يوسف القعيد
يوسف القعيد


يوميات الاخبار

عدوان إسرائيلى على غزة

يوسف القعيد

الإثنين، 16 أكتوبر 2023 - 07:13 م

فلسطين هى قضية عمرنا كله. وهى محور اهتماماتنا. بل إن الحروب التى فُرِضت علينا كانت آتية ممن اغتصبوا فلسطين

فوجئتُ كما تمت مفاجأة المصريين والعرب والمسلمين، وربما العالم الثالث، بالعدوان الهمجى والبربرى الذى قام به العدو الصهيونى على قطاع غزة المحتل. وخلال المتابعة اليومية بعد أن أوقفت كتاباتى وقراءاتى لأعيش هذه المأساة لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة، أدركت أن الشرق شرق والغرب غرب، وأنهما لن يلتقيا. وذلك من خلال متابعاتى اليومية، بل اللحظية، ليس لما يجرى فى فلسطين المحتلة، ولكن فى عواصم العالم المحيطة بنا.


كنت أتصور من قبل أن وقوفهم مع القضية الفلسطينية ينبع مما يؤمنون به من قيم وأفكار ويمارسونه من سياسات. ولكن الواقع العملى أثبت لى أن الدنيا تتغير والآخرون يستبدلون مواقفهم من النقيض إلى النقيض. إنها قصة أخرى قد تصلح الكتابة فيها فى سياقات مغايرة.


ما يعنينى الآن هو سباق الحبر والدم. دماء الفلسطينيين التى تسيل، وأعداد شهدائهم وجرحاهم وأغلبهم من الأطفال العُزَّل الأبرياء، تزداد فى كل لحظة تمر علينا. وكأن هذا الشعب الفلسطينى البطل جاء إلى العالم ليفتدى الدنيا كلها. ويقدم أغلى ما عنده وهم البشر، فداءً لأطماعٍ ليست جديدة ومشروعات استعمارية تعودناها. ولكن يبدو أن مرور الزمن أنسانا ضراوة من يواجهوننا من الأعداء. وقد أدركنا من تراثنا القديم أن معرفة العدو تسبق معرفة التعرف على الصديق. لأن العدو يتطلب مواجهات قد تُكلفنا الكثير جداً.
مجلس الأمن القومى
الاجتماع المُفاجئ وغير المتوقع لمجلس الأمن القومى المصرى، الذى ترأسه الرئيس عبد الفتاح السيسى، صمام الأمان ليس فى مصر وحدها. ولكن فى الوطن العربى كله وأجزاء أخرى كثيرة من العالم. الاجتماع كان مُفاجأة بكل المقاييس. جعلت من يوم الأحد الماضى يوماً ولا كل الأيام. فقد أدركتُ وأنا أُتابع أخباره وأُشاهد صوره أن مصر لها جيش وشعب وقائد يحمونها من الأخطار والأزمات التى تحيط بنا من كل جانب.
توقفتُ طويلاً أمام البيان الصادر من رئاسة الجمهورية عن هذا الاجتماع المُهم، والذى حمل لى قدراً كبيراً من الطمأنينة. وأشعرنى بدفء الإحساس بأن مصر لها قائدٌ وجيشٌ وشعبٌ وتاريخ وخبرات تحميها فى مواجهة الخطوب والأحداث التى يُمكن أن تؤثر عليها لا قدر الله ولا كان.


ترأس الرئيس عبد الفتاح السيسى يوم الأحد، اجتماع مجلس الأمن القومى؛ إذ تم استعراض تطورات الأوضاع الإقليمية، خاصة ما يتعلق بتطورات التصعيد العسكرى بقطاع غزة، وقد صدرت عن الاجتماع القرارات الآتية:
1- مواصلة الاتصالات مع الشركاء الدوليين والإقليميين من أجل خفض التصعيد ووقف استهداف المدنيين.
2- تكثيف الاتصالات مع المنظمات الدولية الإغاثية والإقليمية من أجل إيصال المساعدات المطلوبة.
3- التشديد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، مع رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار.
4- إبراز استعداد مصر للقيام بأى جهد من أجل التهدئة وإطلاق واستئناف عملية حقيقية للسلام.
5- تأكيد أن أمن مصر القومى خط أحمر ولا تهاون فى حمايته.
6- توجيه مصر الدعوة لاستضافة قمة إقليمية دولية من أجل تناول تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية.
سنوات النكبة
عندما وقعت النكبة الأولى فى فلسطين القُطر العربى الجميل والذى لا حد لجماله، كان عمرى أربع سنوات. فقد جرت النكبة الأولى سنة 1948، ومازالت تُرافقنا على مدى 75 عاماً من عُمر الوطن العربى وأعمارنا وحياتنا. الغريب أن مشكلات أخرى كثيرة فى العالم حُلَّت وتوصَّلت البشرية لما يُمكن أن يُنهى وجودها إلا فلسطين، الجُرح الغائر فى حبة الفؤاد وفى روح القلب.


وأنا لدىَّ يقين أن الأشقاء العرب والمسلمين جميعاً يشعرون بما أشعر به، ويدركون أن فلسطين هى قضية العُمر التى تأبى على الحل. رغم أن هناك مُشكلات أكثر تعقيداً منها فى أماكن أخرى من العالم تم حلها وسكنت صفحات كُتُب التاريخ لتتذكر الأجيال الطالعة ما جرى فى بلادهم إلا فلسطين. فهى المشكلة والقضية والهم الذى يزداد تشابُكاً وتعقيداً مع مرور الوقت.
وها هو العدو الإسرائيلى وبعد أن نجح فى إقامة علاقات مع أكثر من دولة عربية لم يقنع ويرضى بحاله. بل إن الاستيلاء على كامل فلسطين وما فيها من بشر وثروات وحكايات التاريخ القديم والحديث والمعاصر فإنها تظل «رهينة المحبسين».


جاءت بعد جيلى أجيال عربية ومصرية. واكتشفت أن فى انتظارها ما جرى فى فلسطين ولفلسطين ولأهل فلسطين. وللأسف فإن أى مشكلة تلوح فى الأفق لها حلٌ إلا محنة أشقائنا الفلسطينيين الذين ينطبق عليهم المثل الشعبى المصرى الذى يقول: رضوا بالهم ولكن الهم لم يرض بهم.


فها هم يخرجون من محنة ليدخلوا فى نفق محنة أخرى لا تقل خطورة عن السابقة. وأصبحنا نرى أهل فلسطين فى كل مكانٍ من الوطن العربى، بل ومن العواصم الأوروبية التى نزورها وهم يعيشون حياة المنفى وكأنها قدر فُرِضَ عليهم وليس أمامهم سوى الاستسلام لما تأتى به الأقدار.
ضمير الشعب
لأن كل فعل بشرى مهما كانت قسوته. فإن له جانبه الإيجابى، وأنا أعتذر عن كلمة الإيجابى. فقد فكرتُ فى محوها، ولكن فى الكتابة الحديثة التى تتم عبر آلاتٍ وليس بأقلامنا وعلى ورقنا يبدو المحو أحياناً مسألة ليست سهلة.


وأعترف أننى خلال تحركى اليومى فى وسط الناس أشعر هذه المرة بأن المُتابعة الدءوبة لما يجرى فى غزة من قِبَل المصريين جميعاً تتمُ بوتيرة غير مسبوقة. فقد سبقت لنا الحروب معهم من 1948 وحتى الآن. بل إن حروبنا التى قاتلناها دفاعاً عن بلدِنا، كلها تقريباً كانت ضد العدو الصهيونى.


هذه المرة أكتشف أن المصريين جميعاً فى الأسواق وفى المطاعم والمقاهى والأماكن العامة يهتمون بما يجرى لأشقائهم الفلسطينيين وكأنه «لا قدَّر الله ولا كان»  يجرى لبلدهم. ويتمنون النصر الكامل لأشقائهم العرب فى كل مكانٍ من الدنيا. وقد تأكدتُ عبر سنوات طويلة مضت من عمرى أن تجربة الحرب من أهم التجارب التى يُمكن أن تمر بالإنسان. وأنها تترك آثارها فى النفس البشرية مدى الحياة. حتى لو كانت هذه الآثار جراحاً ترفض أن تُشفى وتختفى. بل تظل ندوباً فى الروح تنغمس فى أعمق أعماقها. وتظل تُذكِّرنا بوجودها لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة.


ففلسطين هى قضية عمرنا كله. وهى محور اهتماماتنا. بل إن الحروب التى فُرِضت علينا كانت آتية ممن اغتصبوا فلسطين واستولوا عليها ويحاولون أن يجعلوا منها وطناً لهم. ولا أعتقد أن هذا ممكن أن يحدث أو يتم، وأرجوك لا تسخر من كلامى وتعتبره سطوراً من دفتر الأحلام. فقد أكدت تجارب التاريخ ومحاولات الاستعمار والاستيطان والاستيلاء على بلاد الغير إنها إلى زوال. وأن الحق لا بد أن ينتصر فى النهاية.


سيناء رمز الوطنية المصرية
لن أُردِّد ما يقوله الأعداء عن سيناء. لأنه كلام يؤكد لى أن العدو يبقى عدواً مهما تطورت الأحوال وتبدلت الأمور وتغيرت المصائر. فأبواقهم الإعلامية وحُلفاؤهم من الغربيين يُشيرون إلى سيناء إشارات أرفُضها وأقِفُ ضدها. وأعتبر أنها خط العمر الذى لا يجب التخلى عنه. وأن الإيمان به حتى آخر لحظة فى الحياة واجبٌ مُقدَّس لا يُمكن مناقشته ولا اعتباره أمراً يُمكن الكلام حوله مهما كان هذا الكلام.


فقد خُضنا حروباً كثيرة دفاعاً عنها. وها هى القيادة السياسية تزرعها بالبشر والناس. وتجعلها قضية لا يُمكن الكلام بشأنها إطلاقاً. بل هى جُزء غالٍ ومُهِم من أرض الوطن. بل إن أرض البلاد المصرية تبدأ بها. وستظل قطعة من وجدان كل مصرى وكل عربى يُحب مصر والمصريين. فالوطن يبدأ من هناك وينتهى هناك. وقد ذُهِلتُ عندما وجدت العدو الصهيونى يُفكِّرُ فى سيناء بطريقة مرفوضة وغير مقبولة. وسيدفع جيلنا حياته كلها فى سبيل الدفاع عنها وعن مصريتها التى لا بد أن تبقى كأنها قدرها ومصيرها ومآلها الأخير.
أعتقد أن حركة تعمير سيناء الأخيرة والتى لم تحدُث من قبل أبداً جعلت منها قطعة غالية من قلوبنا ونور أعيننا وحياتنا التى نُضحِّى فى سبيلها بكل ما نملك. وهل هناك أغلى من سيناء لكى نُقدِّم لها كل شيء؟ الماضى والحاضر والمستقبل، الحياة كلها؟.
وأذكر أننى عندما كنتُ عضواً فى مجلس النوَّاب المصرى مُعيناً بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسى، وبعد وصولى إلى المكان بدأت البحث عن نواب سيناء. وربطتنى بهم أواصر القُربى والصداقة والمصير المُشترك. ولم أكن أذهب إلى المكان إلا ويكون السلام عليهم والكلام معهم وتبادل أطراف الحديث حول ما يجرى فى الدنيا كلها، وبالذات سيناء الحبيبة الغالية التى يجب أن نُنظِّم رحلات لمدارسنا بكل مراحلها التعليمية وجامعاتنا ومعاهدنا إلى هناك. الارتباط بالمكان يُمكن أن يتم عبر مثل هذه الزيارات.
فنانونا وفلسطين


أحرص يومياً على قراءة جريدة اليوم السابع من أول صفحة لآخرها. يرأس مجلس إدارتها الزميل أكرم القصاص، ويتولى تحريرها الزميلة عُلا الشافعى. فى هذه الجريدة تحقيقٌ مُصوَّر على صفحتين. يدور حول موضوع يستهوينى كثيراً. ألا وهو قضية فلسطين فى القصة والرواية المصرية والسينما والمسرح فى بلادنا. قالت إن سبعة أفلام مصرية تناولت فلسطين وجُرحها الغائر، وقضيتها التى تحتل الوجدان، وأنها تركت أثراً لا يُنسى.


وأنا أختلف مع الزميلين على الكشروطى، وزكى مكَّاوى فى أن سبعة أفلام تتناول قضية فلسطين رقم ضئيل جداً. فهى قضية مصرية من الدرجة الأولى. وكنتُ أعتقد أن هُناك عدداً أكبر من الأفلام السينمائية تتناول القضية. وفكرتُ أن أسأل الأستاذة ماجدة موريس الناقدة السينمائية التى تُشكِّل مرجعاً بالنسبة لى فى هذا الميدان. ولكن الوقت لم يسمح لى بذلك.


من الأفلام التى أتذكرها كثيراً جداً رغم أنى لست مُتأكداً إن كان قد عُرِضَ جماهيرياً فى السينما المصرية أم لا، فيلم: ناجى العلى. الذى كان بطله الفنان الراحل: نور الشريف. وقد عرفتُ ناجى العلى وشاهدت فيلم نور الشريف الذى أتمنى لو أن إحدى القنوات تعرضه الآن.
إن حكايات فلسطين لا تنتهى ولا يُمكن أن نصل إلى كلمة الختام فيها. فهى قضية العُمر الأولى والأخيرة.

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة