الكاتب محمد نبيل
الكاتب محمد نبيل


«سيناء… عتبات الجنة101 » 6 قصة قصيرة للكاتب محمد نبيل

صفوت ناصف

السبت، 23 ديسمبر 2023 - 08:28 م

 

إهــــــــداء

إلى المصريات ..

الأم التي تدعوا لفلذة كبدها بالحياة الأبدية وهى تعلم الحقيقة!

.. الزوجة التي تحمل جنينا لن يرى والده أبدا وتتحول  رجلا (!)

الابنة التي ترفع رأسها فخرا لذكرى والدها…

من أجل الوطن ...

 

 

 

اللقاء..

 

يستر الليل مدينة العريش، وتحفها رياح هادئة طيبة ترطب من قيظ صيف يوليو 2014، ويسير الضباط الجدد بهوادة عبر بوابة الكتيبة 101، وخلال الرحلة الطويلة ذات الخمس ساعات علموا من النقيب محمود أن مقر الكتيبة مثل القلب الكبير الذي يسع الجميع، فوحدات كثيرة تتمركز داخل الكتيبة 101 الآن، وقد استشعر الضباط الجدد وكأن هذه الوحدة بوابة الجنة، ليس من الغريب أن تعتريهم ثلاثتهم فى توحد عجيب قشعريرة تأخذ بأوصالهم من نواصيهم وتمتد لتطول أطرافهم، الهواء غير الهواء، والسماء ليست كما اعتادوها فى القاهرة أو فى قنا.. هى مليئة بالنجوم وكأنها تطل عليهم تناديهم فتخطف أبصارهم إليها، يتدخل الضابط غريب بالحديث لزميليه وهما يسيران فى اتجاه مكتب القائد: أنتوا عارفين يا دفعة أنت وهو السماء هنا فى العريش عاملة زى "النداهة"، ما أجدرش أشيل عينى من جواها، شكلها عايزة تجول حاجة وحاجة مهمة كمان، ولَّا أنتوا ليكوا حديت تانى..

 

يستل الضابط يسرى أصابعه من جيبه ليستعدل كابه وكأنه تخوَّف من كلام دفعته الضابط غريب ليخفى عينيه عن تلك السماء، أو يغير اتجاه نظره إجباريًّا ويغوص فى كتفيه كأنه علم من السماء أكثر من زميليه فآثر السكوت ليستمع إلى دجيج داخله صدى صوته لحواره مع هذه السماء، التى تبدو وقد خطفته وغوته كما يقول دفعته غريب.

 

من حسن حظهم جميعًا انتهت خطواتهم سريعًا أمام مكتب القائد لتنتهى تلك الحالة الغريبة التى اعترتهم، وتقدمهم النقيب محمود يستأذن فى الدخول للسيد قائد اللواء ليقدم الضباط الجدد لسيادته، يخرج إليه الجندى مؤديًا التحية العسكرية للنقيب محمود، ثم يفتح الباب بيساره مطلقًا لصوته العنان ليملأ أرجاء غرفة المكتب: أفندم سيادة النقيب محمود يستأذن.. ويدلف النقيب محمود وخلفه الضباط الثلاثة الجدد.. يؤدى الأول التحية، ثم يصطف الضباط قطارًا فى مواجهة المكتب، ثم إلى اليسار يدور القطار فخطوة تنظيم يبدأها الأول فى القطار "الضابط يوسف"، وينادى الأخير "الضابط يسرى" فى صوت حازم: "قف"، ويستدير القطار مؤدِّين التحية العسكرية للسيد القائد، الذى لم يكن جالسًا خلف مكتبه بل واقفًا بجواره احترامًا لهؤلاء الضباط الشباب الجدد حديثى العهد بالحياة العسكرية، ويبادلهم السيد القائد بالتحية بطريقة لا تقل حيوية وحماسًا عن الضباط الشباب، ويبدأ الحديث...

 

القائد: أهلًا بيكوا فى بيتكوا.. ماحدش يستغرب العريش، بعد ساعات حتحسوا إنها زى بيتكوا ويمكن أقرب كمان.. أنا العقيد أركان الحرب السيد أحمد فوزى صالح قائد اللواء وأخوكوا الكبير، ثم ينظر إليهم بالترتيب الواحد تلو الآخر وكأنه يرسل إليهم برسائل طمأنة لا تخلو من حزم وانضباط، ويسأل: وحضراتكوا لو سمحتوا عرفوا نفسكم.

 

ويبدأ الضباط بترتيب أقدميتهم يعرفون أنفسم بالرقم العسكرى ورقم الأقدمية والرتبة والاسم، ويتوقف قليلًا القائد أمام الملازم غريب ويستكمل النظر إلى مَن تلاه فى الترتيب منهم، ويتقدم السيد القائد إليهم ليسلم عليهم باليد ويتعرف عليهم أكثر، ثم يدور حوار أبوى عن أحوالهم وأمانيهم وطموحاتهم، وما تعلموه فى الكلية الحربية، ويعود ليتحدث إلى الملازم غريب.

 

القائد: أنت من فين من الصعيد يا حضرة الضابط غريب؟

 

الضابط غريب يصمت برهة يتصبب منها عرقًا، شاخصًا بصره إلى أعلى دون النظر للسيد القائد، ويجتهد للتخلص من لهجته الصعيدية، ويضغط على شفتيه ليضبط مخارج ألفاظه: "من قنا يا فندم".. ويطلق زفيرًا مريحًا من عناء الاجتهاد.

 

القائد مُصرّ على استمرار التواصل مع الملازم غريب: قنا أحسن ولَّا سيناء يا حضرة الضابط غريب؟

 

الضابط غريب يصمت ثانية ليلملم إجابته قبل إطلاقها.. تدور فى رأسه أسئلة كثيرة؛ أولها: لماذا اختاره السيد القائد ليحدثه، وثانيها: هل سيجيب خطأ كما اعتاد مع حظه العثر فيقع فى شرك نصبه له القدر ليعطى انطباعًا سيئًا عنه فى أول لقاء مع السيد القائد، وآخرها: متى سينتهى منه السيد القائد وهو قد يرضى بأى وضع، المهم أنه قد اكتفى من هذا الحوار الذى سيودى بمستقبله فى مهده...

 

يقطع الهرطقة الدائرة فى رأس ذاك الصعيدى ويسأل ثانية: جاوب يا حضرة الضابط.

 

فى لهفة يطلق غريب حصان لسانه: "جنا يا فندم.. جصدى قنا.. جصدى سينا طبعًا يا فندم"، ويندم على مستقبله الذى ضاع معاتبًا نفسه همسًا: "وجعتك طين يا واكل ناسك.. جبر يلمك".

 

يبتسم القائد قائلًا: "خليك على راحتك يا حضرة الضابط غريب.. أنت فى بيتك.. اتكلم كأنك وسط أهلك.. مش قلت لكم أنتوا فى بيتكوا.. شوفوا يا حضرات الضباط، أنا قصدت أحسسكوا إنكوا فى بيتكوا ولازم تكونوا على طبيعتكوا، وده الدرس الأول لكم هنا.. متفقون؟.. ولا يعود للقائد رد.. فيكرر.. متفقون يا رجالة؟ ويسمع صوت يتلقف بدايته الضابط غريب تحديدًا كأنه طوق نجاة: "تمام يا فندم" بصوتٍ عالٍ.

 

القائد: الليلة وغدًا إدارى بالنسبة إليكم وتعارف على زمايلكم، وبعد غد صباحًا نلتقى مع قادتكم فى المكتب بعد طابور اللياقة.

 

الضباط: تمام يا فندم.

 

القائد: اتفضلوا.

 

ويؤدي الضباط التحية للسيد القائد منصرفين من المكتب بالأسلوب نفسه الذى قد دخلوا به، ويغلق الجندى الباب وهو ما زال خارج المكتب، ويطلق غريب زفيرًا آخر وكأنه عاد للحياة من جديد، ويضرب على كتف زميليه صارخًا: كنتوا حتخرجوا شايلين دفعتكوا يا رجالة، إنما أجر وعافية، يا بوووى القائد ده فيه حاجتين عكس بعض يا دفعة..

 

يلتفت إليه يوسف متسائلًا: إيه هما يا غريب؟

 

يرد غريب: حازم ومنضبط ومهذب جدًّا من ناحية، ومن الناحية التانية تحسه كده كِيف أبوك.

 

ويتبادل يسرى ويوسف النظرات لبعضهما بعض فى حوار لا يخلو من السخرية من أسلوب تفكير دفعتهم غريب، ويحرك يسرى رأسه معلنًا أنه لا فائدة من الكلام مع هذا الصعيدى القح، أما يوسف فيقول: وإيه الفرق يا غريب؟ ديه صفات مش عكس بعضها لأ.. ديه بتكمل بعضًا.. والواضح أن السيد القائد من كلامه معاك حب يفهمنا إزاى نكون على راحتنا هنا كأننا وسط أهلنا تمام.. أنت وصل لك ده يا غريب؟

 

غريب: يا واد عمه لو ما وصلش كنت كِيف أفضل أرطن بالصعيدى.. كان زمانى طبيت ساكتًا ماعتكلمش واصل كَنى أبكم.

 

يسرى موجهًا حديثه للنقيب محمود: يا فندم لو سمحت المبيت المخصص لينا فين؟

 

النقيب محمود: اتفضلوا من هنا.. ويشير لاتجاه السير إلى المبيت، وهناك حتلاقوا أسماءكوا وأرقام الغرف فى فندق الضباط.

 

يتوجه الضباط الجدد إلى المبيت وفى خلد كل منهم أمر واحد.. ما شكل السرير؟ وأين أقصر طريق للوصول إليه؟!

 

يلقى يوسف رأسه على وسادته التى تعرَّف عليها سريعًا، وقبل أن يغمض جفنيه يرسل الدعوات لخطيبته بطة، ولا يعتقد أنها ما زالت يقظة حتى تلك الساعة المقتربة من فجر اليوم الجديد.. والحقيقة أنه تمنى أن تبادله السهر؛ لأن بين المتحابين وصالًا من نوع عجيب، فكلاهما يتمنى أن يتذكره حبيبه فى الوقت الذى ينشغل فيه بالتفكير فى هذا الحبيب، وتروح الروح وتغدو بين الأحبة علَّ القلوب تلحظ ضيفها، وربما حظيت العين بطيف الحبيب أو جال بالخاطر ظن، وفاحت بعبيرها ذكريات الحبيب.. يوسف يناجى عشقه مرسلًا قبلات يستحى بل يستحيل أن يفعلها إلا فى خياله، فيضحك ساخرًا على ما يقوم به من تراهات يراها عقله هكذا.. والعجيب أن الحبيبة تتلقى قبلاته متمنيةً عليه إرسالها، وهى على يقين بأن تلك الأمنيات ما هى إلا ضرب من الجنون.. ويتفقا بلا اتفاق أن يبتسما لبعضهما كى يشبك كل منهما أجفانه لتحفظ وتصون صورة حبيبه طوال الليل -أو ما تبقى من هذه الليلة!-

 

مبكرًا.. ومع إشراقة صباح جديد يتسرب من هدوء حذر، تبدأ إجراءات روتينية تراتبية لبدء فعاليات طابور الصباح، وتنهض همم الجنود سابقة أجسادهم الممشوقة بالعزيمة.. ومع صفارات البروجى يسرع الرجال فى حركات هنديبة متقاطعة تملأ فراغات العنابر وتبدد رائحة النعاس ليغتسلوا ويبدلوا ثيابهم إلى ملابس التربية الرياضية، وتصطف أرض الطابور بزينة أبناء الأرض، وفى تشكيلات بديعة تتقاطع من جديد وتكتمل أيضًا؛ ترسم صورة وطن يضحك تتعالى منها أصوات النداء.. صه.. صه تلهب العزيمة تدك الأرض.. يردد الرجال أجمل أغانى الوطنية.. وأناااا على الربابة بغنى.. قول معاياااا يا شعب.. فداااكِ فدااكِ يا مصر.. تحيا مصر.

 

وفى طوابير منتظمة يذهب الجميع إلى ميس الطعام لتناول وجبة الإفطار، وتبدأ نكات متبادلة بين شباب يعشق الحياة يقهر صعوباته ويهزمها بالسخرية، وتنطلق نكات صعيدية، وترد عليها أخريات ساحلية، وتبتسم وجوه نوبية سمراء تعاكس بصفائها أشعة الشمس المتسللة عبر نوافذ الميس المطل على أرض الطابور والقريبة جدًّا من قدرها القادم، مع رسالات صاخبة من جنود الخدمة لسائق سيارة فنطاس مياه، التى توجهت كطلقة سهم لتخترق مسار طريق بوابة الوحدة، ويبادر الرجال بإطلاق دفعات من البنادق الآلية بعد صيحات التحذير تجاه السيارة لمنعها من الاستمرار فى مسارها، الذى اتضحت عدائية نواياه للوحدة.. لتتجلى على سيناء من جديد آيات العشق لهذه الأرض، وكانت ردة فعل المقاتل الشحات فرد الشرطة العسكرية حارس البوابة أسرع من الزمان المحسوب، فتلقف فى صدره أحد المعتدين المترجلين من السيارة بعد توقفها نتيجة طلقات الرصاص، وهو يتأبط حزامه الناسف عازمًا التوجه لميس الجنود ليفجر نفسه فى هؤلاء الأبرياء الأنقياء حراس الوطن بكامل حسنه وسوءه.. ويقفز الأسد الشحات خلف التكفيرى الملغم ليأخذه معه بعد أن احتضن فيه الحياة الأبدية؛ لعلمه اليقين بالرؤية البصرية المباشرة للمتفجرات التل يلتف بها التكفيرى، وأقل من زمن الوقوع على الأرض كان الانفجار يصعد بأجزاء من البطل الشحات يزفها إلى السماء مع رعد الانفجار كطلقات التحية العسكرية للبطل الشهيد، وتأبى الأرض إلا أن تأخذ نصيبها من بعض الشحات الذى تحول إلى ثرى وغبار يمتزج بتراب وهواء سيناء.. ترابًا نبنى به ونزرع فيه، وهواءً نستنشق عبيره للأبد، ويتلاشى التكفيرى كاملًا إلى العدم!

 

ويأبى القدر إلا أن يلحق بالشحات زملاء عرق تدريب النهار وابتسامة المغربية، فتنفجر عربة فنطاس المياه المليء بالمتفجرات ليطول انفجارها الغادر زينة الرجال داخل ميس الجنود، فتصعد سريعًا وبانتظام كما تدربت أرواح الأبطال دفعة واحدة إلى سماء المجد، حاملة معها ابتسامة الصباح البريئة، وتاركة خلفها فتوة الشباب لزملائها إرثًا بعد إرث لن ينضب معينه..

 

وتعم الموجة الانفجارية لتطول مكتب القائد الذى استيقظ كعادته مبكرًا يستدعى ضباطه ومعاونيه لتنفيذ المخطط لبرامج تدريب اليوم وتنظيم دوريات المرور على الكمائن، وفى حضرته رئيس عملياته ورئيس تسليح ورئيس أشغال الوحدة، وأراد القدر أن يلقى كل منهم ربه على ما هو عليه من إتقان واجتهاد فى العمل..

 

ومع هول الحادثة يتدافع الجميع لإنقاذ الأبطال ممن هم على قيد الحياة، ويجرى الملازم يوسف فى أولى خطواته المتسارعة داخل وحدته الجديدة إلى الميس ليجد النقيب محمود زميل البارحة القريبة جدًّا وهو يُسمى الشهداء، على الرغم من ضياع معظم الملامح فإنه كان يستشعرهم ويتعرف عليهم بمجرد ملامستهم، فيقول للملازم يوسف: اكتب ورائى بسرعة.

 

فيخرج يوسف من جيب أفروله نوتة القائد التى تعلَّم أن تكون ملاصقة له ليدون الأوامر مباشرة فيها، ويمسك بأحد أقلامه المعلقة على ذراعه الأيسر ويكتب فى طاعة لتنفيذ أول أمر له بعد التحاقه بوحدته وبداية حياته العسكرية ملبيًا: مع سيادتك يا فندم..

 

ويبدأ النقيب محمود بالتغنى بصفات شهدائه وهو يملى على يوسف أسماءهم!

 

النقيب محمود: اكتب يا حضرة الضابط.. ويأخذ نفسًا عميقًا يدفع معه حزنه إلى أعماقه، ويترك قليلًا من الهواء ينطق به أسماء الأبطال.

 

وينظر يوسف إليه محدثًا نفسه: ما أعظم أول درس لك فى الجيش يا يوسف.. ويتساءل بدهشة عن حقيقة هذا الرجل النقيب محمود، الذى أتى به وبزملائه من معسكر الجلاء أمس ضاحكًا مقبلًا على الحياة لازمهم حتى باب قائدهم.. قائدهم؟ أين هو الآن؟ لقد رأيت مكتب القيادة يتصدع من الموجة الانفجارية وأنا بجرى تجاه الميس.. سيادة العقيد السيد أحمد.. ويتمتم حتى يتعالى صوته باسمه فيبادر بالرد النقيب محمود: اثبت يا حضرة الضابط.. سيادة العقيد هو اللى علمنا نشوف الجنود الأول، ويشيح بنظره إلى تجمعات الشهداء، ويطلق أمرًا حازمًا: الضابط يسرى أنت والضابط غريب شوفوا الجرحى.. وأنت يا ضابط يوسف اكتب ورائى...

 

الشهيد البطل أحمد عصمت، الشهيد البطل محمد عاطف، الشهيد البطل هانى عبدالله، ويتحسس وجوههم ليغلق أجفان الشهداء، ويتحدث لأحدهم وكانت عيناه إلى السماء فيقول: شايف يا دفعة مكانك فى الجنة.. استرح.. استرح ده أمر نهائى.. استرح وشوف حاتعمل إيه فى جنتك. ثم يتوجه برأسه إلى مصدر نور السماء ويرسل عبر نوافذ الميس دعواته: يا رب ألحقنى برجالى شهيدًا مثلهم.. لكن يا رب بعد ما آخد لهم تارهم. ويتنهد من جديد من هول ما يتحمله هذا الشاب، الذى ينظر إليه يوسف بتقدير لا متناهٍ.. وينتقل بين أبطاله ويتحدث مع نفسه بصوت أجش: أهو لاقيته.. اكتب الشهيد البطل عبد المقصود، وزميله البطل عبد المنعم، لأ اكتب الشهيد البطل عبد المنعم.. وينظر إلى يوسف ممسكًا على كتفه بقوة: حقه صح؟ حقه يتنادى (الشهيد) يا حضرة الضابط يوسف.. فاهم.. كلهم شهداء.. ويردد: كلهم شهداء. وتبدأ ثمة زفرة تتسلل من عينه فيمسكها بقوة، ويتوارى عن ناظرَي يوسف حتى لا يفضح أمرها، ويقبض النقيب محمود عليها محدثًا نفسه: لا.. لا.. ليس اليوم، إنما بعد التار سأبكى عليكم جميعًا أيها الشهداء الأبطال، وإنه لقريب إن شاء الله..

 

كمِّل يا حضرة الضابط يوسف.. دفعة الجنة اليوم كثيرة، والله ولادك يا مصر يستاهلوا الجنة.. اكتب: الشهيد البطل فتح الله، الشهيد البطل عدوى السيد، الشهيد البطل المتولى حسن، الشهيد البطل سمير السعيد، الشهيد البطل عبد النبى يحيى. وينتهى النقيب محمود من حصر الشهداء ويطمئن لوجود عربات الإسعاف التى انتشرت بموقع الانفجار لتحمل المصابين لعلاجهم بمستشفى العريش العسكرى.

 

ويهرول عبر الميس إلى أرض الطابور، ومن خلفه يوسف وغريب ويسرى إلى مكتب القيادة المتهدم، وزملاؤهم من الضباط والجنود يشاركون فى حمل الأنقاض بحثًا عن أحياء، ويقابل محمود دفعته النقيب أسعد الذى تولى مهمة حصر المصابين والشهداء بمكاتب القيادة، وقبل أن يسأله محمود يبادر أسعد مرتلًا آيات القرآن: )ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتًا(، ويكمل النقيب محمود بثبات: (بل أحياء عند ربهم يرزقون)، ويشد النقيب أسعد على يد النقيب محمود بقوة، ويندهش الضابط غريب وتدور رأسه يمينًا ويسارًا علَّه يجد إجابه لاندهاشه.. ويؤجل السؤال لوقته المناسب.

 

يلتفت النقيب محمود إلى زملائه يوسف ويسرى وغريب موجهًا حديثًا ثابت الصوت: طبعًا أنتوا قابلتوا الشهيد البطل العقيد السيد أحمد مساء أمس، فاكرين الشهيد البطل الرائد هشام اللى كان قاعد معاه، رئيس العمليات اللى دعا لكم بالتوفيق.. يطأطئ يوسف رأسه ويرد يسرى: تمام يا فندم.

 

فيقول النقيب محمود: لحق بهم الشهيد البطل النقيب عادل رزق، والشهيد البطل الملازم أول أحمد بلال.. الدم غالٍ يا رجالة والتار واجب، إنما يجب أن ننتظر الأوامر..

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة