قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون
قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون


قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

«مثلث متساوي الأضلاع» قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

صفوت ناصف

الخميس، 23 نوفمبر 2023 - 07:26 م

لم تطلب منّي أن أشاركها الحديث، لكن أن أنصت إليها بقلبي، أغض الطرف عن أية هنات تراها عيني، عاهدتني ألا أخبر أحدًا، قاسمتها على ذلك، غير أن قلمي نزق، لا يطاوعني كقلبي حين يهفو ويهوى.

جلست أمامها، أنصت بجوارحي، حين أيقنت أنني معها بالفعل، وضعت كفيها على ركبتيّ، همست: استمع إليّ من فضلك، لن أكرر كلامي مرة ثانية، لن أقوله لمخلوق من بعدك: يا وليدي لقد غامت الصورة في عيني فلم تعد كما كانت، باتت الوحدة خير رفيق ليّ، عدا صديقين فنجاني العتيق و"كنكتي" القديمة. يحسبهما الناس جمادًا، لكني أراهما حياة قائمة هما دنيتي الآن، دائرة مغلقة على ثلاثتنا.

تسارعت أنفاسها، حتى خشيت عليها، حين أوشكت أن أطلب منها أن تتوقف، أشارت لي، أكملت: تلك حقيقة لا أنكرها، عشرة طويلة فقد تزاملنا سويًّا طيلة عقود طبعت آثارها على يديّ فاعرورقت وتغضّنت كما ترى وقبضت أصابعها ثم فردتهم ببطء حتى أراهما معها، ثم أردفت: لقد أصابني وهن على وهن، ذهب الأهل والأحباب غير أن  بي بعض بقايا قوة وفتوة ما زالت.

 أومأت ناحية طاولة خشبية صغيرة، قالت: تتبدّى إرادتي حينما أمسك بيد "الكنكة" الخشبية، ربما ترتعش أطرافي قليلًا، ربما يضطرب "وش" القهوة، لكنّي أقسم أنّي أصب قهوتي كاملة في فنجاني الأثير، الذي يلازمني كظلي، بل هو ظلي الثاني، ثم يبدأ طقس جديد للرائي، قديم قدم حياتي التي طالت فوق ما ينبغي، شعيرة تعلو في نظري حتى تصبح عقيدة لا أتخلى عنها ما حييت.

 توتر صوتها، همست من جديد: إن بيني وبين فنجاني و"كنكة" القهوة، سر مقدّس لا يعرفه غيرنا، لقد استغنيت عن الدنيا بهما، ولمَ لا وقد سقطتُ للقاع ولم يلقفني أحد من قبل!

 لعل نبؤة سمعتها من "ضاربة ودع" قبل سبعين عامًا قد صدقت وتحققت، صبيّة تطأ الدنيا بقدمين واثقتين، ترنو للأفق البعيد بنظرة متوثبة بينما تتطاير خصلات شعرها الكستنائية كأنما تصدّق على أحلام صاحبتها، حينها أخبرتني"العرّافة" أن عالمي سيضيق بيّ، سأعمّر حتى ييأس الموت منّي فيتركني لقهوتي وعُدتي.

ثم رنت لبعيد بعينين غائرتين، قالت لا يزال حديث العرّافة بعضه يرن في أذني: ستصبحين أنت ورفيقاك " ثالوثًا" ومثلّثًا تتكامل وتتساوى أضلاعه فإن هوى واحد منها.. ولا زلت أذكر نظرة عينيها الثاقبتين، وأقسم أنها قالت: إن حدث ذلك انفرط عقد الضلعين الباقيين.

تنهّدت المرأة، حتى لفحت وجهي بهيب أنفاسها الحارة، أكملتْ: لكم ساورتني رغبة في الخلاص من أيهما لكني تراجعت لإيماني أن القتل العمد جريمة لها عقوبة في الدنيا، وأخرى مؤجلة في الآخرة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة