الثلاثاء، 26 سبتمبر 2023 - 11:48 ص

هُزِّي سَرِيرَ اللَّيْلِ 

بِالإْعْصَارِ

الأَرْضُ مُوحِلَةٌ وَمُطْفَأَةٌ
فَلَا شَمْسٌ عَلَى الشُّرُفَاتِ وَالأَسْتَارِ

لَا ضِحْكَةٌ فَوْقَ المَوَائِدِ
لَا حُقُولٌ مُلْهَمَاتٌ
لَا قَمِيصٌ مُورِقٌ فِي البُعْدِ
لَا قَمَرٌ يَبِيتُ
عَلَى صُدُورِ الغِيدِ
يَلْعَبُ بِالرَّبِيعِ البَازغِ الموَّارِ

الأَرْضُ مُوحِلَةٌ
وَرَاحِلَةٌ لِأَبْعَدِ نُقْطَةٍ فِي العَارِ

وَأَنَا انْكَسَرْتُ
فَلَسْتُ أَقْوَى أَنْ أَسِيرَ لِآخِرِ المِشْوَارِ

فَبِأَيِّ أَوْجَاعِ القَصِيدَةِ أَبْتَدِي
يَا رَاحَةَ الأَرْوَاحْ؟
وَبِأَيِّ آلَاِمي أُعَمِّدُ رِيشَةَ السَّهَرِ الوَجِيدِ
وَدَمْعَةَ المِصْبَاحْ
وَبِأَيِّ أَيِّ جِرَاحْ
أَفْتَضُّ تَأْوِيلَ الرَّدَى الثَّرْثَارِ؟!

يَا رَقْصَةَ الشَّمْسِ الكَريمَةَ
رَمِّمي جَسَدَ البِلَادِ، وَرَمِّمِي لِي دَارِي

مِنْ آخِرِ الأَبْعَادِ جِئْتُ .. وَجَا مَعِي قَمَرٌ
وَغَابَاتٌ
وَأَمْطَارٌ
وَجَا فِي إِثْرِنَا المَلَكُوتُ
يَرْفُلُ هَائِماً .. فِي نُورِهِ المُنْهَارِ

مِنْ آخِرِ الأَبْعَادِ
يَا امْرَأَةَ مِنَ اليَاقُوتِ وَالنَّعْنَاعْ
وَمِنَ البُرُوقِ الخُضْرِ وَالأَنْهَارِ وَالإيقَاعْ 
وَمِنَ الشَّذَى
وَمِنَ ارْتِعَاشاَتِ الرُّبَا 
وَمِنَ النَّدَى المُتَوَرِّدِ المِعْطَارِ

مِنْ آخِرِ الأَبْعَادِ
جِئْتُ مُهَشَّمَ الأبصارِ
وملوَّثَ النَّجْمَاتِ وَالأَفْكَارِ

قَلِقاً
عَلَى طَاحُونِ أَسْئِلَةٍ
يَمُورُ فَمِي
بِنِيرَانِ الأَنِينِ الرَّغْدِ
أَكْتُبُ ثُمَّ أَمْحُو
ثُمَّ يَمْحُونِي انْقِدَاحُ البَحْرِ فِي الأَغْوَارِ

فَتَدَفَّقِي بِالحُبِّ مَشْبُوبَ الهَوَى
وَتَأَلَّقِي كَفَضِيحَةٍ
وَتَفَوَّقِي كَصَهِيلِ عِطْرٍ فِي التَّذَكُّرِ
وَاغْسِلِينِيَ فِي سَمَاءِ القُرْبِ 
بِالأَلْحَانِ
بِالأَلْوَانِ
بِالفَجْرِ النَّدِيِّ
بِزَيْتِ مِصْبَاحِ الزُّجَاجَةِ 
بِالبِحَارِ الخُضْرِ .. يَا خَضْرَا،
وَبِالرُّؤْيَا اغْسِلِينِي
الآنَ
وَاغْتَسِلِي مَعِي .. يَا أَطْهَرَ الآبَارِ

يَا ضِحْكَة الأَزْهَارِ
يَا قُبْلَةَ العُشَّاقِ فِي الأَحْضَانِ لِلْأَقْدَارِ
يَا سَكْرَةَ الصُّوفيِّ بِالحَضَرَاتِ وَالخَلَوَاتِ وَالأَذْكَارِ

إِيهِ!
ارْفِقِي
وَتَفَتَّقِي بِدَمِي
وَثُورِي كَانْدِلَاعِ الجُلَّنَارِ الرَّطْبِ فِي كَرْمِي
وَفُورِي كَالضُّحَى الفَوَّارِ

أَنَا ذَلِكَ الصُّوفِيُّ؛
لِي جَسَدٌ مِنَ الآهَاتِ وَالنَّايَاتِ،
لِي عَيْنَانِ نَافِذَتَانِ؛
وَاحِدَةٌ تُطِلُّ
عَلَى وَدَاعِ العَاشِقِينَ
- سَقَى الحَيَا نِيرَانَهُمْ وَشُقُوقَ بَهْجَتِهِمْ - 
وَوَاحِدَةٌ تُطِلُّ
عَلَى صُعُودِ الدَّمْعِ لِلنَّايِ الأَلِيمِ
وَحَانَةِ الأَشْجَارِ

أَنَا ذَلِكَ الرَّاسِي
كَأَوْتَادٍ مُكَبَّلَةٍ
كَآهَاتٍ مُحَجَّلَةٍ
كَأَشْرِعَةٍ عَلَى جُرُفٍ مِنَ اللَّوْنِ المُعَطَّرِ .. هَارِ

أَنَا ذَلِكَ الرَّاسِي عَلَى نُونِ اللَّبَنْ
هَلْ تَعْرِفُ العَذْرَاءُ مَا نُونُ اللَّبَنْ؟
السُّرَّةُ المَعْصُومَةُ الأَنْوَارِ

يَا حَضْرَةَ الأَسْرَارِ .. يَا حَضْرَةْ 
يَا رَقْصَةً
لِلْمَوْلَوِيَّةِ لَمْ تَزَلْ نِيرَانُهَا مَوَّارَةً بِدَمِي
أَنَا الدُّفُّ الَّذِي هَتَكَ الغُيُوبَ بِسَكْرَةِ السَّكْرَةْ
وَأَنَا انْتِهَاكُ الوَقْتِ
لَعْنَتُهُ
وَرَحْمَتُهُ
أَنَا الأَيْقُونَةُ الحُرَّةْ

فَتَنَبَّهِي
لِنَدَى السَّمَاءِ عَلَيْكِ، وَسَبِّحِي وَجْهِي،
وَلَا تَتَشَكَّكِي 
بِالخَتْمِ قِنْدِيلاً تَوَلَّى اللهُ تَزْييتَهْ
يَا أَنْتِ
يَا تُفَّاحَةً حَمْرَا 
أَرَاحَ البَحْرُ تَحْتَ جَنَاحِهَا حُوتَهْ
أَنَا لَا أَقُولُ: الرُّوحُ مَمْلَكَتِي وَمِحْرَابِي
أَأَكْذِبُ؟
كَيْفَ؟
رَبِّيَ لَيْسَ يَرْضَى
بَلْ أَقُولُ: أَنَا رَبِيبُ ذَخَائِرِ الجَسَدِ المُطَهَّمِ
وَالأُنُوثَةُ لِي هُدىً
لَا!
بَلْ أَقُولُ: أَنَا الَّذِي أَنْبَتُّ فِي بُسْتَانِه تُوتَهْ
وَأَنَا الَّذِي كَدَّسْتُ فِيهِ كِبْرِيتَهْ
وَأَنَا الَّذِي أَشْعَلْتُ فِيهِ حَرَائِقَ الأَمْطَارِ

يَا جَنَّةَ الأَبْرَارِ
يَا مُنْيَةَ الأَنْظَارِ

لَا تَجْفَلِي مِنْ كِبْرِيَائِيَ، إِنَّهَا فِي غَايَةِ الحُزْنِ الجَمِيلِ
وَغَايَةِ الإِنْهَاكِ كَالمِسْمَارِ

فَاسْتَرْسِلِي، كَمَوَاكِبِ الأَنْهَارِ

عُودِي لِسِيرَةِ جُودِكِ الأُولَى
وَهُزِّي نَخْلَةَ الأَسْرَارِ

هَذِي شِفَاهِيَ فِي سَنَابِلِ نَارِهَا
هَلْ تَشْعُرِينْ؟
هَذِي عُيُونِيَ فِي طَوَاحِينِ الأَنِينْ
هَذِي طُيُورِيَ فِي الهَزِيمَةِ 
وَالتَّشَظِّي 
يَا انْتِصَار الأَيْكِ
فَاسْقِيهَا لَمَى شَفَتَيْكِ
وَاتَّقدِي كَغَابَاتٍ،
كَمُوسِيقَى،
كَصَحْرَاءٍ مُقَدَّسَةٍ،
بِلَا أَزْرَارِ

يَا مَخْدَعَ الأَقْمَارِ 
يَا نُورَ أَنْوَارِ التَّجَلِّي المَالِكِ القَهَّارِ

أَنَا عَاشِقٌ مُتَهَوِّرٌ، مُتَفَجِّرٌ، مُتَوَرِّطٌ
حَتَّى النِّهَايَةِ
فِي مَوَاوِيلِ الحَدَائِقِ، وَالعَبِيرِ العَارِي

أَنَا يَا حُقُولَ البُرْتُقَالِ اللَّارُجُوعَ
وَلَا انْحِرَافَ
أَنَا انْطِلَاقُ السَّهْمِ مِرْنَانَ الصَّدَى
أَنَا جَنَّةُ الظَّمَأِ القَدِيمِ الضَّارِي

وَأَنَا البَرِيقُ اللَّازَوَرْدُ السَّارِي

فَتَوَلَّعِي
وَتَدَلَّعِي بِصَبَابَتِي
وَتَمَتَّعِي بِنَشِيدِ إِنْشَادِ الهَوَى:
نَهْدَاكِ بَحْرُ نَهَارِ
نَهْدَاكِ طَيْرُ مَدَارِ
نَهْدَاكِ سُوقٌ لِلزَّبيبِ، وَمَعْبَدٌ لِلنَّارِ وَالجُمَّارِ
نَهْدَاكِ لَاهُوتَانِ مُرْتَعِشَانِ بِالنَّجْوَى
بِأَلْفِ حَضَارَةٍ وَرْدِيَّةٍ
بِمَسَاجِدٍ
وَكَنَائِسٍ
وَمَدَارِسٍ
وَنَوَارِسٍ وَكَنَارِي

بِمُؤَامَرَاتِ اليَاسَمِينِ، بِنَارِهِ، وَبَخُورِهِ، 
وَببَارِهِ الدَّوَّارِ

نَهْدَاكِ يَا مَحْبُوبَتِي العَذْرَاءَ
مِيزَانَا يَدِي
وَالحَلْمَتَانِ قِرَاءَتَانِ نَبِيَّتَانِ لِنَارِي

يَا رَغْدَةَ الأَنْوَارِ .. يَا رَغْدَةْ
يَا حَضْرَةً
لِلشَّاذُلِيَّةِ .. لَمْ تَزَلْ أَنْوَارُهَا مَوَّارَةً بِيَدِي
أَنَا المَاءُ الَّذِي هَتَكَ الجَمَالَ
مُعَرِّياً مَجْدَهْ
وَأَنَا انْدِلَاعُ النَّارِ
آهَتُهَا
وَضِحْكَتُها
أَنَا الأَيْقُونَةُ / الوَرْدَةْ

وَأَنَا اصْطَفَيْتُكِ لِي 
فَرَاشاً أُرْجُوَانِيَّ الشَّذَى
فَتَنَزَّهِي فِي النَّارِ 
وَاتَّخِذِي فَمِي رَبّاً يَئِنُّ وَسَامَةً
وَبِهِ اخْتَلِي فِي عُزْلَةِ اسْتِغْفَارِ

يَا غَيْمَةً مَلْأَى الضُّلُوعِ بِلُؤْلُؤٍ وَمَحَارِ
وَقُرَنْفُلٍ وَثِمَارِ
يَا شَهْقَةَ النَّايَاتِ وَالمِزْمَارِ

النَّارُ مُوسِيقَى 
وَصَوْتُكِ نُطْفَةُ الإِشْرَاقِ
وَالمَطَرُ الخَفِيفُ خَوَاتِمٌ فِي سِدْرَةِ الخمَّارِ

فَتَكَشَّفِي
فَتَكَشَّفِي
حَسْبُ المَرَايَا الخُضْرِ
مَا حَفِلَتْ بِهِ
مِنْ عُتْمَةٍ وَغُبَارِ!