الزعيم ياسر عرفات يستقبل النجم الكبير محمود يس فى بغداد
الزعيم ياسر عرفات يستقبل النجم الكبير محمود يس فى بغداد


سلامًا لرمز النضال الفلسطينى فى ذكرى استشهاده الـ 19

ذكريات من لقاء ياسرعرفات مع نجوم «واقدساه» فى بغداد منذ 35 عامًا

عاطف النمر

الأربعاء، 15 نوفمبر 2023 - 08:42 م

اختتم السيد أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية كلمته فى مؤتمر الرياض بتوجيه التحية لروح الزعيم ياسرعرفات فى ذكرى رحيله التاسعة عشرة التى حلت فى 11 نوفمبر الجارى، وكرر التحية الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى ختام كلمته للشهيد الرمز، اللفتة كانت واجبة فى هذا الظرف الاستثنائى الصعب الذى تتعرض فيه غزة للإبادة الشاملة، والمحاولات المضنية التى تقوم بها مصر الكبيرة لإيقاف المذابح التى لا تتوقف وإدخال المساعدات لأهلنا فى غزة العزة، اللفتة فرضت علىّ العودة بالذاكرة إلى شهر أغسطس 1988 عندما شرفت بلقاء الزعيم ياسرعرفات لأول مرة بمقر إقامته بالعاصمة العراقية بغداد ضمن الوفد المصرى المرافق لعرض «واقدساه»، و«القضية 88» وكلاهما من تأليف الصديق يسرى الجندى، العرض الأول من إنتاج الاتحاد العام للفنانين العرب الذى أسسه الكاتب سعد الدين وهبة عام 1986 ليجتمع الفنانون العرب فى كيان فنى لا يعرف التناحرات والخلافات السياسية.

 
كنت ضمن الوفد الإعلامى المرافق للعرض فى مهرجان بغداد الدولى فى ظل توترات كانت قائمة مع العراق التى قادت المقاطعة التى استمرت 10 سنوات ضد مصر عقب توقيع الرئيس السادات لاتفاقية «كامب دافيد»، كدت أعتذر للكاتب سعد الدين وهبة عن الدعوة التى وجهها لى باسم الاتحاد لموقف تعرضت له قبلها بعام عندما رافقت عرض «ابن البلد» الذى شاركنا به فى نفس المهرجان واحتشد فى ندوة العرض لفيف مرتب من نقاد من العراق ودول أخرى لشن هجوم حاد وغير مبرر على العرض والرئيس السادات الذى لم يكن له أى موقع فى العرض، وامتص د.سمير سرحان رئيس الوفد وقتها ما كان يعتمل فى صدور أعضاء الوفد المصرى من غضب كاد يؤدى لاشتباكات لفظية، لكن الصديق الفنان غسان مطر أحد أبطال عرض «واقدساه» طمأننى بأن العرض مقام تحت رعاية الزعيم ياسر عرفات، وأخبرنى أنه سوف يلتقى بنا على الغداء بمقر إقامته، وسوف يحضر لمشاهدة العرض.


كان من المقرر أن تعرض «واقدساه» للمخرج التونسى المنصف السويسى لمدة ليلة، لكن الإقبال الجماهيرى جعل العرض يمتد لثلاث ليالٍ، خاصة وأنه يجمع ولأول مرة مجموعة مختارة من الفنانين العرب فى مقدمتهم محمود ياسين، وفاطمة التابعى، وأحمد سليم، وخليل مرسى، وتوفيق عبد الحميد من مصر، وعزيز خيون من العراق، ومحمد المنصور من الكويت، وعلى مهدى من السودان، وغسان مطر من فلسطين، وزياد مكوك من لبنان، وإبراهيم بحر من البحرين، ومحمد عبد اللطيف من تونس، وقد استدعى النص شخصية صلاح الدين الأيوبى محرر القدس من أيدى الصليبيين. 


وفى نفس التوقيت كانت فرقة بورسعيد تعرض فى مسرح آخر عرض «القضية 88» ليسرى الجندى أيضا، وللأسف حالت مشاغل الأخ ياسرعرفات عن حضور عرض «واقدساه» وفوجئنا فى اليوم التالى بالباص الذى يحملنا إلى مقر إقامته، وجدناه فى انتظارنا أمام مدخل مقر إقامته، استقبل سعد وهبه ومحمود يس بالقبلات والأحضان، واستقبل كلاً منا بنفس الأحضان والقبلات الودية، مائدة الطعام العامرة بالمنسف الفلسطينى جمعت نجوم «واقدساه» و«القضية 88»، كان أبو عمار يحمس الجميع لتذوق أكلة المنسف الفلسطينى التراثية التى ادعى الكيان الصهيونى أنها أكلة إسرائيلية، وقال ضاحكا «إنهم لصوص، يسرقون الأرض والوطن والكحل من العين، ويسطون على كل شيء لأنهم أتوا غزاة من الشتات ليسوا على ثقافة مشتركة، ولهذا فهم فقراء جدا فى الإبداع، يسرقون أغانى أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش وفيروز ويضعون على الألحان كلمات عبرية، ويسرقون الفنون الشعبية الفلسطينية ويدعون أنهم أصحابها فى الأصل»! 


الزعيم ياسر عرفات كان يتكلم أكثر مما يأكل بحديث سلس منمق وجذاب، يكشف عن شخصية مثقفة واعية بالتاريخ ولديه سعة اطلاع، قال ضمن كلامه إنه مصرى الهوى، تخرج من كلية الهندسة بالقاهرة، وتطوع لصد العدوان الثلاثى عام 1956، وبعد انتهاء الغداء ومع قدوم أكواب الشاى بأعواد النعناع فتح أبو عمار أطراف الحوار عاتبا بمرارة عن خيبة رأس المال العربى فى مقابل ملايين الدولارات التى تنفقها الصهيونية والماسونية العالمية فى أعمال فنية لتشويه الإنسان العربى وتقديمه للرأى العام الغربى فى صورة نمطية على أنه همجى متخلف، جاهل وعنيف وسادى  وإرهابى،

وتشوه بالتالى الشخصية الفلسطينية وتحقر من نضالها المشروع لاسترداد أراضيها وحقوقها المسلوبة، وأثنى الزعيم الفلسطينى على فكرة تأسيس الاتحاد العام للفنانين العرب ككيان يستطيع أن يقدم أعمالاً فنية مشتركة، سينمائية ومسرحية وغنائية وتشكيلية لخدمة القضايا العربية، وقال «ونحن فى منظمة التحرير على استعداد أن ندعم مثل هذه الأعمال بقدر ما نستطيع وحسب إمكانياتنا، ونطلب من الأشقاء فى وزارات الثقافة والإعلام تدعيم هذه الأعمال القومية، ونطلب أن يكون للجامعة العربية دور رائد فى هذا الأمر، لأن الكلمة المرئية تلعب دوراً كبيراً فى تغيير اتجاهات الغرب المتحيز والمنحاز لكيان الاحتلال، اتحادنا على كلمة واحدة وهدف واحد سوف يخدم قضايانا المشتركة، وقال إن الظرف الحالى يتطلب من المثقفات العربيات نفس الوعى الذى تحلت به السيدة هدى شعراوى التى كان لها دور رائد فى ثورة 1919، فهى من قالت «فلسطين ليست أرضاً بلا شعب حتى تصبح وطناً لشعب بلا أرض».


وقال الزعيم الفلسطينى وهو يربت على كتف النجم محمود يس: «أتذكر أنى شاهدت لك عام 1970 رائعة «النار والزيتون» التى كتبها الفريد فرج من معايشته للفدائيين الفلسطينيين فى غور الأردن، وكتب أشعارها محمود درويش، وأنا قرأت نصوصاً كثيرة كتبها أحمد على باكثير تنصف الحق الفلسطينى وأتمنى أن يعاد تقديمها على خشبات المسارح فى كل العواصم العربية، ومنها مسرحيات «شيلوك الجديد - شعب الله المختار - إله إسرائيل»، فلماذا لا يتم تقديم هذه الأعمال؟ «فقال محمود يس إنه جاهز لتقديم أى عمل يطوف به كل بلاد العالم لنصرة الحق العربى وبدون أجر، لأن مشاركته فى أى عمل قومى واجب يؤديه مثلما أدى الخدمة العسكرية، وقال سعد الدين وهبة إن اتحاد الفنانين العرب سوف يدرس إعادة تقديم الأعمال التى أشار إليه ياسر عرفات ويقدم غيرها مثلما أنتج «واقدساه» كبكورة أعماله. 


فى اليوم التالى ذهب الزعيم ياسر عرفات لمشاهدة عرض «القضية 88» وفى نهاية الجزء الأول مال عليه حارسه الشخصى وهمس فى أذنه بكلمات نهض على أثرها أبو عمار معتذراً لسعد الدين وهبة ووزير الثقافة العراقى لأنه مضطر للإنصراف لمقابلة هامة. 


رحم الله الزعيم ياسر عرفات رمز الصمود والنضال الذى حاول الاحتلال الإسرائيلى اغتياله أكثر من مرة وبأكثر من أسلوب، ووصل الإجرام بقصف مقره فى تونس بست طائرات إسرائيلية وكتب الله له النجاة، مثلما كتب له النجاة فى لبنان والأردن، وحاصرته دبابات العدو فى مقر الرئاسة الفلسطينى وخرج من الحصار للعلاج فى فرنسا التى لقى بها ربه وكل أصابع الاتهام تتشكك فى طريقة وفاته وأسبابها، رحمك الله يا أبا عمار. 
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة