بهاء المري
بهاء المري


«يوميات قاض26».. قصة قصيرة للكاتب المستشار بهاء المري

صفوت ناصف

الخميس، 16 نوفمبر 2023 - 01:31 م

المُمثِّــِــل

في قُرابة الواحدة بعد الظهر من اليَوم الأول في العام الميلادي الجديد، البيوتُ غافيةٌ مُتدثرةٌ ببعض الصَمتِ والهدوء، لم تزل حركة الشوارع بطيئة، سَهرَ الناسُ بالأمس احتفالاً برحيل عام واستقبال غيره، يَبدو أنَّ أغلبهم ما زال نائمًا أو استيقظ ولم يُغادر مسكنه.

الأرضُ تَتنفسُ الصُعداءَ تلتمسُ شيئَا من الراحة من أثر عَربدة الناس منذ نحو اثنتي عشرة ساعة مَضَت، والسماء تَتلبَّدُ بغيوم سوداءَ تَحجُبُ أشعةَ شمس وسط النهار؛ ليبدو النهار حزينًا، ولَسْعةُ بردٍ تَسري في الأجواءِ؛ فتتسرَّب إلى الأجساد لتُزيدَ من الإحساس بعدم الراحة أو الاطمئنان.

الحَيُّ الراقي المشهور بهدوئِه، والقابع على أطراف المدينة، تَمرَّدَ على هذا الهدوء في بداية العام الجديد، تَجمَّع الناسُ أمامَ أحد الأبراج، علامات استفهامٍ تَلفُّ الجميع، صُراخ وعويل، تَزاحُم على الدخول من الجيران والمارة، ونزول آخرين مَفجوعين، ودموع البعض تنحدر على الخدود، والبعض يَضربُ كفًا بكف، وأغلبهم قد أمسكَ بالهواتف النقالة لإجراء اتصالاتٍ وهم فزعون.

عشراتُ الاتصالاتِ تَلَّقتها خُطوطٌ شرطة النجدة في آنٍ واحد: "أسرة طبيب مُكونة من زوجته وثلاثةَ أطفالٍ وُجدوا مذبوحين جميعا في مسكنهم الكائن بالشقة رقم (٧)، بالبرج رقم (١٣).

أبلغت النجدةُ السيد مدير الأمن الذي أجرى بدوره اتصالاً بمدير المباحث الجنائية، الذي أصدر تعليماته بانتقال وحدة المباحث الجنائية بالمديرية، ووحدة مباحث القسم المختص إلى مكان الحادث، والبحث فورًا عن الجاني.

رَنَّ هاتف رئيس المباحث طويلاً - على الكوميدينو الكائن بجوار سريره -وهومُستغرق في نومه، الرنين لا ينقطع،وكلما مَدَّ يده لإسكاته؛ يرن من جديد.

أخيرًا.. رفعَ الضابط الأغطية، وتَثاءَبَ طاردًا النُعاسَ، وإرهاق الاحتفال بليلة رأس السنة التي قضاها حارسًا للأمن حتى طلوع النهار، أمسك بهاتفه النقال، ثم اعتدل في جلسته مَذعورا وهو ينظر إلى شاشته، الاتصال آتٍ من الرقم الشخصي للسيد مدير المباحث الجنائية، هبَّ واقفًا وفتح زر إجابة الاتصال، أحاطه المُتحدث بما سَمع، في دقائق مَعدودة كان قد ارتدى ما وقعت عليه عيناه من ملابس خروج على الشماعة القريبة من سريره؛ ونزل جريًا على سلم العقار لم ينتظر وصول المِصعد.

تَحرَّكَ رجال البحث جميعًا، بعضهم بسيارات الشرطة، والبعض بسيارته الخاصة إلى مكان الحادث.

زحامٌ شديد أمام البرج، الشقة تقع في الطابق السابع منه. الطبيب أمجد رب الأسرة يُحوطُ به عدد من الجيران، وهو جالس أمام باب الشقة، ساندًا ظهره إلى الحائط، وأثر لَطمِهِ على خديه كان واضحًا.

رجل في منتصف العِقد الرابع من العُمر، طويل القامة، بَشرتُه بيضاءَ يَشوبها حُمرة، أزرق العَينين؛ يبدو كالأجانب. هَمَّ بالوقوف عندما أبصَرَ الضباط، فساعدَه الجيران.

دخل الضباط الشقة، جثة الزوجة مُسجَّاة بالصالة مذبوحة الودَجَين من الرقبة، وبجوارها جثة طفلة في نحو الرابعة من عُمرها مذبوحة بذات الطريقة، والدماء تُغرِق الصالة، وفي غرفة الأطفال بالداخل جثة طفل (ثماني سنوات) على سرير، وإلى جوراها جثة آخر (ست سنوات) مَذبوحتان من الوَدجَين كذلك، والدماء قد أغرقت السرير وجزءًا من أرض الغرفة. المَنظرُ مرعب، والجريمة نَكراء.

تَفقَّدَ فريق البحث باقي أرجاء الشقة، دولاب حجرة نوم القتيلة مُبعثر المحتويات، بعضها سَقط أرضًا بشكل يُنبئ عن فوضَى، لم يَلمِسُوا شيئًا حتى ينتهي خُبراء البَصمات من أعمالهم.

سأله ضابط عن معلوماته، انهارَ ولم تَقوَ ساقاه على حمله فسقَط أرضًا مَغشيًا عليه.

تجمع بعض الجيران من حوله في محاولة لإفاقته، بينما راح الضباط يتكلمون مع الجيران.

مدير المباحث الجنائية:

- من يسكن في الدور السابع بجوار شقة المقتولين؟

أجابه المهندس إبراهيم، الجار المُلاصق:

- أنا يا حضرة الضابط.

تَقدم الطبيب حسن، الجار المُواجه للشقة قائلاً:

- وأنا أيضا سيادة الضابط.

توجه بحديثه إلى أحدهما:

- ما معلوماتك يا باشمهندس؟

قال المهندس إبراهيم:

- في حوالي الساعة الثانية عشرة ظهرًا تقريبًا، كنتُ مُستيقظًا للتَوِّ من نَومي، إذ سَهَرنا طويلًا في الليلة الماضية، وإذ بيَ أسمعُ صراخ الدكتور أمجد بصوتٍ مُرعب أمام باب شقته وكان الباب مفتوحًا، هرعتُ إليه، وجدته خارج الشقة يَلطُم خدَّيه ويَرطم رأسه بالحائط حاولتُ الإمساك به دون جدوى، سألته عما جرَى؛ فأخذ يُوالي اللَّطم والصياح والنواح ولم يُجبني، اقتربتُ من باب الشقة، أبصَرتُ جثة زوجته الطبيبة مذبوحة من رقبتها، وبجوارها جثة طفلتهما مذبوحة هي الأخرى من الرَّقبة، والدماء تَغمُر أرض الصالة، لم أحتمل هذا المنظر المُرعب، عندما ابتعدتُ عن الصالة؛ أشار لي بسبابته تجاه الداخل، وهو يقول بصَوت مَبحُوح: "خالد وعُمر."

ظننتُ أنَّ الطفلَين بالداخل ويرغب في إخراجهما؛ دخلتُ فإذا بهما جثتان مذبوحتان كذلك من رقبتهما، والدماء تُغرق السرير وأرض حجرة نومهما.

ثم سأل الضابط الدكتور حسن؛ فأجاب:

- وأنا رأيتُ الدكتور أمجد قبل أن يَصرخ، وقبل أن يَخرج المهندس إبراهيم من شقته على صُراخه، كنتُ خارجًا من المِصعد، أبصرتُه في اللحظة التي كان يَخرج فيها من شقته وفي يده مُفتاحها، وما أن رآني، وقبل أن ألقي عليه السلام؛ راح يَصرخ في هيستيريا صَرخات مُدوية، تكاد تَهتزُ منها جُدران العمارة، وأتبَعَها بصرخاتٍ أشد قوة طغَت على صوت أذان الظهر المُنبعث من مكبرات الصوت في المنطقة، ثم أخذ يلطم، ويَقول: "أسرتي.. أسرتي.، فسَألتُهُ ماذا جرى؟ فلم يُجبني، واستمر في الصراخ، ورَطْم رأسه في الحائِط بشكل جنوني، وعندئذ خَرَج المهندس إبراهيم من شقته؛ فأبعدناه عن الحائط، وأمسكتُ به حتى لا يُحدث إصابات بنفسه، ثم دخل المهندس إبراهيم الشقة محل الحادث ورأى ما حكاه لك تّوًا.

كان الزوج المكلوم قد تماسَك للحظاتٍ بعد أن أجلسهُ الجيران أمام باب الشقة وأحاطوا به، أخرج هاتفه النَقال من جيبه وراح يتصل بحماته، تَحشرَجَ صوته وهو يَصرخُ في الهاتف: "نادية والعِيال يا ماما، نادية والعِيال يا ماما!"

يبدو أنها سألته عما به، لأنه راح يُردِّد عبارة: "مذبوحين.. مذبوحين" إلى أن ارتَعَشَت يداه وسَقطَ منه الهاتف أرضًا، وخَفَتَ صوته فلم يَعُد يملك القدرة على نطق أي عبارات أخرى.

غادرت والدة الزوجة القتيلة مسكنها القريب من العمارة، الطريق شِبه خالٍ إلا من ضباب يُخيِّمُ على ما أمامها من مَرئيات، وبدا لها الشارع - الذي ينتهي بالعمارة - في تلك اللحظات، كجُبٍ تَسيرُ إليه وكأنها مُخدَّرة.

قبل أن ينهي الدكتور حسن كلامه مع الضابط، خَرَجَت الحاجة فاطمة من المصعد صائحةً مُولولةً: "بنتي، وأحفادي.. بنتي وأحفادي". وأخذت تكررها في هيستيريا، نهض الدكتور أمجد مُتثاقلًا وألقى بنفسه في حِضن حماته وهو يَصيح ويَصرخ بكل قوته، وهي تَربتُ على ظهره مُنتحبةً، حتى فَصَلَ المتواجدون بينهما.

حاول الضباط والجيران منعها من دخول الشقة إشفاقًا عليها من مَنظر الدم والجثث الأربعة المذبوحة فلم يستطيعوا، أو ربما في لحظةٍ ركنوا في داخلهم أمام إلحاحها في الدخول، أن تُلقِي نظرة أخيرة على ابنتها وأحفادها الثلاثة.

كانت الجارة الملاصقة لابنتها قد خرجت إليها على أثر سماع صُراخها، أسندتها ورافقتها إلى الداخل، ثم سرعان ما صَرَخَت الجارة بعد أن سقطت منها أرضًا؛ دخل رجال، أخرجوها أمام باب الشقة، أجلسوها وأسرَعَت الجارة فأتَت بزجاجة "كولونيا" وأفاقوها بعد قليل؛ لتجد أمجد مَمسكًا بيدها وقد حملقَ في لا شيء أمامه وفي كل شيء في ذات الوقت.

تَطلعَت فيه حماته، لاحَظَت أنَّ دموعه قد تحجرت، لا تريد دمعة واحدة أن تنحدر من عينيه، ذَمَّت شَفَتيها وقد تملكت منها نَهنَهَات مكتومة، وتوجهت إليها جارة ابنتها تَهمس وقد أشفقت على أمجد:"جَفَّت دموعه يا حبَّة عيني، ولا دمعة نازلة من عينيه".

أعقب ذلك حضور أحد أشقاء الدكتور أمجد، احتضنه أمجد مُستمرًا في صياحه: "رجَعتُ من الشارع وجدتهم كلهم مذبوحين". وراح يُكررها حتى سَقط مغشيًا عليه مرة أخرى.

خيَّم الحزن والأسى على الجميع بما فيهم رجال الشرطة، اصطحبوا أمجد معهم وهم في حالة إشفاق عليه ليَستكملوا إجراءاتهمم يستطع التحدث من هَول ما ألمَّ به من هَلَع، وتركوه حتى تنتهي مَراسِم دفن الجثث الأربعة.

كان رجال الشرطة، في سِباق مع الزمن لإنهاء إجراءات التشريح الذي أمرَت به النيابة العامة، والإسراع في دفن الجثث، كانت قلوبهم معه، ذلك الذي نُكبَ في زوجته وأطفاله الثلاثة.

خرجت النُعوش الأربعة من المستشفى في مشهد جنائزي يَشيب من هوله الولدان، العاملون في المستشفى، والمارُّون في الطريق، ورجال الشرطة، وعابري السبيل، لا يَستطيع أحد أن يكتم مشاعره لرؤية هذا المشهد المهيب، الدموعُ تَنحدر على الخدود، والمُشيِّعون تتجه نظراتهم بإشفاق إلى الذي فقد الزوجة والأبناء في لحظة واحدة.

انتهت مراسم الدفن، وعاد رجال الشرطة به إلى القسم لمواصلة التحقيقات، لم يتِّهم أحدًا، ولم يَقُل بوجود خلافات بينه وبين أحد، يُحب زوجته حبًا جمًّا، وكذلك أبنائه فلذات كبده، كان هذا بعض ما قاله لضباط المباحث.

انتهى خُبراء المعمل الجنائي من أعمالهم، لا يُوجد عُنف على باب الشقة، ولا نوافذها، عدا دولاب غرفة النوم وجدوا محتوياته مُبعثرة، سألوا أمجد فقال:

- لا أعرف، لم أقوَ على رؤية الجثث، ولم أتفقد ما في الدولاب، عدتُ من الشارع قبل صلاة الظهر، وجدتهم جميعًا مذبوحين.

يسأله الضابط:

- كيف دخل القاتل ولا يوجد عنف على الباب؟

- لا أعرف.

- هل يحتفظ أحد بمفتاح للشقة؟

-لا

-متى خرجت من شقتك؟

- خرجت في العاشرة صباحًا وهم نائمون.

- لماذا؟

- توجهت إلى البنك، وهذا هو "الريسيت".

- هل سُرقَ من الشقة شيئًا؟

- لا أعلم، لم أستطع التحرك فيها بعد المجزرة التي رأيتها.

ينتقل به الضابط إلى الشقة، يتفقد أمجد ما فيها، مصوغات الزوجة ليست في مكانها بالدولاب، هذا هو كل ما اختفي من الشقة. يسأله الضابط:

- كيف دخل السارق؟

- ............... بكاء هيستيري.

يعود به الضابط إلى القسم، يَنضم إليه باقي فريق البحث، سلامة باب الشقة ونوافذها كانت علامة استفهام كبيرة، تَذكَّرَ أولهم - وهو الذي انتقل فور إبلاغه- ما قاله الجار الدكتور حسن: "... وأنا رأيتُ الدكتور أمجد قبل أن يَصرخ، وقبل أن يخرج المهندس إبراهيم من شقته على صُراخه، .... أبصرتُه في اللحظة التي كان يَخرج فيها من شقته وفي يده مُفتاحها، وقبل أن ألقي عليه السلام؛ راح يَصرخ في هيستيريا...، وأتبَعَها بصرخات أشد قوة ثم أخذ يلطم خدَّيهِ...".

يُضيِّقُونَ الخِناق علي أمجد بأسئلتهالمتوالية، علامات استفهام متعددة عَجَزَ عن تبرير أكثرها، بدأت أعصابه تنهار إذ حَدَّثته نفسه أن الشك فيه بدأ يتسلل إلى رجال الشرطة؛ شعر بالإرهاق فراح يَتململ في مقعده الكائن أمام مكتب رئيس المباحث، انزاح بنطاله إلى أعلى قليلًا، فإذا ببقعة حمراء تُشبه الدمَ على جَوربه الرصاصي الفاتح، أبصرها أحد الضباط الآخرين من فريق البحث، هبَّ واقفا، أمسك به من كتفه وأوقفه، رَفَعَ طرف البنطال إلى أعلى، أبصر آثار دماء تتناثر على بنطال داخلي يلبسه بغرض التدفئة؛ انتفض رئيس المباحث الجنائية هو الآخر وهب واقفا في مواجهة أمجد، رفع البلوفر إلى أعلى ليَخلعه عنه؛ بدأت أطراف أمجد في الارتعاش. يا للمفاجأة حتى "البَدِي" الداخلي تُلوثه الدماء في أجزاء كبيرة منه، نظروا إليه جميعا نظرات طويلة صامتة وعُيونهم ملآى بعلامات الاستفهام والتعجب والاستغراب؛ لم يستطع أمجد المراوغة، طأطأ رأسه وهو يَهزها هزَّاتٍ عمودية متتالية، بما يعني إنه هو!!

منذ سِتَّة أشهر سابقةٍ على يوم 31/12/.. وتحت زَعْمٍ أنهُ أبصَرَ على هاتف زوجته "سكرين شُوت "screen shot لمحادثة جرَتْ بينها وبين رجل آخر على تطبيق "الواتس آب whats app" تَشي بعلاقة عاطفية بينهما؛ فكَّر باطمئنان نفس وهُدوء خاطر، وسُكون حواس، عاقدًا العزمَ مُبيتًا النيةَ على قتلها، وخَطَّط لأنْ يَكُون القتل بطريقة - رآها - أسهل، هي الخنْق بحبل؛ انتوَى ذلك أكثر من مرة؛ ولكنَّ الفرصةَ المُناسِبةَ - من وجهة نظره - لم تُواتهِ.

استمرَّ على تصميمه؛ وأعدَّ لذلكَ قُفَّازًا اشتراهُ من القاهرة قبل ارتكابه الجريمة بأربعة أيام وأخفاه بالمنزل، وأعدَّ معه لاصِق بلاستيكي، وأداتين تُحدثان القتل "سكين وحَبْل ستارة منزلية".

وفي اليوم السابق على الحادث رسَمَ خُطَّة التنفيذ وخطة إبعاد الشُّبهةِ عنه بثلاثة محاور، أولها: اتصاله بزميلته الطبيبة ....... لتتواجَدَ بَدلاً منه في اليوم التالي 31/12 الذي اختاره لتنفيذ جريمته، ليَتذَرَّعَ بأنه كان موجودًا في عمله، وثانيها: افتعاله مُروءة زائفة أحاط بها أسْرة زوجته وهي اصطحاب نجَّار في هذا اليوم؛ إلى شقة شقيق زوجته المُزمَع زفافه قريبًا لإنهاء بعض التشطيبات، ليَزْعُم اكتشاف القتل بعد أن رَجعَ من صُحبة النجار، وثالثها: اقتراح على زَوجته بأن يُعاشرها جنسيًا على الطريقة السَّادية؛ بأنْ يُكبِّل يَديها وساقيها باللاَّصق الذي أعده سَلفًا لهذا الغرض، قاصدًا من ذلك شَلّ مقاومتها ليتمكن منها فيقتلها.

وفى منتصف اليوم المُحدد، وبعد أن تناولا طعام الفطور؛ عرَض َعليها اقتراحه؛ وافَقتهُ؛ ولمّا سَلَّمَتْ وتَلَّهَا للجَبين؛ كبَّلَ يديها خَلفَ ظهرها باللاَّصق، وكذلك فَعلَ بساقيها، فتمكَّن بهذه الوسيلة من شَلِّ مُقاومتها، وجاء بحَبل السِّتارةِ ولفَّهُ حول عُنقها وخَنقها به فَخارَت قُواها، ولما فَقَدَت الوعيَ جَرَّها من غرفة النوم إلى الصالة وارتدى القُفَّازَ الذي أعده سَلفًا حتى لا يتركَ أثرَ بَصماتٍ، ونَحرَها بالسِّكين قاصدًا إزهاق روحها، فأحدث بعُنقها جُرحًا ذَبحيًا عميقًا أودى بحياتها.

وفي ذات الزمان والمكان دَلفَ وهو في حالة اطمئنان نفس، وهدوء خاطر إلى غرفة أطفاله الثلاثة، حاول خنق الطفلة بالحبل فلم تمُت فورًا؛ فحملها وسَجَّاها بجوار أمِّها ونَحَرَها بالسِّكين حتى لفظت أنفاسها، وعاد للغرفة بذات الهدوء والتصميم فنَحرَ الولد تِلوَ الآخر بذات السِّكين دون تأثر أو انفعال؛ ثم غَسلَ يديه وشرَع في تنفيذ باقي بنود الخطة التي أمعَنَ فيها النَّظر من قبل ليَفلت من الجريمة؛ بَعْثَر مُحتويات دولاب الزوجة؛ وأخذ مَصوغاتها الذهبية ليُوهِمَ بأنَّ القتل مِن مجهولٍ بدافع السَّرقة، ووضعها في كيس بلاستيكيّ مع السِّكين والحبل والقُفَّاز، واستقلَّ سيارته هادئًا مُطمئنًا ساكن الحواس قاصدًا النجَّار ليَصطحبهُ معهُ كي يحتجَّ من بعد بأنه كان بصُحبته؛ ولمَّا اعتذرَ النجَّار تَوجَّه إلى البنك وتحصَّل على إيصال تَعامُل بنكي زائف؛ ٍليُوهمَ بتواجده فيه ساعة القتل، ثم أخفي الكيس بما فيه بين أعواد الحشائش في الطريق الإقليمي .....

ثم عاد إلى حيث ضحاياه بمسكنه، وأثناء فتحه لباب الشقة؛ فُوجِئ بجاره الطبيب يَخرج من المصعد ويلقي عليه السلام.، وأدى دوره المسرحي بإتقان؛ ليُقنع جيرانه- كذِبًا - بأنه إذ عاد لمنزله اكتشفَ ذبْح زوجته وأبنائه الثلاثة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة