قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات
قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات


«أيام الأستاذ عادي7» قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات

صفوت ناصف

الخميس، 31 أغسطس 2023 - 09:00 م

الحلقة السابعة

تأثر كثيراً بكلمات والده القليلة، أمسك النقود التي تركها له، شعر أن شقاء والده يروى نبته السعادة في حياته، شعر بكثير من الحب والامتنان له بقدر ما شعر بالذنب إذ كلفه أكثر من طاقته، أطلع بسبوسة على الورقة فتأثرت كثيراً وقالت إن والده إنسان وليس كل الآباء لهم نفس الشعور، ولمحت إلى أن تركه المنزل لهما دون أن يخبرهما هو فعل نبيل ومهذب، دعا له وأمنت هي على دعائه.

في المساء أحضرت لهما شقيقته الكبرى دجاجة محمرة ومحشي ورق العنب، بينما حضرت والدتها ومعها الأستاذ عبد السلام وقد جلبا معهما كيلوين من اللحم ودجاجتين وبعض تموين البيت كي لا يحتاجا إلى شراء أي مستلزمات للبيت في أيامهم الأولى بالمنزل.

اختلت بها والدتها في غرفة النوم وسألتها أسئلة صريحة، ضاق صدر بسبوسة بالأسئلة وقالت لها اطمني ولا يوجد تفاصيل كي أقصها عليك، خبطتها أمها خبطة خفيفة على كتفها وقالت إن من حقها أن تطمئن عليها وتطمئن أنها ستحظى بحفيد، فقالت بسبوسة إن الوقت لازال مبكراً على هذا الكلام.

مضت الأيام العشرة بسرعة وأصبحت العودة للعمل ضرورة، كان يوم العودة للعمل هو اليوم الأول للخروج من المنزل منذ أن دخلاه ليلة الزفاف، أعدت بسبوسة كوبي شاي بلبن ووضعت بعض البسكوت والكحك الذي قدمه بعض الزائرين لهما بمناسبة الزفاف وكان هذا إفطارهما في أول يوم عمل.

أخذت بسبوسة كمية من الكحك والبسكوت كي تقدمها لزملائها وقالت إنهما لن يستهلكا هذه الكمية ومن الأفضل أن يدعيا زملائهما لتناولها وذكرتهم جميعاً بخير بينما هو سعيد بما تفعله، وشعر إن بسبوسة لديها وعي وإدراك أكثر منه وأنها تجيد التعامل مع الناس، وأحس أنه متأخر عنها في هذه النقطة لأنه يشعر بفضل من حوله ولكنه يفشل في التعبير عما بداخله من شعور طيب ناحيتهم.

دخلا سوياً مكتبه حتى يكون أول من يلتقوا بها مدام فريال، قام الموظفون كلهم للسلام عليه وتحية مدام بسبوسة وكان سماعها لاسمها مقترن بكلمة مدام مصدر سعادة كبيرة لها، مالت على فريال التي لا تستطيع أن تقوم بسهولة من المكتب وقبلتها وقالت لها إنهما لم يكفا عن ذكر سيرتها الطيبة طوال المدة الماضية، ضحكت فريال وقالت لها يا بكاشة تفتكري مين يا عفريتة هتضحكي عليه، ربنا يهنيكي ويسعدك يا بت يا بسبوسة، ها! الواد أخباره إيه، ضحكت بسبوسة وقالت لها يعني أخلص من أمي تسأليني أنت كمان يا ست الكل، قالت لها لازم أطمن، فردت عليها وقالت اطمني.

لم يبق أحد في الدور الذي يقع فيه مكتبه ومكتب بسبوسة إلا وناله نصيب من الكحك والبسكوت، وقد انتفع عامل البوفيه جيداً بعد أن طلب العديد من الموظفين الشاي كي يشربوه ويسقوا فيه البسكوت تحديداً.

انقضى اليوم ونزلا سوياً وقالت له كما جئنا بالميكروباص سنعود بالميكروباص، وافقها وقال إنه لا يمكن أن يبهدلها في المواصلات، ذهبا إلى الموقف وقفز بخفة في أول سيارة محتجزاً الكرسيين بجوار السائق وجعلها تركب بجوار الشباك، عندما نزلا مر بعربة فاكهة فاشترى كيلو من الموز، فقالت له  أحضر كيلو برتقال لأجل عمي سيكون موجوداً اليوم، دخلا المنزل وكان والده جالس في انتظارهما وما أن دخلا حتى جرت عليه بسبوسة وقبلت وتحمدت له على سلامة الوصول وأقبل هو بعدها على والده يقبله ويقبل جبينه ووالده يربت على كتفه.

دخلت بسبوسة بسرعة إلى المطبخ وهي تقول ساعة زمن ويتجهز الطعام، قال والده أنه لا داعي لتعبها ويمكن تقضيتها بأي شئ عادي، فقالت له مفيش تعب فأنا متعودة على وقفة المطبخ عادي، جلس الجميع على الطعام، فأثنى الوالد على طعامها ودعا لها، وقام هو معها ورفع السفرة فقالت له أخرج إجلس مع والدك وتحدثا سوياً واطمئن على أحواله ريثما أعد لكما الشاي، فخرج من المطبخ وفعل ما قالته له، وسأل والده عن حاله فقال له أن بخير وكل شئ عادي وأنه فرحان بزواجه وأن بسبوسة بنت حلال وإنه سعيد أنه وفق في الزواج منها.

وضعت بسبوسة الشاي وأخذت كوبها وقالت إنها ستدخل غرفتها حتى يأخذا راحتهما في الكلام فقال والده إنهما مرتاحان وإنه لا يوجد كلام سرعليها وإن كلامهما عادي وأصر عليها أن تجلس وتشاركهما الحديث، وبعدما انتهوا من الشاي قال الوالد أنه سيدخل غرفته كي يستريح بعض الوقت بعدما أجهد في السفر وقالا له إنهما سيرتاحان أيضاً في غرفتهما.

دخل هو تحت اللحاف وقبل أن يغمض عينيه قفزت هي إلى جواره وقالت له إنها تريد أن تتكلم معه كلمتين، فقال لها إنهما يمكنهما أن يتحدثا بعدما يستيقظا، فأصرت أن تتحدث معه قبل أن ينام، اعتدل وجلس مستنداً بظهره إلى ظهر السرير وقال لها ما الأمر، قالت إنه اليوم يستطيع أن يرتاح لكنه لا يجب أن يقضي كل يوم بعد العمل في المنزل، فاندهش من حديثها وتساءل عليه ماذا يفعل.

قالت له لا يخفى عليك أن والدك شقيان ولا يمكن أن نكلفه فوق طاقته وهو فم ونحن فمان فيجب أن ننفق على طعامنا وشرابنا، قال إن والده متعود على الإنفاق عادي، قالت ليس عادياً فأنت زوج ورجل ويجب أن تتحمل مسئولياتك، مرتبي ومرتبك يكفياننا لتدبير أمور المنزل، استنكر أن تنفق مرتبها في المنزل فقالت له عادي.

قال لها وما شأن الإنفاق في المنزل بعدم بقائي في المنزل بعد العودة من العمل، ما أفعل وأين أذهب، قالت البقاء في المنزل للنساء أما الرجال فيسعون على أكل عيشهم وتحسين حياتهم وعمل مستقبل لأنفسهم، وأنت يجب أن تفعل هذا، قال أفعل ماذا، قالت له وبلغة قاطعة ... تخرج لتبحث عن العمل وإن لم تجد تذهب لتعمل مع والدك، قال في دهشة ... سباك، قالت عادي.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة