخرى. 

داعبته متسائلاً عن سر الجدية الشديدة التى نراه بها فى الصورة التى تُنشر له فضحك وهو يشعل سيجارته قائلاً : 

هذه أيضاً من مشاكل حياتى ، أنا وُلدت رجلاً عجوزاً ، هذا ما يقوله أصدقائى القدامى ، لم أمر بمراحل الطفولة والصبا والشباب التى يمر بها الشخص عادة ، لكن ليس معنى هذا أننى « مكشر على طول» ، لى هوايات واهتمامات مثل كل الناس ، وفى سنوات كثيرة فى عملى الصحفى كنت أكتب يوميات للقراء بموضوعاتٍ خفيفة أقرب إلى الطرافة. 

عبد المنعم معوض مجلة «الشرطة» أكتوبر ١٩٨٣


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة