المطرب الناشئ محمد عبد الوهاب مع كوكب الشرق
المطرب الناشئ محمد عبد الوهاب مع كوكب الشرق


كنوز| عندما غنى عبد الوهاب مع أم كلثوم قالت له: «انت كويس»!

عاطف النمر

الأربعاء، 20 سبتمبر 2023 - 08:53 م

كتب موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مقالا لمجلة «الكواكب» عن كوكب الشرق أم كلثوم بعنوان «أم كلثوم بقلم عبد الوهاب» يقول فيه : 

قد لا يعرف الكثيرون أننى والآنسة أم كلثوم غنينا سويا أغنية «على قد الليل ما يطول» فى منزل والد الصديق أبو بكر خيرت المهندس المعروف، وكان المنزل فى شارع خيرت، وقيل لى قبيل الحفلة إننى سأغنى مع أم كلثوم، ففرحت واعتبرت الخبر بشرى كبيرة لمطرب غير معروف، فى حين أم كلثوم كانت وقتذاك قد وطدت قدمها وعرفها الناس وأعجبوا بصوتها وفنها الرفيع، غنيت مع أم كلثوم، وأحسست وأنا إلى جوارها أننى أتحدث إلى أستاذ، وأن على هذه الحفلة يتوقف عليها شيء غير قليل من مصيرى كمطرب ناشئ.

سمعنا فى هذه الحفلة، بين من سمعنا، الأستاذ حسن أنور وكيل معهد الموسيقى وقتذاك، فهمس فى أذنى بأننى قد أديت دورى على أكمل وجه وأننى قد أحسنت الأداء، وحسبته يجاملنى، ولكن هذه الهمسات توالت على من صاحب الحفلة وكثيرين غيره، ولم آبه.. إلا لشهادة أم كلثوم التى قالت لى همسا: «انت كويس»، أحسست بفخر عظيم أن أغنى مع مطربة لها مكانة شعبية فى وقت لم أكن أنا أتمتع بمثل هذه المكانة، وهكذا.. غنيت مع أم كلثوم.

إن لأم كلثوم فضلين، فضلا كمغنية، وفضلا كمساهمة بعقلها فى بناء النهضة الموسيقية الحديثة فى مصر والشرق، من حيث فضل أم كلثوم كمغنية، فهى جمعت من مواهب المطرب التى يجب أن تتوافر فيه، كل ما يمكن للطاقة البشرية أن تجمعه، لأن المطرب منذ أربعين عاما أو أكثر، كان لكى يشق طريقه إلى المجد، يجب عليه أن يتمتع بميزات خاصة، والمغنى الحديث، فى عصر الراديو وآلات التسجيل والميكروفون، يجب أن تتوافر لديه ميزات خاصة أخرى.
الفرق واضح بين هذه المواهب وتلك، فمواهب مطرب ما قبل ظهور الميكروفون والراديو كانت الصوت القوى فحسب، وقوة احتمال طويلة المدى وصوتا ذا قماش واسع.. أى «النوت» الكثيرة أو «المقامات» الكثيرة.

كان يتعين على المطرب الناجح أن يذهب إلى الحفلة ليحييها فى سرادق كبير به آلاف المستمعين غير مستعين بآلات «التكبير»، وأن تكون لديه قوة احتمال لكى يغنى ساعة أو أكثر غناء متواصلا، وأن يتمكن من «التنويع» و«التلوين» وتغيير المقامات، لكى يذهب السأم والملل والضجر عن هذه الآلاف التى تسمعه داخل السرادق، وربما ظهر فى ذاك الوقت مطربون لا يملكون «قوة الصوت» وليست لديهم «قوة الاحتمال».. ولكنهم يتمتعون بحلاوة وطلاوة فى الصوت، ومع ذلك فهؤلاء لم يشتهروا، ودليلى على ذلك أن المرحوم الأستاذ الشيخ محمد رفعت لم يشتهر ولم يعرفه الناس كإمام للمقرئين إلا بعد ظهور الراديو والميكروفون، لأنه على الرغم من جمال صوته فقد كان ضعيفا لا يسمع أكثر من صف أو صفين من السرادق.

وأم كلثوم.. جمعت فى صوتها كل هذه المواهب، وتتمتع بكل ما يجب أن يتوافر فى المغنى الذى عليه أن يسمع الآلاف وأن يبدد السأم الذى قد يعتريهم، فيظل يشدو ويشدو، متنقلا من «مقام» إلى «مقام» فى سهولة ويسر، وهذا سر عظمة أم كلثوم، وفى عصرنا الحاضر يندر أن تتوفر فى مطرب مشهور إحدى هذه الصفات أو معظمها، ومع ذلك فهو يتمتع بالشهرة ويتمتع بالمجد العريض، إذ لم يعد مطلوبا منه أن يسمع الألوف فى سراق بصوته المباشر، بل يستطيع أن يوصل صوته عن طريق الميكروفون، وأصبح غير ضرورى أن يتحمل الغناء الطويل لساعة أو ساعتين لأنه يستطيع أن يستغنى عن الحفلات العامة ويستطيع أن يسجل أغانيه فى السينما والإذاعة، وكل هذه موارد تجلب الشهرة والرزق الواسع، وأصبح من المهم لدى المطرب الناجح أن يتمتع بجمال الصوت وجمال إخراج المقامات من صوته.

وقد توافرت هذه الميزات أيضا فى أم كلثوم لأننا نطرب لسماعها عندما نسمعها فى حفلة، ونطرب عندما نسمعها فى تسجيل، وما تتمتع به أم كلثوم يعد نادرا فى فن الغناء فى الشرق.

وأما عن أم «كلثوم» التى ساهمت فى الطفرة الفنية الحديثة، فلولا حسن تدبيرها ولولا ما تتمتع به من عقلية واعية لما استطاعت أن تحتضن الأستاذ أحمد رامى وتجعله يتعاون معها ويجود بالمعانى الرائعة التى تؤديها أحسن أداء، وقد لمست بإحساسها الواعى أن الرأى العام سوف يمحو الأغانى الخليعة ذات المعانى المبتذلة، وأن الرأى العام لن يقبل مستقبلا طقاطيق وأغانى من نوع «إيه اللى جرى فى المندرة»، فقربت رامى إليها وتعاونا على النهوض بفن الغناء، معنى وأداء عندما بدأت برائعة «الشك يحيى الغرام».

محمد عبد الوهاب «الكواكب» 12 مايو 1953


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة