د.إلهام سيف الدولة حمدان
عن محاولات العبث بالهوية
السبت، 30 ديسمبر 2023 - 02:11 م
أعد نفسي من المحظوظات، فقد جمعتني منصة الحوار للمرة الثالثة مع الرائدة العظيمة الدكتورة هدى عبدالمنعم زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسي والعسكري بجامعة الزقازيق والمحاضرة بكلية ناصر العسكرية وعضو المجلس الأعلى للإعلام سابقا وعضو اللجنة العليا لمكافحة التطرف برئاسة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والكاتبة والحكاءة التي لايمل لها حديثا بل يلتف حولها الجميع ليستقي من ماعون حبها بل عشقها لمصرنا المحروسة، فقد التقيتها في ندوة أقامتها جمعية محبي الفنون الجميلة مؤخرا، بناء على ترشيح منها لي لأشاركها مناقشة موضوع غاية في الأهمية حول الهوية المصرية في ظل المتغيرات العربية والعالمية، وأدار الحوار مدير النشاط الثقافي بالجمعية الكاتب محمد نوار .
يالها من مسئولية تلقى على عاتقي أمام جمهور من طراز فريد من المثقفين الحقيقيين المهتمين بقضايا الوطن، خاصة في هذه الآونة شديدة الحساسية، فمصرنا تقبع وسط مخاطر لاحصر لها ولا عدد، فما كان مني إلا أن استمعت بمنتهى الإنصات لكلمة د.هدى زكريا بغية أن تزول مخاوفي من فرط إحساسي بالمسئولية من الموضوع وهذه المشاركة مع قمة من قممنا الفكرية المصرية التي بادرت الحضور بالتأكيد على قدسية الهوية المصرية، فهي الوطن بكل مكوناته ومشتملاته، برغم محاولات تراها مستميتة لضربها في مقتل لكنها لاتبلغ الهدف لوعي المصريين بمصلحة بلدهم، واستدلت من بحر مكونها المعرفي بتاريخ المحروسة وأهلها، فذكرت أن الملك (مينا) عندما وحد القطرين استطاع أن يجمع شمل المصريين بعيدا عن أية صراعات، وهذا يعني أن المصريين هم أصحاب فكرة “العقيدة الوطنية”، وعددت في معرض حديثها نماذج من وقائع تؤكد على تمسك المصري بهويته، فكان للاستعمار تأثيره الواضح على الشعوب التى قام باحتلالها، فتراجعت اللغة العربية وغلبت اللغة الفرنسية على الشمال الأفريقى لغة المحتل الفرنسي له، أما فى مصر فلم يستطع الاستعمار تغيير لغتنا العربية سواء كانت اللغة الفصحى أو حتى اللغة العامية لأهل المحروسة، وأن الشعب المصرى قد اختار فى 30 يونية 2013 الوطن الراسخ فى التاريخ، ورفض الذين يدعون أنهم ينتمون إلى الدين فقط، ويرون أن الوطن ليس إلا مجرد “حفنة من التراب العفن “ ! .
وجالت مع الحضور في مناقشة الأمر مع تحذير من مغبة المحاولات التي تدبرها الحركة الصهيونية للعبث في التاريخ_ وبطبيعة الحال_ سيؤدي إلى العبث في الهوية، فالأمور إذن ليست مطمئنة، لهذا لابد من المحافظة على الذاكرة الاجتماعية فهى أحد الأدوات المهمة للمحافظة على الهوية، وأشادت بالدور الذي يقوم به الجيش المصرى فهو خير حارس للهوية المصرية، ورددت مقولة جمال حمدان : تحت رداء المصرى رداء آخر ( كاكى ) زى العسكرية المصرية، و مقولة أحمد عرابى ومعه ألف وخمسمائة من الجيش والشعب لحاكم مصر الخديوى توفيق :” لقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً “ وهذا ينطوي على مكونات الهوية المصرية .
وجاء دوري في الحديث لأؤكد على عدة أمور وقضايا تحدث في مجتمعنا المصري دون أدني التفات لقصدية إزاحة الهوية المصرية وتمييعها بشتى السبل لصالح مخططات عالمية، فقد تابعنا الكثير من المؤتمرات والكتابات التي عقدت وتناولت قضية الهوية، هل نفهم معنى الهوية ؟ ما زال المفهوم مستعصيا على الوضوح، فقد فشلت في أن تضع تعريفا شافيا واصفا ومحددا لها، وبوصفي أستاذ اللغويات والتأليف والكتابة الإبداعية بأكاديمية الفنون حرصت على تصويب النطق لكلمة (الهوية) فلغويًا مأخوذة من ”هُوَ .. هُوَ“ بمعنى أنها جوهر الشيء، وحقيقته و ثوابته التي تتجدد لا تتغير، تتجلى مفصحة عن ذاتها، دون أن تخلي مكانها لنقيضها، وتتشكل هوية أية أمة من مجموع صفاتها التي تميزها عمَا عداها تعبيرًا عن شخصيتها الحضارية.وتنطوي على ثلاثة عناصر: العقيدة ، واللغة والموروث الثقافي التاريخي.
ويعد الدين أهمها على الإطلاق حيث في الحروب تذوب الهويات متعددة العناصر، وتصبح الهوية الأكثر معنى بالنسبة للصراع هي السائدة.وهذا ما أدركه الأعداء اليوم فيرون أن استعادة المسلمين لهويتهم الإسلامية وانتمائهم القرآني هو أكبر الأخطار، و الغربيون أحرص ما يكون على هوياتهم، وعلى ذوبان المسلمين المهاجرين في مجتمعاتهم، بل إن هناك مؤسسات ووزارات خاصة للاندماج وتذويب الهويات، وأوروبا ترفض تركيا بسبب الهوية ليس إلا، وكما قال الرئيس أوزال سنة 1992م: سجل تركيا بالنسبة لحقوق الإنسان سبب ملفق لعدم قبول طلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، السبب الرئيسى هو اختلاف الديانة. فالقوى الأوروبية تعلنها مدوية أنهم لا يريدون دولة إسلامية (تركيا) في الاتحاد الأوروبي، ولا يرحبون بوجود دولة إسلامية أخرى (البوسنة) ، إذن،إنهم يعلنونها حرب “هويات “!
لقد اصبحنا جزرا منفصلة فى المجتمع ، لهذا لابد أن نعترف أن الأعداء نجحوا إلى حد كبير في تغيير الشخصية المصرية، يحدث هذا وسط غياب دور للدولة ودور الأسر، وتراجع التعليم فى مدارسنا، والعزوف عن القراءة، هذا يتسبب فى غياب الوعى، فهو الأمر المنجي مما يحاك لنا، وأكدت أن المجتمع يواجه تهديدا حقيقيا إذا ما استمرت محاولات محاربة لغتنا العربية فى ظل التعليم الأجنبي ووجود مؤسسات تعليمية ألمانية، يابانية، فرنسية، وغيرها، الدول الغربية تتعلم لغتنا العربية مع الحفاظ على لغتهم الأم دون مساس، لابد أن نتخلص من “عقدة الخواجة “ التي تلازمنا ونراها بإطلاق أسماء غربية على المطاعم (ريستوران) حيث قائمة الطعام المدرج بها كل الأصناف بلغة أجنبية لماذا؟!، والبقالة (سوبر ماركت)، والشركات وحتى المدارس، كل هذا وغيره “تمييع للهوية” .
لقد أصبحت الثقافة “ثقيلة الظل” وحجر على صدورنا، ندعو إلى القراءة والاطلاع دون استجابة، ونواجه بالمناهج الدراسية المرهقة فى المدارس، أما أهمية الموروث الشعبى فهو طوق النجاة للمحافظة على هويتنا حيث تمثل الأزياء مكونا رئيسا لسهولة التعرف على بلدك من الملبس دون أن تنطق بكلمة.
وأشارت إلى مسألة الاختلاط فى المدارس بضوابط طبيعية تحد مستقبلا من جرائم التحرش فزميلة الدراسة لها مكانة الأخت منذ الصغر، وأخيرا دور الفنون والفنان القدوة.
لقد ركزت الندوة على تناول قضية الهوية الشائكة من كل جوانبها في استفاضة ونقاش هادىء يملؤه الحماس والغيرة على الوطن منا ومن الحضور، لكن مازال في الجعبة الكثير لطرحه والوقوف على حلول ناجعة بجانب ماتطلقه وزارة الثقافة من حملات وجهود الأفراد للإسهام في الحل، لكونها غير كافية في ظل المتغيرات المحمومة حولنا.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة