علاء عبدالعظيم
علاء عبدالعظيم


«الساعات الأخيرة».. قصة قصيرة للكاتب علاء عبدالعظيم

صفوت ناصف

الجمعة، 15 سبتمبر 2023 - 05:42 م

 ذبالة المصباح الصغير ترتعش في المكان، وترسل ضوء له وحشة أشد من الظلام.

كان المصباح موضوعا على "طبلية" بجوار طبق العسل الأسود، ورغيف جاف، بينما كان يتمدد إلى جوار الطبلية على الحصيرة رجل يتوسد ذراعه ويغطي أذنه الثانية بذراعه الأخرى محاولا أن ينجو من سماع الأنين المنبعث من الحجرة المجاورة حيث كانت التي تئن هي أمه العجوز في النزع الأخير.

فمنذ ليلة الأمس وهي في سكرات الموت لا تدري شيئا، ولا تشعر بما يدور حولها، نظراتها تائهة محيت منها كل المعاني، وأنفاسها أنين يحدث عند خروجه من الصدر صوتا يشبه المنشار وهو يجز قطعة صلبة من الخشب.

عبثا يغطي الرجل أذنيه بذراعيه، وكانت زوجته قابعة على الطرف البعيد من الحصيرة وذقنها ملقى على ركبتها، ترقب زوجها في إشفاق وبلا ملل، وكانت متهيبة أن تبدأه الحديث، فلما تحرك اقتربت منه وهى تدني منه "الطبلية" خلسة تقول: إنك لم تأكل منذ الصباح، واقتطعت لقمة من الرغيف وغمستها في العسل وقدمتها له فأخذها، ووجد مشقة في مضغها وابتلاعها، وعندما حاولت أن تعيد الكرة قال لها بجفاء وفمه يفيض مرارة " كفاية يا زكية.. كفاية" وينظر بطرف عينيه تجاه الغرفة التي ترقد فيها أمه العجوز، وهو يصرخ في جزع "أمي.. أمي"، لكنها لم تجب، ولم يكن الأنين الجواب الذي يريده، وكان مخيفا، ويتأملها بشعرها الأشيب المغموس في العرق، وشفتيها الزرقاوتين، وأسنانها المصطكة، ووجهها الأبيض كالشمع، وظل واقفا خائفا من أن يفزع إليها، وغطى وجهه بكفيه، وصعد صوته بالبكاء.

كانت زوجته تقف خارج الباب وهي أخوف منه، فأسرعت إليه تهمس في أذنه وهي تجره إلى الخارج، وتردد له: لعلها تدري.. لعلها تسمعك.. لا تجعل ساعتها الأخيرة صعبة".

وجد نفسه مرة أخرى ينتحب فوق الحصيرة بعيدا عن الموت وصورته، واقتربت منه زوجته مرة أخرى وهي تجفف له دموعه بطرحتها السوداء، وبعدما أدركت وهي خارج الباب تتسمع الأنين، يجول بخاطرها أن المرأة العجوز "حماتها" لم تكن عدوتها أبدا، وأنها خدعت أكبر خدعة عندما آثرت الحرب على الحب، واكتشفت وهي تكفكف دموعها أن هذا الفناء هو عدوهما الألد.

أفاقت على صوت زوجها الأجش بالنعومة والتوسل وهو ينادي على أمه العجوز "يا أمي.. يا أمي" ودنا من الدكة الخشبية التي ترقد عليها، لكن لم يبد في عينيها الممحوة منهما كل المعاني، ولفظت أنفاسها الأخيرة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة