د. محمود رجب ود. سعيد توفيق
د. محمود رجب ود. سعيد توفيق


د. سعيد توفيق يتذكر قيمة منسية.. «محمود رجب»: الفيلسوف

الأخبار

الأحد، 31 ديسمبر 2023 - 11:35 م

المفكر الكبير الناقد البارز د. سعيد توفيق الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، أستاذ الفلسفة بآداب القاهرة اختار صفحات جريدتنا كأفق يتذكر فيه قيمة علمية منسية، وقامة فكرية فذة تجاهلنا ذكراها، وأهملنا سيرتها، وهو الفيلسوف الكبير الراحل د. محمود رجب صاحب كتاب «فلسفة المرآة»، والمؤلفات القيمة الأخرى.

من آفات الثقافة فى مصر آفة نسيان، بل تجاهل، أولئك الذين لم يحظوا بالشهرة فى حياتهم؛ لأنهم لم يعرفوا الطرائق التى تصنع الشهرة، ولم يحرصوا يومًا على التطلع إليها، وتلك أمور يعرف الكثيرون كيف يصنعونها، رغم أن أكثرهم من المتنطعين على الثقافة، أو من المتسولين فى أروقة الثقافة، وميادينها، فترى واحدًا يروج لنفسه بأنه حاصل على الدكتوراة من كبار الفلاسفة الألمان، بينما كان مجرد متسكع فى شوارع ألمانيا، وترى أشباه هذا كثيرين ممن ينتحلون صفاتٍ لا يحوزونها، وإمكانياتٍ وقدرات هى أشبه بذرات الرماد التى لا أساس لها فى الواقع. ومن أسف أن التأريخ للثقافة يحتفى أحيانًا بمثل هؤلاء النكرات الذين يملأون حياتنا الثقافية ضجيجًا، ولا يحاولون التفتيش عن المثقفين والمبدعين الحقيقيين المجهولين فى تاريخنا الثقافى، وتلك آفة كبرى فى حياتنا الثقافية. ومن هؤلاء المجهولين: محمود رجب، وصلاح قنصوة رحمهما الله، وكلاهما كانا أستاذين وصديقين لى فى الوقت نفسه. لم يدرس لى كلاهما، ولكنى تعلمت منهما الكثير، وأصبحا صديقين حميمين لي، رغم أنهما كانا يكبرانى فى العمر كثيرًا. ولن أتحدث فى هذا المقال القصير عن صلاح قنصوة (أخو الناقد الشهير إبراهيم فتحي، وهو اسمه الأول المركب، واسمه الكامل هو إبراهيم فتحى قنصوة)؛ لأننى كتبت عنه أكثر من مقالٍ، وسوف يصدر مقالى المُطوَّل عنه فى الكتاب التذكارى الذى يقوم بإعداده الآن د.ياسر قنصوة بجامعة الزقازيق. ولذلك فإنى سوف أكتفى هنا بشذرات عن الفيلسوف الكبير الراحل محمود رجب.

اقرأ أيضاً| كنوز| أمير الصحافة يقضى ليلة «رأس السنة» وحيدًا

فمحمود رجب هو تلميذ الفيلسوف الأشهر الراحل عبد الرحمن بدوى الذى أشرف على رسالته فى «الماجستير» بعنوان «الميتافيزيقا عند الفلاسفة المعاصرين»؛ ولكن «بدوى» كان متشدداً مع القلة القليلة من تلاميذه، وأبرزهم محمود رجب؛ فألزمه بأن يتعلم أولًا الألمانية، وأن يترجم عن الألمانية بعض مقالات «هيدجر» التى صدرت فى كتاب بعنوان «ما الفلسفة؟ ما الميتافيزيقا؟» «هيلدرلن وماهية الشعر» والتى اشترك فيها مع فؤاد كامل الذى يُعد أيضًا أحد المجهولين فى الثقافة الفلسفية. وقد انصاع محمود رجب وتعلم الألمانية وترجم مقال «هيدجر» بعنوان «ما الميتافيزيقا». وقد قدم محمود رجب مؤلفاتٍ عديدة، وإن لم تكن كثيرة فى مجال الفلسفة؛ وعلى الرغم من أن هذه المؤلفات تُعد كتابات أكاديمية رصينة فى الفلسفة، فإنه قد قام بإصدارها فى طبعات متواضعة لدى الناشرين بجامعة القاهرة ممن يكتفون بتوزيع الكتب على الطلاب؛ ولذلك فإنها قد طواها النسيان، ولم تبقِ كتاباته إلا فى ذاكرة نفرٍ قليل جدًا من الأساتذة من أمثالي.

أما أهم كتب محمود رجب التى تشكل إبداعًا أكاديميًّا خالصًا فهو كتاب «فلسفة المرآة» الذى ظهرت طبعته الأولى عن دار المعارف، ولكن لم يلتفت إليه إلا قلة قليلة من المثقفين. ومع ذلك فإن هذا الكتاب إذا صدر فى نشرة واسعة يمكن الترويج لها، وإذا جرت ترجمته إلى الإنجليزية على سبيل المثال ، لكان جديرًا بمكانة تفوق كثيرًا كتاب الفيلسوف الأمريكى الشهير «ريتشارد رورتى» عن فلسفة المرآة، وتفوق كثيرًا الكتب التى صدرت بالعربية عن هذا الموضوع، والتى نالت شهرة واسعة على حساب كتاب محمود رجب. وليس بوسعى فى هذا المقال القصير أن أذكر شيئًا وافيًا بمضمون هذا الكتاب الذى كتبت عنه مقالًا طويلًا صدر فى «مجلة إبداع»، وصدر بعد ذلك فى دورية «أوراق فلسفية» التى يصدرها د. أحمد عبد الحليم؛ فليرجع إلى ذلك من يشاء، وربما يدفعه إلى القراءة ما ذكره د. فؤاد زكريا لمحمود رجب حينما قال له: «إن مقال سعيد توفيق عن هذا الكتاب هو أفضل ما كُتب عنك، بما فى ذلك مقال د. إمام عبد الفتاح إمام الذى كتبه عن هذا الكتاب». وهذا ما أكد عليه د. فؤاد زكريا لى شخصيًّا.

ولا أقصد من وراء مقالى هذا سوى أن ننقح تاريخنا الثقافى، وأن نحتفى بالكبار، ونهمل الصغار المتنطعين على الثقافة، وهذا ما تفعله جريدة الأخبار العريقة دائماً.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة