الدكتور طارق الزيات
الدكتور طارق الزيات


«أيام الأستاذ عادي 8» قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات

صفوت ناصف

الجمعة، 08 سبتمبر 2023 - 10:25 م

لم يكن سعيداً بما قالته بسبوسة، قال لها إنه لازال عريساً جديداً وإنه يريد أن يبقى معها أطول وقت ممكن، قالت إنها لا تعرف هذا الدلع وهي تفهم كيف ينشأ ولد وحيد على بنات والجميع  يدللونه، وأن يوم الخميس والجمعة سيقضيانه سوياً كشأن كل المصريين عادي.

 

 لم يبد تذمراً ولكنه قال إن السباكة لا تلائمه، ضحكت وقالت لم؟ والدك سباك وسوف يعلمك الصنعة وهي صنعة ممتازة ومكسبها كبير وهذا خير من انتظار علاوة كل سنة، كما أن العمل ليس عيباً عادي.

 

لم يجد بداً من موافقتها وذهب إلى والده وطلب منه أن يصحبه في عمله، اندهش والده وقال له إن هذا تفكير سليم لأنه لا يقبل بعض الأعمال التي تحتاج جهد بدني كبير بسبب اعتلال صحته ولكنهما معاً يمكنهما أن يأخذا هذه الأعمال وقيمة مصنعيتها أكبر، هز رأسه موافقاً وقال له إنه سيعمل طوال الأسبوع ولكنه لن يعمل الخميس والجمعة، ضحك الأب و قال له عادي.

 

في المصلحة قالت فريال لبسبوسة إن هناك شقق تطرحها الدولة للشباب في الإسكان الاجتماعي وقال إن مقدمها أربعون ألف جنيه، وشجعتها أن يقدما فيها، طلبت بسبوسة من فريال أن تجمع لها جمعية بعشرة آلاف جنيه فقالت لها فريال اعتبريها اتجمعت عادي، قالت لفريال سوف أبيع الخاتم وإسورة ذهب ثقيلة اشتراها لي أبي منذ فترة وسلسلة اشترتها من مرتبها من قبل، قالت فريال تبيعين شبكتك؟ قالت عادي ما دمت سأضعها في مكانها الصحيح.

 

في الميكروباص قالت له إنها ستقدم في شقة في الإسكان الاجتماعي، انزعج وقال لا يمكن أترك أبي، قالت ولا أنا يمكن أن أتركه ثم إنها لن تسلم لنا الآن ثم أخبرته بما انتوت أن تفعله، قال لها عادي، دخلا الشقة وجهزت له الطعام هو ووالده بسرعة وقالت له تستطيع أن ترتاح ساعة قبل أن تنزل للشغل، وأحضرت له الشاي في الغرفة فاستلقى وغفا لحظة واستيقظ على يدها تهز كتفه وتقول له هيا فقد مرت الساعة.

 

قام متكاسلاً فقالت له تنشط وإلا شعر والدك أنك مغصوب على العمل وهو يشفق عليك، قال لها ليس هناك ضرر أن يشفق علي عادي، قالت الآن يجب أن يشعر منك بمساندة وعطف لأنه أيضاً إنسان ورجل كبير ويحتاج إلى المشاعر الطيبة مثله مثل أي إنسان عادي.

 

بدأ الدخل يتحسن يوماً عن يوم وأصبح يعود للمنزل وقد تحصل على مبلغ ما بين مائة إلى مائتي جنيه، قالت له بسبوسة إنها سوف تأخذ كل مليم يكسبه من عمله الحر حتى تدخره ولا تتركه له حتى لا ينفقه، قال لها إنه يريد أن يشتري تليفزيون لغرفة النوم مثل كل الناس، قالت له هذا ليس وقت الرفاهية ونشاهد التليفزيون في الصالة مع والدك عادي.

 

لم تكف والدتها عن حثها على الحمل والخلفة، فقالت لها إن هذا الأمر مؤجل سنتين حتى يتحسن وضعهما بعض الشئ وهكذا يفعل المتزوجون حديثاً عادي.

أخذته يوم جمعة وقالت له إنها تريد أن تذهب إلى محل الملابس الشعبية، اختارت له قميص وبنطلون وحذاء جلد وحزام وشرابين، سألها عن السبب فقالت له الآن يجب أن تحسن مظهرك فأنت تشقى وتتعب ويحق لك بعض التحسن عادي، طلب منها أن تشتري لنفسها شئ قالت له إن ملابسها جيدة ويكفيها الكسوة التي اشترتها لها أمها عند الزفاف ويمكن أن تقضي بها سنتين أخرتين عادي.

قبل أن تغادر اشترت قميص أكبر قليلاً وجلابية خفيفة فقال لها إنه لا يلبس جلابية، قالت هذه ليست لك وهي لوالدك، يجب أن تهاديه من وقت لآخر عادي.

بعد ستة أشهر من العمل قالت له أنه تجمع لديها من مدخرات عمله إثنى عشر ألف جنيه وإنه يجب أن يفكر في أخذ محل ولو صغير كي يفتحه محل سباكة ويكون مقر له كي يأتي إليه الناس، قال لها إن هذا المبلغ لا يمكن أن يشتري محل ولو خمسة متر، قالت لا تشتري محل بل استأجر كشأن كل الناس عادي.

 

جلس والده مع بسبوسة يشربان الشاي بينما هو نائم ظهيرة جمعة وقال لها يا ابنتي لا أعرف ماذا أقول لك ولا أملك إلا أن أدعو لك بالصحة والستر وطول العمر فلقد فعلت ما لم أستطع أن أفعله طول حياتي، قالت له يا عمي هذا زوجي وأنت في مقام أبي وهذا واجبي حتى لا نحيا حياة ضيقة ونحن لا نطلب شئ سوى العادي.

 

كانت شقيقتاه ورغم محبتهم لبسبوسة يشعران ببعض الغيرة منها خاصة أنهم ظلوا يرددوا لوالدهم أنها تسيطر عليه وتقسو عليه بالعمل فترات طويلة حتى يأتي لها بالمال، لم ينهرهم والدهم ولكنه طلب منهم ألا يتدخلوا بين الرجل وزوجته وكل إنسان حر في حياته عادي.

قالت فريال لبسبوسة ماذا فعلت للواد الغلبان يابت، مظهره تغير والهندام نطق عليه، قالت لها عادي يا ست الكل لازم يتظبط وبعدين إذا أنا ما لحلحتوش مين هيلحلحه، قالت فريال والنبي بحبك يا بت يا بسبوسة، طب والله لو كان عندي ولاد ماكنت سيبتك أبداً، قالت وأنا أيضاً لو كان عندي ولاد ما كنت سيبتك أبداً، ضحكت فريال وقالت لها يا مضروبة طب والله عمك لو سمعك كان خلص عليكي، قال لها معذور حد يقدر ياخد القمر منه.

 

فتح المحل الصغير الذي يقع في حارة خلف المنزل بجوار الإستورجي الذي دهن له السرير والدولاب، كان يجلس في المحل في الأيام التي لا يتوفر فيها عمل وكان الأمر لا يخلو من شغلانه هنا أو شغلانة هناك وأهي بتجبر عادي، وفي الأيام التي يخرج فيها للعمل يترك رقم تليفون خصصته له بسبوسة من أجل العمل فقط ويتلقى عليه الاتصالات من الزبائن ويعود من عمله الخارجي لينجز طلباتهم وأحياناً كان يعمل لمنتصف الليل عادي.

 

شعر والده بتعب وألم أمسك صدره كله وذراعه فذهب به هو وبسبوسة إلى المستشفى العام القريب وأبلغ إخوته وهو في طريقه للمستشفى، المستشفى مزدحم عادي وهو يصرخ ولا أحد يلتفت إليه عادي ، دخلت بسبوسة غرفة الممرضات وقالت لإحداهن يا ميس معايا راجل كبير وحالته صعبة، خرجت الممرضة معها وعندما رأت إزدراد وجهه أدخلته خلف ستارة وأجلسته على سرير وأسرعت بطلب الطبيب، شك الطبيب في إصابته بجلطة وطلب آخر معه فأكد له الإصابة.

 

حقنوه بسرعة بدواء تذويب الجلطات وأدخلوه غرفة تحت الملاحظة وجلس هو وبسبوسة معه وجاءت شقيقتاه وزوجيهما، تحسن الرجل وزراه الطبيب مرة أخرى وقال أن الخطر زال لكنه يحتاج إلى راحة وعليه ألا يبذل مجهودا، قال هو للطبيب إن والده لم يشك أبداً من قلبه فقال الطبيب هو رجل كبير وهذا شئ عادي.

قال له هل يمكن أن يعمل، قال عادي ولكن لا ينفعل ولا يبذل مجهودا كبيرا ولا يرفع أحمال ولا يصعد سلالم عالية, بعد هذا فليعمل عادي، قال لنفسه ماذا يعمل عادي.

اقرأ أيضا | «عين جالوت».. قصيدة للشاعر صبري الصبري

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة