محمود الوردانى
محمود الوردانى


محمود الوردانى يكتب : مع من يعمل محقق بغداد؟!

أخبار الأدب

السبت، 02 سبتمبر 2023 - 12:34 م

[email protected]

تمتد الأحداث والوقائع فى رواية «محقق بغداد» 385 صفحة من القطع الكبير، للكاتب الأمريكى إليوت كولا وترجمة محمود على، والصادرة مؤخراً عن دار المحروسة، تمتد من أبريل 2003 وحتى ديسمبر من العام نفسه، أى أنها تغطى الفترة الأولى من الغزو الأمريكى الذى بدأ فى 19 مارس 2003، وشاركت فيه قوات رمزية تمثل التحالف الغربى القائم وقتذاك، وتم بعد ذلك تأسيس سلطة التحالف المؤقتة فى حماية القوات الأمريكية المحتلة.


 أظن أنه من الواجب أن يستعيد القارئ تلك الوقائع الأساسية، قبل أن يمضى فى قراءة هذا العمل الهائل والمفاجئ والمحكم أيضاً.


 من المفيد أيضاً أن يعرف أن إليوت كولا كاتب الرواية كان حريصاً على أن يورد قائمة طويلة للكتاب والصحفيين والباحثين العراقيين لـ«تثقيفى عن العراق المعاصر، ومكافحة التمرد على الطريقة الأمريكية» على حد تعبيره، وهم أسماء كبيرة من طراز فاضل العزاوى وسعدى يوسف وسنان أنطون وسركون بولص وصموئيل شمعون وغيرهم..


 أكثر من هذا، يشير كولا إلى أنه اعتمد فى ترجمة القصائد العربية التى أوردها فى نصه على ترجمات قام بها مترجمون كبار، إلى جانب ما قام به هو( بنفسه أى أنه يعرف العربية جيداً) من ترجمات. ومن المثير للدهشة أن تضم الرواية العديد من أبيات قصائد للمحدثين وللشعراء القدامى، وهو يعرف جيداً تأثير الشعر فى الشعب العراقى على نحو يفوق تأثيره فى أى مكان آخر.. والأهم فى كل الأحوال مكان الأبيات فى النص ووجودها ضمن سياقات يقصدها الكاتب.


أى أن الكاتب يعرف ما يكتب عنه، وهو أمر بالغ الوضوح فى الوقائع والتفاصيل، الخاصة بمفتش شرطة يعمل فى بغداد، وتدور وقائع وأحداث الرواية حوله ومن وجهة نظره، وتم القبض عليه عن طريق الخطأ بسبب تشابه اسمه- محسن خضر الخفاجى- مع اسم أحد أركان النظام، ويشرف على الموت من التعذيب المتواصل فى سجون الاحتلال، حتى يتم تدارك الخطأ ومساومة المحقق للإفراج عنه فى مقابل أن يبدأ مع قوة الاحتلال إعادة بناء الشرطة العراقية، التى كان قد تم حلّها مثلما تم حلّ الجيش وحزب البعث، وضربت الفوضى والجريمة والكراهية والتفجيرات وقتل الناس فى الطرقات شوارع بغداد.


كذلك توافر للرواية باعتراف المترجم مساعدة الأستاذين نعمان منذر وأيام أمين، اللذين أسهما معه فى ترجمة الحوار بالعامية العراقية، وعلى نحو لا يعوق قراءة غير العراقيين.
القسوة والعنف والجريمة والرشاوى وشراء الاحتلال للجميع وشبكات الموت والدعارة والسرقة والخطف وفظاظة وجهل المحتلين.. تجرى أحداث «محقق بغداد» فى تلك الأجواء. ليس هناك من يحقق معه مفتش الشرطة محسن الخفاجى، لأنه لا توجد شرطة أصلا، ولأن ضباط الاحتلال هم من يديرون شبكات الجريمة المنظمة.


وقبل أن تنتهى صفحات محقق بغداد، ترد الأنباء بالعثور على صدام حسين الذى كان هارباً، وإخراجه من الحفرة التى كان مختبئاً فيها على هذا النحو المهين، ليسدل الستار على مرحلة وحقبة مخيفة عاشها العراق وأجهزت على بلد كان يمتلك من إمكانيات النمو والتقدم ما يجعله يوفّر لشعبه الحياة الرغدة. إلا أن المرحلة التالية لم تكن أفضل، بل فتحت الباب لحرب أهلية طائفية يباركها الاحتلال ويشعل نارها.
وأخيراً.. شكراً للسيد إليوت كولا على هذا العمل المحكم والممتع معاً.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة