الدكتور محمد محي الدين أبوبيه
الدكتور محمد محي الدين أبوبيه


«شهرزاوي».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه

صفوت ناصف

الأربعاء، 27 سبتمبر 2023 - 09:07 ص

 كعادتها كل ليلة أخذت شهرزاد تقص على شهريار حكاية جديدة، هذه المرة أرادت من شهريار أن يتقمص شخصية بطل الحكاية.

أخبرته أن البطل هو ملك مثله يتخفى في زي أحد الرعايا ويمشي بالأسواق ليرى حال شعبه على الواقع، أُعجب شهرزاد بالفكرة وهمّ بتفيذها.

 في اليوم التالي ودعته شهرزاد بعدما غيّر ملامحه، وضع شامة على خده وكثّف شعر حواجبه ووضع صبغة ذات لون بني بشاربه ولحيته

لم يصاحب أحداً في مغامرته كما بحكاية شهرزاد ولم يخبر مساعديه فالأمر لابد أن يتم بسرية تامة..هكذا شروط الرحلة

 

في السوق الكبير بالمدينة، سار شهريار والغبطة تملؤه فهو الآن حراً طليقاً من جميع قيود المراسم الملكية؛ لا حرس ولا وزراء ولا تكالب الشعب عليه حتى يروه ولو من بعيد وهو يشير إليهم بيديه.

انتقل من محل لآخر واحتك بجميع البشر الموجودين بالسوق ولم يلحظه أحد فزاد انتشاؤه وشكر في نفسه شهرزاد على فكرتها العبقرية.

سمع من البعض ثناءاً عليه فابتسم وراق مزاجه ولكنه تعكر عندما تحدث آخرون عن ظلمه وتسببه في غلاء معيشتهم وفرض ضرائب إجبارية أثقلت كاهلهم؛ في نفس الوقت تراجع البعض عن ملامته حيث أنه يعيش في قصره ولا يدري عن هذه الأمور شيئاً؛ فوزراؤه وحاشيته يزينون واقعنا أمامه وأنهم يعيشون في رغدٍ ويدعون له.

 

في ظل ما يسمع والأفكار تنتابه في أن يغير سياسته بالأيام القادمة بحيث يتقرب للناس أكثر ويناقش همومهم بنفسه؛ حدث هرج ومرج فأفراد من الشرطة يقتحمون السوق والناس مندفعة أمامهم حيث يلقون القبض عشوائياً على كل من يقع في أيديهم.

 

تفاجأ شهريار بأفراد الشرطة أمامه ويسحبونه من جلبابه بلا رحمة ويربطونه بالحبال ويكتمون فمه مثلما فعلوا مع باقي من وقع بأيديهم.

 

بعدما انتهت هذه الهجمة العاتية وجد شهريار نفسه حببساً بين أربعة جدران مربوطة يداه ومكتومة أنفاسه؛ لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة.

 

زاد قلق شهرزاد لتأخر عودة الملك شهريار فقد مر يومان ولم يأت وقد فضلت عدم إخبار أحد لكن الأمر قد خرج عن السيطرة ولابد أن يعرف الوزراء والمستشارين بحقيقة الوضع وأن الملك مختفي ولابد من البحث عنه ، وكذلك تدبير أمور المملكة حتى يتم العثور عليه

 

انتابت الجميع دهشة بعدما روت شهرزاد على مسامعهم ما حدث وكيف للملك ان يفعل ذلك دون علمهم؟

انتحت شهرزاد بقائد الشرطة والسيّأف الخاص بالملك الذي كان يقطع رؤوس زوجات شهريار

قبل زيجته الأخيرة التي أبهرته بعوالم حكايتها لدرجة أنه يدخل هذا العالم بنفسه ويتقمص شخصية أحد أبطالها

همست شهرزاد لهما:

أبقياه مكانه ولا يدخل عليه أحد ..

ثم انضموا لباقي المجتمعين حيث قال السيّاف :

الآن نحن نبحث عن الملك شهريار في كل مكان .. وحتى عودته لابد من إدارة أمور المملكة

تدخل قائد الشرطة قائلاً:

طبعاً لا يصلح لذلك غير أحد موجود في دائرة الحكم وقريب من الملك وهي (ملكتنا)  شهرزاد

ازدادت الهمهمات بين الحضور ونظر كل منهم للآخر فلأول مرة تحكمهم امرأة والتي كانت على مشارف الموت بزيجتها من شهريار.

 

خلال أسبوع تغيرت ملامح المملكة بالأوراق المالية تزنيت بصورة شهرزاد وأسموها (شهرزاوي)

 

ألغت الملكة الجديدة جميع الضرائب المفروضة على التجار فذهب ضيق المعيشة على الشعب بعد انخفاض أسعار البضائع حتى تمنى الشعب أن يظل اختفاء شهريار مدى الحياة، وصدحت المساجد بالدعاء لـشهرزاد بعد الصلوات.

السيّاف تخلّى عن سلاحه العتيد ولبس قلنسوة جديدة فقد أصبح كبير الوزراء؛ وقائد الشرطة صار نائب الملكة.

شهريار في محبسه لا يدري شئ مما حدث؛ لا يرى أحد ولا يكلمه إنسان فقط يُلقى إليه الطعام والشراب من كوة موجودة أعلى جدار وينبعث منها شعاع خفيف من الشمس ونسمة هواء يتنفس منها.

تجلس شهرزاد على العرش وقد وضعت خلفها أسماء بنات حواء اللآتي قضى عليهن شهريار وكتبت مرسوماً، تنعي فيه الطاغية شهريار وأيامه وسوف تضع اسم كل زوجاته على أبواب كل حارة حتى يتذكر الشعب آثامه وجبروته، استتب الأمر لشهرزاد ونسي الناس شهريار وبات ذكرى يلعنونه فيها.

اقرأ أيضا | «رحمة» قصة قصيرة للكاتب التونسي محمد فتوح

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة