الأديب سيف المرواني
الأديب سيف المرواني


«عينان تلبسان ثوب الحزن» قصة قصيرة للأديب سيف المرواني

صفوت ناصف

السبت، 23 ديسمبر 2023 - 08:53 م

رجل عجوز مسك بالعصا يتكئ عليها تمتد خطواته قليلا، وأحيانا تنكمش يحمل فوق ظهره كيسا لا أعلم ما به، لكنه ثقيل يمر من إمامي .. فجأة الأنظار تتجه إليه وتحدق فيه طويلا، يحاول أن يخفي ما به  من ألم ولا يظهره أمام الناس, تعابير وجهه تدل علي أن السنين والأيام قد أضنته وأتعبته, يحمل فوق كاهله هموم كثيرة, وفي هذه اللحظة التي مر فيها من إمامي رايته ينظر الي البعيد ويتطلع الي الأفق وأثناء ذلك يسقط وتتعثر خطوته بسبب حجر صغير حال بينه وبين مواصلة سيره.

 

 هب الناس إليه قالوا له: ما الذي حدث، هل حدث شئ لك ؟ قال: لا، رفعه الناس حتي نهض علي قدميه وهو يرتعش، وكان بجواري كرسي فجلبته له وأجلسته عليه، مازالت عيناه محملقتان فيما حوله وبدأ بتصبب عرقا، فأدخل يديه في جيبه وأخرج منديلا مسح به آثار العرق المختلط بالدموع, تأوه وأطلق آهة ثم أتبعها بتنهيدة عميقة تدل علي أن في داخله حزن كبير, جلست بجواره, ربت علي كتفه سألته: يا عم هل تنتظر أحدا ؟ لم ينتبه لما قلت, مازال سارحا, بادرته بسؤال ثان: ما بالك ؟ قال لاشئ أسرعت في سؤالي الأخر عليه ما هو اسمك يا عم ؟

في هذه اللحظة لا شعوريا أفاق من سرحانه، فقال: لي إني غريب في هذا الزمان ثم سكت برهة فأخذ يلتقط أنفاسه

فقلت: يا عم غريب لماذا عيناك تلبسان ثوب الحزن ؟

 قال: لا يوجد شئ لا ليس هناك أي شئ يذكر

رددت عليه يا عم احكي عن ما يدور في خلدك، فما زال مصراً، يقول لا داعي لذكرها لن أؤذي بها صدرك يا ولدي لن أقول لك شيئاً، الأفضل أن تبقي مكتومة في داخل صدري لا لن أثقل كاهلك بأمور تملأ قلبك حزنا وهما لا أستطيع

نظرت في عينيه دقائق معدودة وكان يكتفنا الصمت وجهت له سؤالاً إلى أين ؟

قال : للمكان الذي يقيني حرارة الشمس وبرودة الشتاء هناك بعيداً أشار بإصبعه سرح مرة أخري ورجع فأكمل حديثه في أخر زاوية من العالم وأخر مراحل العمر.

 ما زالت أسئلتي الكثيرة تلاحقه وسألته ماذا تنتظر؟

قال : انتظر الحافلة  لكي توصلني إلي هناك , يشير للبعيد

فقلت له أي حافلة تريد ؟

رد قائلا أي باص يطوف العالم ورحلته لا تنتهي أبدا

طلبت من العم غريب أن يفتح لي صدره ويحكي عن ما يخفيه وسبب له التعب والألم والحيت في الطلب, فما أن بدأت شفتاه تنطلقان حتي ظهر الباص فجأة ووقف في المكان المعد لوقوفه، سكت العم غريب ونهض من مكانه بتثاقل فساعدته حتي أوصلته باب الباص ووضع قدمه في الباص وقال لي مع السلامة وإلي لقاء، عندها اغرورقت عيناي وذرفت الدموع أحسست إني فقدت إنسانا أعرفه من زمن فأغلقت الحافلة بابها ومازال العم غريب يلوح بيديه لي وذهب كل منا إلى طريق.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة