جلال عارف
جلال عارف


في الصميم

بين فضيحة المستشفى.. ومخططات التهجير

جلال عارف

الجمعة، 17 نوفمبر 2023 - 09:40 م

الفضيحة هذه المرة إسرائيلية وأمريكية معا.. والفشل أيضا كذلك!!.. الجريمة البشعة التى ارتكبتها إسرائيل باقتحام مستشفى الشفاء بعد حصار وتجويع وتدمير لكل مصادر الحياة فيه.. هذه الجريمة أرادت بها إسرائيل أن تكون رمزا لانتصارها، وأن تثبت فيها مزاعمها عن تحويل المستشفيات إلى ثكنات عسكرية للمقاومة الفلسطينية، وأن تمحو آثار فشلها العسكرى والسياسى بالكشف عن مدينة الانفاق تحت المستشفى، وبالقبض على قيادات المقاومة، وبالعثور على الرهائن فى دهاليز المستشفى، لكنها بعد عشرين ساعة من التفتيش الدقيق للمستشفى خرجت بهذا العرض الذى آثار سخرية العالم وضباطها يستعرضون غرفة صغيرة بها جهاز «لاب توب» وحذاء وجاكت عسكريان وبضع بنادق زعمت أنها عثرت عليهم فى المستشفى والأرجح أنها جلبتهم معها وهى تقتحم المستشفى بجنودها المدججين بالسلاح. وببجاحة منقطعة النظير وصف المتحدث العسكرى الإسرائيلى هذا المشهد بأنه غرفة التحكم فى العمليات التى تقوم بها المقاومة، ونسى أن الغرفة بها جهاز أشعة يكفى وجوده لنسف كل الأكذوبة الإسرائيلية!!

ولم تقل إسرائيل أين ذهبت مدينة الأنفاق تحت المستشفى الذى نشرت خرائطه بالتفصيل وأين اختفت قيادات المقاومة التى لم تتوقف المزاعم الإسرائيلية عن ترديد وجودها فى المستشفى واحتمائها بالمرضى والنازحين؟ لكن المشهد يفسر الفشل الإسرائيلى الهائل عسكريا ومخابراتيا وسياسيا فى 7 أكتوبر، ويؤكد أنه ما زال مستمرا رغم الدعم الأمريكى غير المسبوق الذى جعل أمريكا شريكا فى المذابح التى تتم، وشريكا أيضا فى الفضائح التى كان اقتحام مستشفى الشفاء واحدا منها!!

لقد كان مثيرا للدهشة أن واشنطن التى تحدثت كثيرا عن حماية المستشفيات هى التى بادرت بالتمهيد لاقتحام مستشفى الشفاء، وهى التى سبقت الاقتحام بترديد الأكاذيب الإسرائيلية عن تحويل المستشفيات لمراكز قيادة للمقاومة. بل وشارك البيت الأبيض بما هو أكثر حيث تم التأكيد على أن هذه المعلومات هى ما توصلت إليه أجهزة المخابرات الأمريكية (!!).. والأغرب من كل ذلك أن يعود الرئيس الأمريكى بايدن بعد انكشاف الفضيحة أمام العالم لترديد نفس الأكاذيب علنا، وكأنه يمهد الطريق لعدوان آخر على ما تبقى من مستشفيات فلسطينية مازالت تعمل ولو فى الحدود الدنيا وهى تتعرض للقصف الإسرائيلى وتعانى من انقطاع الإمدادات من الأدوية والمياه والغذاء!!
أصبح واضحا أن الهدف الإسرائيلى (المدعوم من أمريكا التى تصر على عدم إيقاف المذبحة) هو التدمير الكامل لكل أسباب الحياة فى غزة واجبار الفلسطينيين على النزوح خطوة خطوة نحو الجنوب، واجبارهم على الاختيار المر بين القتل والتهجير، كما أكد أكثر من وزير فى حكومة زعماء عصابات الإرهاب الصهيونى التى تحكم إسرائيل (!!) وكان آخرهم -قبل أيام- الوزير «الياهو» المكلف بوزارة التراث فى «دولة» لا تراث لها إلا القتل والإرهاب والذى أكد أن على دول أوروبا وأمريكا أن تساعد فى حل الموقف فى غزة عن طريق ما أسماه «التهجير الطوعى» للفلسطينيين!! ولا شك أنه وزملاءه فى الارهاب وحلفاءهم فى الغرب يدركون أن الأوفق والأسهل هو أن يعود الفلسطينيون إلى أرضهم المحتلة، وأن يعود أمثال نتنياهو إلى البلاد التى جاءوا منها.. ما داموا يرفضون حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة ودولتهم المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس العربية، ويصرون على المضى فى طريق الإرهاب والتوسع، ويلوحون بالقنبلة النووية، ويستمرون فى قتل الأطفال وارتكاب كل جرائم الحرب متصورين أن الدعم الأمريكى سيوفر لهم الحماية للأبد!!

يقول الإسرائيليون إنهم استكملوا السيطرة على شمال غزة وقضوا على أى تهديد من «حماس» هناك.. فلماذا لا يعود سكان شمال غزة إلى منازلهم بدلا من استمرار دفعهم إلى الجنوب الذى قيل لهم أنه سيكون آمناً.. بينما تقول الأرقام إن نصف الضحايا الفلسطينيين سقطوا فى هذا الجنوب الآمن الذى يتعرض الآن لأقسى الهجمات الإسرائيلية، والذى تلقى سكانه فى خان يونس أخيراً انذارات بإخلاء مساكنهم تمهيدا لقصفها«!!» كما تتعرض المستشفيات ومخيمات اللاجئين للقصف الإسرائيلى الذى يشتد يوما بعد يوم.

ويترافق مع هذا كله- الحديث الإسرائيلى عن أن إسرائيل لن تترك غزة بعد الحرب، وأنها تريد سيطرة أمنية كاملة عليها، وتستهدف وضعا مثل وضع الضفة الغربية.. أى عودة لزرع المستعمرات الإسرائيلية والاستيلاء على الأراضى الفلسطينية.. ليكون «التهجير هو الحل» فى غزة وأيضا فى الضفة الغربية. ورغم أن الولايات المتحدة مازالت تؤكد أنها ضد التهجير، وضد عودة الاحتلال العسكرى الإسرائيلى لغزة، ومع دولة فلسطينية تضم الضفة وغزة.. فإن التجارب علمتنا أن نكون جاهزين على الدوام لمواجهة كل الاحتمالات، وأن قوتنا الذاتية هى التى تضمن لنا الأمن والسلام، وهى التى ترغم اعداءنا على أن يتيقنوا أن حدودنا هى خط أحمر، وأن قضية شعب فلسطين لن تحل بالمذابح الإسرائيلية ولا بانكار الحقوق أو الاستيلاء على الأرض أو الجرى وراء الصفقات المشبوهة والتطبيع المجانى أو الإبراهيمى.. وإنما بالحل العادل الذى يعيد الحقوق المشروعة لشعب فلسطين، ويوقف الجرائم النازية التى ترتكبها إسرائيل ويحاسب المسئولين عنها والداعمين لها.

مصر قالت كلمتها، ونحن نعرف المشاكل والتعقيدات فى العلاقات العربية، ولكنها لا ينبغى أن تمنع رسالة عربية عاجلة وحاسمة للقوى الكبرى والعالم كله أن التهجير خط أحمر، وأن الوقف الفورى للمذبحة الصهيونية النازية هو ما سيحكم مستقبل العلاقات العربية مع كل الأطراف.
الخطر حقيقى، والتحرك لمواجهته ضرورى، والتاريخ لا يرحم، والشعوب لا تغفر!!

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة